Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 10-11)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله داود عليه الصلاة والسلام مما آتاه من الفضل المبين ، وجمع له بين النبوة والملك المتمكن ، والجنود ذوي العدد والعدد ، وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم ، الذي كان إذا سبح به ، تسبح معه الجبال الراسيات ، الصم الشامخات ، وتقف له الطيور السارحات ، والغاديات ، والرائحات ، وتجاوبه بأنواع اللغات . وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوت أبي موسى الأشعري رضي الله عنه يقرأ من الليل ، فوقف فاستمع لقراءته ، ثم قال صلى الله عليه وسلم " لقد أوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود " وقال أبو عثمان النهدي ما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا وتر أحسن من صوت أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، ومعنى قوله تعالى { أَوِّبِي } أي سبحي ، قاله ابن عباس ومجاهد وغير واحد ، وزعم أبو ميسرة أنه بمعنى سبحي ، بلسان الحبشة ، وفي هذا نظر ، فإن التأويب في اللغة هو الترجيع ، فأمرت الجبال والطير أن ترجع معه بأصواتها . وقال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي في كتابه ــــ " الجمل " ــــ في باب النداء منه { يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ } أي سيري معه بالنهار كله ، والتأويب سير النهار كله ، والإسآد سير الليل كله ، وهذا لفظه ، وهو غريب جداً ، لم أره لغيره ، وإن كان له مساعدة من حيث اللفظ في اللغة ، لكنه بعيد في معنى الآية ههنا ، والصواب أن المعنى في قوله تعالى { أَوِّبِي مَعَهُ } أي رجعي مسبحة معه كما تقدم ، والله أعلم . وقوله تعالى { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } قال الحسن البصري وقتادة والأعمش وغيرهم كان لا يحتاج أن يدخله ناراً ، ولا يضربه بمطرقة ، بل كان يفتله بيده مثل الخيوط ، ولهذا قال تعالى { أَنِ ٱعْمَلْ سَـٰبِغَـٰتٍ } وهي الدروع . قال قتادة وهو أول من عملها من الخلق ، وإنما كانت قبل ذلك صفائح . وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا ابن سماعة ، حدثنا ابن ضمرة عن ابن شوذب قال كان داود عليه السلام يرفع في كل يوم درعاً ، فيبيعها بستة آلاف درهم ، ألفين له ولأهله ، وأربعة آلاف درهم يطعم بها بني إسرائيل خبز الحواري { وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ } هذا إرشاد من الله تعالى لنبيه داود عليه السلام في تعليمه صنعة الدروع . وقال مجاهد في قوله تعالى { وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ } لا تدق المسمار فيقلق في الحلقة ، ولا تغلظه فيقصمها ، واجعله بقدر ، وقال الحكم بن عيينة لا تغلظه فيقصم ، ولا تدقه فيقلق ، وهكذا روي عن قتادة وغير واحد ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس السرد حلق الحديد . وقال بعضهم يقال درع مسرودة إذا كانت مسمورة الحلق ، واستشهد بقول الشاعر @ وعليهما مَسْرودتان قَضاهُما داودُ أَو صنع السوابغ تبع @@ وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة داود عليه الصلاة والسلام من طريق إسحاق بن بشر ، وفيه كلام ، عن أبي إلياس عن وهب بن منبه ما مضمونه أن داود عليه السلام كان يخرج متنكراً ، فيسأل الركبان عنه وعن سيرته ، فلا يسأل أحداً إلا أثنى عليه خيراً في عبادته وسيرته وعدله عليه السلام . قال وهب حتى بعث الله تعالى ملكاً في صورة رجل ، فلقيه داود عليه الصلاة والسلام ، فسأله كما كان يسأل غيره ، فقال هو خير الناس لنفسه ولأمته ، إلا أن فيه خصلة ، لو لم تكن فيه ، كان كاملاً . قال ما هي ؟ قال يأكل ويطعم عياله من مال المسلمين ، يعني بيت المال ، فعند ذلك نصب داود عليه السلام إلى ربه عز وجل في الدعاء أن يعلمه عملاً بيده يستغني به ويغني به عياله ، فألان الله عز وجل له الحديد ، وعلمه صنعة الدروع ، فعمل الدروع ، وهو أول من عملها ، فقال الله تعالى { أَنِ ٱعْمَلْ سَـٰبِغَـٰتٍ وَقَدِّرْ فِى ٱلسَّرْدِ } يعني مسامير الحلق ، قال وكان يعمل الدرع ، فإذا ارتفع من عمله درع ، باعها فتصدق بثلثها ، واشترى بثلثها ما يكفيه وعياله ، وأمسك الثلث يتصدق به يوماً بيوم إلى أن يعمل غيرها ، وقال إن الله أعطى داود شيئاً لم يعطه غيره من حسن الصوت ، إنه كان إذا قرأ الزبور ، تجتمع الوحوش إليه حتى يؤخذ بأعناقها وما تنفر ، وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والصنوج ، إلا على أصناف صوته عليه السلام ، وكان شديد الاجتهاد ، وكان إذا افتتح الزبور بالقراءة كأنما ينفخ في المزامير ، وكان قد أعطي سبعين مزماراً في حلقه . وقوله تعالى { وَٱعْمَلُواْ صَـٰلِحاً } أي في الذي أعطاكم الله تعالى من النعم { إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي مراقب لكم ، بصير بأعمالكم وأقوالكم ، لا يخفى علي من ذلك شيء .