Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 38-41)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما رأى زكريا عليه السلام أن الله يرزق مريم عليها السلام فاكهة الشتاء في الصيف ، وفاكهة الصيف في الشتاء ، طمع حينئذ في الولد ، وكان شيخاً كبيراً قد وهن منه العظم واشتعل رأسه شيباً ، وكانت امرأته مع ذلك كبيرة وعاقراً ، لكنه مع هذا كله سأل ربه وناداه نداء خفياً ، وقال { رَبِّ هَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ } أي من عندك { ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } أي ولداً صالحاً { إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } . قال تعالى { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّى فِى ٱلْمِحْرَابِ } أي خاطبته الملائكة شفاهاً خطاباً ، أسمعته ، وهو قائم يصلي في محراب عبادته ومحل خلوته ومجلس مناجاته وصلاته . ثم أخبر تعالى عما بشرته به الملائكة { أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ } أي بولد يوجد لك من صلبك اسمه يحيى . قال قتادة وغيره إنما سمي يحيى لأن الله أحياه بالإيمان . وقوله { مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ } . روى العوفي وغيره عن ابن عباس ، وقال الحسن وقتادة وعكرمة ومجاهد وأبو الشعثاء والسدي والربيع بن أنس والضحاك وغيره في هذه الآية { مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ } أي بعيسى بن مريم . وقال الربيع بن أنس هو أول من صدق بعيسى بن مريم . وقال قتادة وعلى سننه ومنهاجه . وقال ابن جريج قال ابن عباس في قوله { مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ } ، قال كان يحيى وعيسى ابني خالة ، وكانت أم يحيى تقول لمريم إني أجد الذي في بطني يسجد للذي في بطنك ، فذلك تصديقه بعيسى تصديقه له في بطن أمه ، وهو أول من صدق عيسى ، وكلمة الله عيسى ، وهو أكبر من عيسى عليه السلام ، وهكذا قال السدي أيضاً . قوله { وَسَيِّدًا } قال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة وسعيد بن جبير وغيرهم الحكيم . قال قتادة سيداً في العلم والعبادة . وقال ابن عباس والثوري والضحاك السيد الحكيم المتقي . قال سعيد بن المسيب هو الفقيه العالم . وقال عطية السيد في خلقه ودينه . وقال عكرمة هو الذي لا يغلبه الغضب . وقال ابن زيد هو الشريف . وقال مجاهد وغيره هو الكريم على الله عز وجل . وقوله { وَحَصُورًا } روي عن ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبي الشعثاء وعطية العوفي ، أنهم قالوا الذي لا يأتي النساء . وعن أبي العالية والربيع بن أنس هو الذي لا يولد له . وقال الضحاك هو الذي لا ولد له ، ولا ماء له . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن المغيرة ، أنبأنا جرير عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس في الحصور الذي لا ينزل الماء . وقد روى ابن أبي حاتم في هذا حديثاً غريباً جداً ، فقال حدثنا أبو جعفر محمد بن غالب البغدادي ، حدثني سعيد بن سليمان ، حدثنا عباد ، يعني ابن العوام ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن العاص لا يدري عبد الله أو عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { وَسَيِّدًا وَحَصُورًا } قال ثم تناول شيئاً من الأرض ، فقال " كان ذكره مثل هذا " ثم قال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، أنه سمع سعيد بن المسيب ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول ليس أحد من خلق الله لا يلقاه بذنب غير يحيى بن زكريا . ثم قرأ سعيد { وَسَيِّدًا وَحَصُورًا } ثم أخذ شيئاً من الأرض ، فقال الحصور من كان ذكره مثل ذي . وأشار يحيى بن سعيد القطان بطرف أصبعه السبابة ، فهذا موقوف أصح إسناداً من المرفوع ، بل وفي صحة المرفوع نظر ، والله