Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 23-24)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الآية الكريمة هي آية تحريم المحارم من النسب ، وما يتبعه من الرضاع ، والمحارم بالصهر ، كما قال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان بن حبيب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال حرمت عليكم سبع نسباً ، وسبع صهراً ، وقرأ { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَـٰتُكُمْ وَبَنَـٰتُكُمْ وَأَخَوَٰتُكُمْ } الآية . وحدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد ، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا سفيان عن الأعمش ، عن إسماعيل بن رجاء عن عمير مولى ابن عباس ، عن ابن عباس قال يحرم من النسب سبع ، ومن الصهر سبع ، ثم قرأ { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَـٰتُكُمْ وَبَنَـٰتُكُمْ وَأَخَوَٰتُكُمْ وَعَمَّـٰتُكُمْ وَخَـٰلَـٰتُكُمْ وَبَنَاتُ ٱلأَخِ وَبَنَاتُ ٱلأُخْتِ } فهن النسب . وقد استدل جمهور العلماء على تحريم المخلوقة من ماء الزاني عليه بعموم قوله تعالى { وَبَنَـٰتُكُمْ } فإنها بنت ، فتدخل في العموم كما هو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل ، وقد حكي عن الشافعي شيء في إباحتها لأنها ليست بنتاً شرعية ، فكما لم تدخل في قوله تعالى { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِىۤ أَوْلَـٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ } فإنها لا ترث بالإجماع ، فكذلك لا تدخل في هذه الآية ، والله أعلم . وقوله تعالى { وَأُمَّهَـٰتُكُمُ الْلاَّتِى أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَاعَةِ } أي كما يحرم عليك أمك التي ولدتك ، كذلك يحرم عليك أمك التي أرضعتك ، ولهذا ثبت في الصحيحين من حديث مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الرضاعة تحرّم ما تحرّم الولادة " ، وفي لفظ لمسلم " يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب " ، وقال بعض الفقهاء كل ما يحرم بالنسب يحرم بالرضاع ، إلا في أربع صور ، وقال بعضهم ست صور ، هي مذكورة في كتب الفروع ، والتحقيق أنه لا يستثنى شيء من ذلك لأنه يوجد مثل بعضها في النسب ، وبعضها إنما يحرم من جهة الصهر ، فلا يرد على الحديث شيء أصلاً ألبتة ، ولله الحمد وبه الثقة . ثم اختلف الأئمة في عدد الرضعات المحرمة ، فذهب ذاهبون إلى أنه يحرم مجرد الرضاع لعموم هذه الآية ، وهذا قول مالك ، ويروى عن ابن عمر ، وإليه ذهب سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والزهري . وقال آخرون لا يحرم أقل من ثلاث رضعات لما ثبت في صحيح مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال " لا تحرم المصة ولا المصتان " وقال قتادة ، عن أبي الخليل ، عن عبد الله بن الحارث ، عن أم الفضل ، قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ، والمصة ولا المصتان " ، وفي لفظ آخر " لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان " رواه مسلم . وممن ذهب إلى هذا القول الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ، وأبو عبيد وأبو ثور ، وهو مروي عن علي وعائشة وأم الفضل وابن الزبير وسليمان بن يسار وسعيد بن جبير ، رحمهم الله . وقال آخرون لا يحرم أقل من خمس رضعات لما ثبت في صحيح مسلم من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عَمْرة ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت كان فيما أنزل من القرآن " عشر رضعات معلومات يحرمن " ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن . وروى عبد الرزاق عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، نحو ذلك . وفي حديث سهلة بنت سهيل ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن ترضع سالماً مولى أبي حذيفة خمس رضعات . وكانت عائشة تأمر من يريد أن يدخل عليها أن يرضع خمس رضعات ، وبهذا قال الشافعي وأصحابه ، ثم ليعلم أنه لا بد أن تكون الرضاعة في سن الصغر دون الحولين على قول الجمهور . وكما قدمنا الكلام على هذه المسألة في سورة البقرة عند قوله { يُرْضِعْنَ أَوْلَـٰدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ } البقرة 233 ثم اختلفوا هل يحرم لبن الفحول كما هو قول جمهور الأئمة الأربعة وغيرهم ، أو إنما يختص الرضاع بالأم فقط ، ولا ينتشر إلى ناحية الأب كما هو قول لبعض السلف ؟ على قولين ، تحرير هذا كله في كتاب الأحكام الكبير . وقوله { وَأُمَّهَـٰتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ ٱللَّـٰتِى فِى حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱللَّـٰتِى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } ، أما أم المرأة ، فإنها تحرم بمجرد العقد على ابنتها ، سواء دخل بها أو لم يدخل ، وأما الربيبة ، وهي بنت المرأة ، فلا تحرم بمجرد العقد على أمها حتى يدخل ، فإن طلق الأم قبل الدخول بها ، جاز له أن يتزوج بنتها ، ولهذا قال { وَرَبَائِبُكُمُ ٱللَّـٰتِى فِى حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱللَّـٰتِى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } في تزويجهن ، فهذا خاص بالربائب وحدهن . وقد فهم بعضهم عود الضمير إلى الأمهات والربائب ، فقال لا تحرم واحدة من الأم ولا البنت بمجرد العقد على الأخرى حتى يدخل بها ، لقوله { فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } . وقال ابن جرير حدثنا ابن بشار ، حدثنا ابن أبي عدي وعبد الأعلى عن سعيد ، عن قتادة ، عن خلاس بن عمرو ، عن علي رضي الله تعالى عنه ، في رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها ، أيتزوج أمها ؟ قال هي بمنزلة الربيبة . وحدثنا ابن بشار ، حدثنا يحيى بن سعيد عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن زيد بن ثابت ، قال إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها ، فلا بأس أن يتزوج أمها . وفي رواية عن قتادة ، عن سعيد ، عن زيد بن ثابت ، أنه كان يقول إذا ماتت عنده ، فأخذ ميراثها ، كره أن يخلف على أمها ، فإذا طلقها قبل أن يدخل بها ، فإن شاء فعل . وقال ابن المنذر حدثنا إسحاق عن عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، قال أخبرني أبو بكر بن حفص عن مسلم بن عويمر الأجدع أن بكر بن كنانة أخبره أن أباه أنكحه امرأة بالطائف ، قال فلم أجامعها حتى توفى عمي عن أمها ، وأمها ذات مال كثير ، فقال أبي هل لك في أمها ؟ قال فسألت ابن عباس ، وأخبرته الخبر ، فقال انكح أمها ، قال وسألت ابن عمر ، فقال لا تنكحها ، فأخبرت أبي بما قالا ، فكتب إلى معاوية ، فأخبره بما قالا ، فكتب معاوية إني لا أحل ما حرم الله ، ولا أحرم ما أحل الله ، وأنت وذاك ، والنساء سواها كثير . فلم ينه ، ولم يأذن لي ، فانصرف أبي عن أمها ، فلم ينكحها . وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن سماك بن الفضل عن رجل عن عبد الله بن الزبير ، قال الربيبة والأم سواء ، لا بأس بها إذا لم يدخل بالمرأة ، وفي إسناده رجل مبهم لم يسم . وقال ابن جريج أخبرني عكرمة بن خالد أن مجاهداً قال له { وَأُمَّهَـٰتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ ٱللَّـٰتِى فِى حُجُورِكُمْ } أراد بهما الدخول جميعاً ، فهذا القول كما ترى مروي عن علي وزيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير ومجاهد وسعيد بن جبير وابن عباس ، وقد توقف فيه معاوية . وذهب إليه من الشافعية أبو الحسن أحمد بن محمد بن الصابوني فيما نقله الرافعي عن العبادي . وقد روي عن ابن مسعود مثله ، ثم رجع عنه . قال الطبراني حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، حدثنا عبد الرزاق عن الثوري ، عن أبي فروة ، عن أبي عمرو الشيباني ، عن ابن مسعود أن رجلاً من بني كمخ من فزارة تزوج امرأة ، فرأى أمها فأعجبته ، فاستفتى ابن مسعود ، فأمره أن يفارقها ، ثم يتزوج أمها ، فتزوجها ، وولدت له أولاداً ، ثم أتى ابن مسعود المدينة ، فسأل عن ذلك ، فأخبر أنها لا تحل له ، فلما رجع إلى الكوفة ، قال للرجل إنها عليك حرام ، ففارقها . وجمهور العلماء على أن الربيبة لا تحرم بالعقد على الأم ، بخلاف الأم ، فإنها تحرم بمجرد العقد . قال ابن أبي حاتم حدثنا جعفر بن محمد بن هارون بن عَزْرة ، حدثنا عبد الوهاب عن سعيد ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه كان يقول