Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 172-175)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا هشام عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس قوله { لَّن يَسْتَنكِفَ } لن يستكبر . وقال قتادة لن يحتشم { ٱلْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ وَلاَ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } وقد استدل بعض من ذهب إلى تفضيل الملائكة على البشر بهذه الآية حيث قال { وَلاَ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } وليس له في ذلك دلالة لأنه إنما عطف الملائكة على المسيح ، لأن الاستنكاف هو الامتناع ، والملائكة أقدر على ذلك من المسيح ، فلهذا قال { وَلاَ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } ولا يلزم من كونهم أقوى وأقدر على الامتناع أن يكونوا أفضل . وقيل إنما ذكروا لأنهم اتُّخِذوا آلهة مع الله كما اتخِذ المسيح ، فأخبر تعالى أنهم عبيد من عباده ، وخلق من خلقه ، كما قال تعالى { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } الأنبياء 26 الآيات ، ولهذا قال { وَمَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً } أي فيجمعهم إليه يوم القيامة ، ويفصل بينهم بحكمه العدل الذي لا يجور فيه ، ولا يحيف ، ولهذا قال { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ } أي فيعطيهم من الثواب على قدر أعمالهم الصالحة ، ويزيدهم على ذلك من فضله وإحسانه وسعة رحمته وامتنانه ، وقد روى ابن مردويه من طريق بقية عن إسماعيل بن عبد الله الكندي ، عن الأعمش ، عن سفيان ، عن عبد الله مرفوعاً ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ } قال " أجورهم أدخلهم الجنة " { وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ } قال " الشفاعة فيمن وجبت له النار ممن صنع إليهم المعروف في دنياهم " وهذا إسناد لا يثبت … وإذا روي عن ابن مسعود موقوفاً ، فهو جيد { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْتَنكَفُواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ } أي امتنعوا من طاعة الله وعبادته ، واستكبروا عن ذلك { فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلُيماً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } كقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } غافر 60 أي صاغرين حقيرين ذليلين كما كانوا ممتنعين مستكبرين . { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً * فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِى رَحْمَةٍ مَّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَٰطاً مُّسْتَقِيماً } يقول تعالى مخاطباً جميع الناس ومخبراً بأنه قد جاءهم منه برهان عظيم ، وهو الدليل القاطع للعذر ، والحجة المزيلة للشبهة ، ولهذا قال { وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً } أي ضياء واضحاً على الحق ، قال ابن جريج وغيره وهو القرآن { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعْتَصَمُواْ بِهِ } أي جمعوا بين مقامي العبادة ، والتوكل على الله في جميع أمورهم ، وقال ابن جريج آمنوا بالله واعتصموا بالقرآن . رواه ابن جرير { فَسَيُدْخِلُهُمْ فِى رَحْمَةٍ مَّنْهُ وَفَضْلٍ } أي يرحمهم ، فيدخلهم الجنة ، ويزيدهم ثواباً ، ومضاعفة ورفعاً في درجاتهم من فضله عليهم ، وإحسانه إليهم ، { وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَٰطاً مُّسْتَقِيماً } أي طريقاً واضحاً قصداً قواماً لااعوجاج فيه ، ولا انحراف ، وهذه صفة المؤمنين في الدنيا والآخرة ، فهم في الدنيا على منهاج الاستقامة وطريق السلامة في جميع الاعتقادات والعمليات ، وفي الآخرة على صراط الله المستقيم المفضي إلى روضات الجنات . وفي حديث الحارث الأعور ، عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " القرآن صراط الله المستقيم ، وحبل الله المتين " وقد تقدم الحديث بتمامه في أول التفسير ، ولله الحمد والمنة .