أعلم . ورواه ابن المنذر في تفسيره حدثنا أحمد بن داود السمناني ، حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا علي بن مسهر ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، قال سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من عبد يلقى الله إلا ذا ذنب إلا يحيى بن زكريا ، فإن الله يقول { وَسَيِّدًا وَحَصُورًا } " قال " وإنما ذكره مثل هدبة الثوب " وأشار بأنملته ، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا عيسى بن حماد ومحمد بن سلمة المرادي قالا حدثنا حجاج بن سليمان المقري ، عن الليث بن سعد ، عن محمد بن عجلان ، عن القعقاع ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل ابن آدم يلقى الله بذنب يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه ، إلا يحيى بن زكريا فإنه كان سيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين " ثم أهوى النبي صلى الله عليه وسلم إلى قذاة من الأرض ، فأخذها وقال " وكان ذكره مثل هذه القذاة " . وقد قال القاضي عياض في كتابه الشفاء اعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى أنه كان { وَحَصُورًا } ليس كما قاله بعضهم إنه كان هيوباً ، أو لا ذكر له ، بل قد أنكر هذا حذاق المفسرين ، ونقاد العلماء ، وقالوا هذه نقيصة وعيب ، ولا تليق بالأنبياء عليهم السلام ، وإنما معناه أنه معصوم من الذنوب ، أي لا يأتيها كأنه حُصِر عنها . وقيل مانعاً نفسه من الشهوات . وقيل ليست له شهوة في النساء ، وقد بان لك من هذا أن عدم القدرة على النكاح نقص ، وإنما الفضل في كونها موجودة ، ثم قمعها ، إما بمجاهدة كعيسى ، أو بكفاية من الله عز وجل كيحيى عليه السلام ، ثم هي في حق من قدر عليها ، وقام بالواجب فيها ، ولم تشغله عن ربه ، درجة عليا ، وهي درجة نبينا صلى الله عليه وسلم الذي لم يشغله كثرتهن عن عبادة ربه ، بل زاده ذلك عبادة بتحصينهن ، وقيامه عليهن ، وإكسابه لهن ، وهدايته إياهن ، بل قد صرح أنها ليست من حظوظ دنياه هو ، وإن كانت من حظوظ دنيا غيره ، فقال " حبب إليّ من دنياكم " هذا لفظه . والمقصود أنه مدح ليحيى بأنه حصور ، ليس أنه لا يأتي النساء ، بل معناه كما قاله هو وغيره أنه معصوم عن الفواحش والقاذورات ، ولا يمنع ذلك من تزويجه بالنساء الحلال وغشيانهن وإيلادهن ، بل قد يفهم وجود النسل له من دعاء زكريا المتقدم حيث قال { هَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } كأنه قال ولداً له ذرية ونسل وعقب ، والله سبحانه وتعالى أعلم . وقوله { وَنَبِيًّا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } هذه بشارة ثانية بنبوة يحيى بعد البشارة بولادته ، وهي أعلى من الأولى ، كقوله لأم موسى { إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَـٰعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } القصص 7 فلما تحقق زكريا عليه السلام هذه البشارة ، أخذ يتعجب من وجود الولد منه بعد الكبر { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَـٰمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِى عَاقِرٌ } أي الملك { كَذَٰلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } أي هكذا أمر الله عظيم ، لا يعجزه شيء ، ولا يتعاظمه أمر ، { قَالَ رَبِّ ٱجْعَل لِّىۤ ءَايَةً } أي علامة أستدل بها على وجود الولد مني { قَالَ ءَايَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا } أي إشارة ، لا تستطيع النطق ، مع أنك سوي صحيح ، كما في قوله { ثَلَـٰثَ لَيَالٍ سَوِيّاً } مريم 10 ثم أمر بكثرة الذكر والتكبير والتسبيح في هذه الحال ، فقال تعالى { وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِىِّ وَٱلإِبْكَـٰرِ } . وسيأتي طرف آخر في بسط هذا المقام في أول سورة مريم ، إن شاء الله تعالى .