Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 137-143)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى مخاطباً عباده المؤمنين الذين أصيبوا يوم أُحد ، وقتل منهم سبعون { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } أي قد جرى نحو هذا على الأمم الذين كانوا من قبلكم من أتباع الأنبياء ، ثم كانت العاقبة لهم ، والدائرة على الكافرين ، ولهذا قال تعالى { فَسِيرُواْ فِى ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } ثم قال تعالى { هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ } يعني القرآن فيه بيان الأمور على جليتها ، وكيف كان الأمم الأقدمون مع أعدائهم { وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ } يعني القرآن فيه خبر ما قبلكم . و { هُدًى } لقلوبكم ، و { وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } أي زاجر عن المحارم والمآثم . ثم قال تعالى مسلياً للمؤمنين { وَلاَ تَهِنُوا } أي لا تضعفوا بسبب ما جرى { وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي العاقبة والنصرة لكم أيها المؤمنون { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ } أي إن كنتم قد أصابتكم جراح ، وقتل منكم طائفة ، فقد أصاب أعداءكم قريب من ذلك من قتل وجراح { وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ } أي نديل عليكم الأعداء تارة ، وإن كانت لكم العاقبة لما لنا في ذلك من الحكمة ، ولهذا قال تعالى { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } قال ابن عباس في مثل هذا لنرى من يصبر على مناجزة الأعداء { وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ } يعني يقتلون في سبيله ، ويبذلون مهجهم في مرضاته { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } أي يكفر عنهم من ذنوبهم إن كانت لهم ذنوب . وإلا رفع لهم في درجاتهم بحسب ما أصيبوا به . وقوله { وَيَمْحَقَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } أي فإنهم إذا ظفروا ، بغوا وبطروا ، فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ومحقهم وفنائهم ، ثم قال تعالى { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } أي أحسبتم أن تدخلوا الجنة ، ولم تبتلوا بالقتال والشدائد ؟ كما قال تعالى في سورة البقرة { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ } البقرة 214 الآية . وقال تعالى { الۤـمۤ أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } الآية ، ولهذا قال ههنا { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } أي لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تبتلوا ، ويرى الله منكم المجاهدين في سبيله ، والصابرين على مقاومة الأعداء . وقوله { وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ } أي قد كنتم أيها المؤمنون قبل هذا اليوم ، تتمنون لقاء العدو ، وتتحرّقون عليهم ، وتودون مناجزتهم ومصابرتهم ، فها قد حصل لكم الذي تمنيتموه وطلبتموه ، فدونكم فقاتلوا وصابروا ، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال " لا تتمنوا لقاء العدو ، وسلوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم ، فاصبروا ، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف " ولهذا قال تعالى { فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ } يعني الموت ، شاهدتموه وقت لمعان السيوف وحد الأسنة واشتباك الرماح وصفوف الرجال للقتال . والمتكلمون يعبرون عن هذا بالتخييل ، وهو مشاهدة ما ليس بمحسوس كالمحسوس كما تتخيل الشاة صداقة الكبش ، وعداوة الذئب .