Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 37-37)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر ربنا أنه تقبلها من أمها نذيرة ، وأنه { وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } ، أي جعلها شكلاً مليحاً ، ومنظراً بهيجاً ، ويسر لها أسباب القبول ، وقرنها بالصالحين من عباده تتعلم منهم العلم والخير والدين ، فلهذا قال { وكَفَلَها زَكَرِيَّا وفي قراءة وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } بتشديد الفاء ، ونصب زكريا على المفعولية ، أي جعله كافلاً لها . قال ابن إسحاق وما ذلك إلا أنها كانت يتيمة . وذكر غيره أن بني إسرائيل أصابتهم سنة جدب ، فكفل زكريا مريم لذلك ، ولا منافاة بين القولين والله أعلم . وإنما قدر الله كون زكريا كافلها لسعادتها ، لتقتبس منه علماً جماً نافعاً ، وعملاً صالحاً ، ولأنه كان زوج خالتها على ما ذكره ابن إسحاق وابن جرير وغيرهما ، وقيل زوج أختها ، كما ورد في الصحيح " فاذا بيحيى وعيسى ، وهما ابنا الخالة " وقد يطلق على ما ذكره ابن إسحاق ذلك أيضاً توسعاً ، فعلى هذا كانت في حضانة خالتها . وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في عمارة بنت حمزة أن تكون في حضانة خالتها امرأة جعفر بن أبي طالب ، وقال " الخالة بمنزلة الأم " ، ثم أخبر تعالى عن سيادتها وجلالتها في محل عبادتها ، فقال { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا } . قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو الشعثاء وإبراهيم النخعي والضحاك وقتادة والربيع بن أنس وعطية العوفي والسدي يعني وجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف . وعن مجاهد { وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا } أي علماً ، أو قال صحفاً فيها علم ، رواه ابن أبي حاتم ، والأول أصح ، وفيه دلالة على كرامات الأولياء . وفي السنة لهذا نظائر كثيرة ، فإذا رأى زكريا هذا عندها { قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا } أي يقول من أين لك هذا ؟ { قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إنَّ ٱللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } . وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا سهل بن زنجلة ، حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا عبد الله بن لهيعة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام أياماً لم يطعم طعاماً حتى شق ذلك عليه ، فطاف في منازل أزواجه ، فلم يجد عند واحدة منهن شيئاً ، فأتى فاطمة ، فقال " يا بنية هل عندك شيء آكله ، فإني جائع ؟ " قالت لا والله بأبي أنت وأمي ـ ، فلما خرج من عندها ، بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم ، فأخذته منها ، فوضعته في جفنة لها ، وقالت والله لأوثرن بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي ومن عندي ، وكانوا جميعاً محتاجين إلى شبعة طعام ، فبعثت حسناً أو حسيناً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليها ، فقالت له بأبي أنت وأمي قد أتى الله بشيء ، فخبأته لك ، قال " هلمي يا بنية " قالت فأتيته بالجفنة ، فكشفتُ عنها ، فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً ، فلما نظرت إليها ، بهتت ، وعرفت أنها بركة من الله ، فحمدت الله ، وصليت على نبيه ، وقدمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه حمد الله وقال " من أين لك هذا يا بنية " ؟ قالت يا أبت { هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إنَّ ٱللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } فحمد الله ، وقال " الحمد لله الذي جعلك يا بنية شبيهة بسيدة نساء بني إسرائيل ، فإنها كانت إذا رزقها الله شيئاً وسئلت عنه ، قالت هو من عند الله ، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب " فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي ، ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأكل علي وفاطمة وحسن وحسين وجميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته حتى شبعوا جميعاً ، قالت وبقيت الجفنة كما هي ، قالت فأوسعت ببقيتها على جميع الجيران ، وجعل الله فيها بركة وخيراً كثيراً .