إذا طلق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها ، أو ماتت ، لم تحل له أمها ، وروي أنه قال إنها مبهمة ، فكرهها . ثم قال وروي عن ابن مسعود وعمران بن حصين ومسروق وطاوس وعكرمة وعطاء والحسن ومكحول وابن سيرين وقتادة والزهري نحو ذلك . وهذا مذهب الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة ، وجمهور الفقهاء قديماً وحديثاً ، ولله الحمد والمنة . قال ابن جرير والصواب أعني قول من قال الأم من المبهمات لأن الله لم يشترط معهن الدخول كما اشترطه مع أمهات الربائب ، مع أن ذلك أيضاً إجماع من الحجة التي لا يجوز خلافها فيما جاءت به متفقة عليه . وقد روي بذلك أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر ، غير أن في إسناده نظراً ، وهو ما حدثني به المثنى ، حدثنا حبان بن موسى ، حدثنا ابن المبارك ، أخبرنا المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إذا نكح الرجل المرأة ، فلا يحل له أن يتزوج أمها ، دخل بالبنت أو لم يدخل ، وإذا تزوج بالأم ، فلم يدخل بها ، ثم طلقها ، فإن شاء تزوج الابنة » ، ثم قال وهذا الخبر وإن كان في إسناده ما فيه ، فإن في إجماع الحجة على صحة القول به مستغنى عن الاستشهاد على صحته بغيره . وأما قوله تعالى { وَرَبَائِبُكُمُ ٱللَّـٰتِى فِى حُجُورِكُمْ } فالجمهور على أن الربيبة حرام ، سواء كانت في حجر الرجل ، أو لم تكن في حجره ، قالوا وهذا الخطاب خرج مخرج الغالب ، فلا مفهوم له كقوله تعالى { وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَـٰتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } النور 33 . وفي الصحيحين أن أم حبيبة قالت يا رسول الله ، انكح أختي بنت أبي سفيان ، وفي لفظ لمسلم عزة بنت أبي سفيان ، قال " أو تحبين ذلك " ؟ قالت نعم لست لك بمخلية ، وأحب من شاركني في خير أختي ، قال " فإن ذلك لا يحل لي " قالت فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة ، قال " بنت أم سلمة " ؟ قالت نعم قال " إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ، ما حلت لي ، إنها لبنت أخي من الرضاعة ، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة ، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن " وفي رواية للبخاري " إني لو لم أتزوج أم سلمة ، ما حلت لي " فجعل المناط في التحريم مجرد تزوجه أم سلمة ، وحكم بالتحريم لذلك ، وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة وجمهور الخلف والسلف . وقد قيل بأنه لا تحرم الربيبة إلا إذا كانت في حجر الرجل ، فإذا لم تكن كذلك ، فلا تحرم . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، أنبأنا هشام يعني ابن يوسف عن ابن جريج ، حدثني إبراهيم بن عبيد بن رفاعة ، أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان ، قال كانت عندي امرأة ، فتوفيت ، وقد ولدت لي ، فوجدت عليها ، فلقيني علي ابن أبي طالب ، فقال ما لك ؟ فقلت توفيت المرأة ، فقال علي لها ابنة ؟ قلت نعم ، وهي بالطائف ، قال كانت في حجرك ؟ قلت لا ، هي بالطائف ، قال فانكحها ، قلت فأين قول الله { وَرَبَائِبُكُمُ ٱللَّـٰتِى فِى حُجُورِكُمْ } ؟ قال إنها لم تكن في حجرك ، إنما ذلك إذا كانت في حجرك ، هذا إسناد قوي ثابت إلى علي بن أبي طالب على شرط مسلم ، وهو قول غريب جداً ، وإلى هذا ذهب داود بن علي الظاهري وأصحابه . وحكاه أبو القاسم الرافعي عن مالك رحمه الله ، واختاره ابن حزم ، وحكى لي شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي أنه عرض هذا على الشيخ الإمام تقي الدين بن تيمية رحمه الله ، فاستشكله ، وتوقف في ذلك ، والله أعلم . وقال ابن المنذر حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا الأثرم عن أبي عبيدة قوله { ٱللَّـٰتِى فِى حُجُورِكُمْ } ، قال في بيوتكم ، وأما الربيبة في ملك اليمين ، فقد قال الإمام مالك بن أنس ، عن ابن شهاب إن عمر بن الخطاب سئل عن المرأة وبنتها من ملك اليمين ، توطأ إحداهما بعد الأخرى ؟ فقال عمر ما أحب أن أخبرهما جميعاً ، يريد أن أطأهما جميعاً ، بملك يميني ، وهذا منقطع . وقال سنيد ابن داود في تفسيره حدثنا أبو الأحوص ، عن طارق بن عبد الرحمن ، عن قيس ، قال قلت لابن عباس أيقع الرجل على امرأة وابنتها مملوكين له ؟ فقال أحلتهما آية ، وحرمتهما آية ، ولم أكن لأفعله . وقال الشيخ أبو عمر بن عبد البر رحمه الله لا خلاف بين العلماء أنه لا يحل لأحد أن يطأ امرأة وبنتها من ملك اليمين لأن الله حرم ذلك في النكاح ، قال { وَأُمَّهَـٰتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ ٱللَّـٰتِى فِى حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ } وملك اليمين عندهم تبع للنكاح ، إلا ما روي عن عمر وابن عباس ، وليس على ذلك أحد من أئمة الفتوى ، ولا من تبعهم . وروى هشام عن قتادة بنت الربيبة وبنت ابنتها لا تصلح ، وإن كانت أسفل ببطون كثيرة ، وكذا قال قتادة عن أبي العالية . ومعنى قوله { ٱللَّـٰتِى دَخَلْتُمْ بِهِنَّ } أي نكحتموهن ، قاله ابن عباس وغير واحد . وقال ابن جريج عن عطاء هو أن تهدى إليه ، فيكشف ويفتش ، ويجلس بين رجليها . وقلت أرأيت إن فعل ذلك في بيت أهلها ؟ قال هو سواء ، وحسبه قد حرم ذلك عليه ابنتها . وقال ابن جرير وفي إجماع الجميع على أن خلوة الرجل بامرأة لا يحرّم ابنتها عليه إذا طلقها قبل مسيسها ومباشرتها ، أو قبل النظر إلى فرجها بشهوة ، ما يدل على أن معنى ذلك هو الوصول إليها بالجماع . وقوله تعالى { وَحَلَـٰئِلُ أَبْنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَـٰبِكُمْ } أي وحرمت عليكم زوجات أبنائكم الذين ولدتموهم من أصلابكم ، يحترز بذلك عن الأدعياء الذين كانوا يتبنونهم في الجاهلية كما قال تعالى { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ } الأحزاب 37 الآية ، وقال ابن جريج سألت عطاء عن قوله { وَحَلَـٰئِلُ أَبْنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَـٰبِكُمْ } . قال كنا نحدث والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نكح امرأة زيد ، قال المشركون بمكة في ذلك ، فأنزل الله عز وجل { وَحَلَـٰئِلُ أَبْنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَـٰبِكُمْ } ونزلت { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ } الأحزاب 4 ، ونزلت { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن رِّجَالِكُمْ } الأحزاب 4 ، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة ، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، حدثنا خالد ابن الحارث عن الأشعث ، عن الحسن بن محمد أن هؤلاء الآيات مبهمات { وَحَلَـٰئِلُ أَبْنَآئِكُمُ } { وَأُمَّهَـٰتُ نِسَآئِكُمْ } ، ثم قال وروي عن طاوس وإبراهيم والزهري ومكحول ، نحو ذلك . قلت معنى مبهمات ، أي عامة في المدخول بها ، وغير المدخول ، فتحرم بمجرد العقد عليها ، وهذا متفق عليه ، فإن قيل فمن أين تحرم امرأة ابنه من الرضاعة كما هو قول الجمهور ، ومن الناس من يحكيه إجماعاً ، وليس من صلبه ؟ فالجواب من قوله صلى الله عليه وسلم " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " وقوله تعالى { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } الآية . أي وحرم عليكم الجمع بين الأختين معاً في التزويج ، وكذا في ملك اليمين ، إلا ما كان منكم في جاهليتكم ، فقد عفونا عنه ، وغفرناه . فدل على أنه لا مثنوية فيما يستقبل ، لأنه استثنى مما سلف ، كما قال { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ } الدخان 56 فدل على أنهم لا يذوقون فيها الموت أبداً . وقد أجمع العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة قديماً وحديثاً على أنه يحرم الجمع بين الأختين في النكاح ، ومن أسلم وتحته أختان ، خيّر ، فيمسك إحداهما ، ويطلق الأخرى لا محالة . قال الإمام أحمد حدثنا موسى بن داود ، حدثنا ابن لهيعة عن أبي وهب الجَيْشاني ، عن الضحاك بن فيروز ، عن أبيه ، قال أسلمت وعندي امرأتان أختان ، فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أطلق إحداهما . ثم رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث ابن لهيعة ، وأخرجه أبو داود والترمذي أيضاً من حديث يزيد بن أبي حبيب ، كلاهما عن أبي وهب الجَيْشاني ، قال الترمذي واسمه ديلم بن الهوشع ، عن الضحاك بن فيروز الديلمي ، عن أبيه ، به ، وفي لفظ للترمذي فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اختر أيتهما شئت " ، ثم قال الترمذي هذا حديث حسن . وقد رواه ابن ماجه أيضاً بإسناد آخر فقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبد السلام بن حرب عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، عن أبي وهب الجَيْشاني ، عن أبي خراش الرعيني ، قال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي أختان تزوجتهما في الجاهلية ، فقال " إذا رجعت ، فطلق إحداهما " قلت فيحتمل أن أبا خراش هذا هو الضحاك بن فيروز ، ويحتمل أن يكون غيره ، فيكون أبو وهب قد رواه عن اثنين عن فيروز الديلمي ، والله أعلم . وقال ابن مردويه حدثنا عبد الله بن يحيى بن محمد بن يحيى ، حدثنا أحمد بن يحيى الخولاني ، حدثنا هيثم بن خارجة ، حدثنا يحيى بن إسحاق عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، عن رُزَيق بن حكيم ، عن كثير بن مرة ، عن الديلمي ، قال قلت يا رسول الله ، إن تحتي أختين ، قال " طلق أيهما شئت " ، فالديلمي المذكور أولاً هو الضحاك بن فيروز الديلمي ، قال أبو زرعة الدمشقي كان يصحب عبد الملك بن مروان ، والثاني هو أبو فيروز الديلمي رضي الله عنه ، وكان من جملة الأمراء باليمن الذين وَلُوا قتل الأسود العنسي المتنبىء لعنه الله ، وأما الجمع بين الأختين في ملك اليمين ، فحرام أيضاً لعموم الآية . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة ، عن عبد الله بن أبي عنبة ، أو عتبة ، عن ابن مسعود أنه سئل عن الرجل يجمع بين الأختين ، فكرهه ، فقال له يعني السائل يقول الله تعالى { إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَـٰنُكُمْ } فقال له ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وبعيرك مما ملكت يمينك . وهذا هو المشهور عن الجمهور والأئمة الأربعة وغيرهم ، وإن كان بعض السلف قد توقف في ذلك . قال الإمام مالك ، عن ابن شهاب ، عن قبيصة بن ذؤيب أن رجلاً سأل عثمان بن عفان عن الأختين في ملك اليمين ، هل يجمع بينهما ؟ فقال عثمان أحلتهما آية ، وحرمتهما آية ، وما كنت لأصنع ذلك ، فخرج من عنده ، فلقي رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك ، فقال لو كان لي من الأمر شيء ، ثم وجدت أحداً فعل ذلك ، لجعلته نكالاً . قال مالك قال ابن شهاب أراه علي بن أبي طالب . قال وبلغني عن الزبير بن العوام مثل ذلك . قال ابن عبد البر النمري رحمه الله في كتاب الاستذكار إنما كنى قبيصة بن ذؤيب عن علي بن أبي طالب لصحبته عبد الملك بن مروان ، وكانوا يستثقلون ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ثم قال أبو عمر حدثني خلف بن أحمد قراءة عليه أن خلف بن مطرف حدثهم حدثنا أيوب بن سليمان ، وسعيد بن سليمان ، ومحمد بن عمر بن لبابة ، قالوا حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن إبراهيم ، حدثنا أبو عبد الرحمن المقري عن موسى بن أيوب الغافقي ، حدثني عمي إياس بن عامر ، قال سألت علي بن أبي طالب ، فقلت إن لي أختين مما ملكت يميني ، اتخذت إحداهما سرية ، فولدت لي أولاداً ، ثم رغبت في الأخرى ، فما أصنع ؟ فقال علي رضي الله عنه تعتق التي كنت تطأ ، ثم تطأ الأخرى ، قلت فإن ناساً يقولون بل تزوجها ، ثم تطأ الأخرى ، فقال علي أرأيت إن طلقها زوجها أو مات عنها ، أليس ترجع إليك ؟ لأن تعتقها أسلم لك . ثم أخذ علي بيدي فقال لي إنه يحرم عليك مما ملكت يمينك ما يحرم عليك في كتاب الله عز وجل من الحرائر إلا العدد ، أو قال إلا الأربع ، ويحرم عليك من الرضاع ما يحرم عليك في كتاب الله من النسب ، ثم قال أبو عمر هذا الحديث رحلة رجل ، لو لم يصب الرجل من أقصى المغرب أو المشرق إلى مكة غيره ، لما خابت رحلته . قلت وقد روي عن علي نحو ما روي عن عثمان . وقال أبو بكر بن مردويه حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن العباس ، حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي ، حدثنا عبد الرحمن بن غزوان ، حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال قال لي علي بن أبي طالب حرمتهما آية ، وأحلتهما آية يعني الأختين ، قال ابن عباس يحرمهن عليّ قرابتي منهن ، ولا يحرمهن عليّ قرابة بعضهن من بعض ، يعني الإماء ، وكانت الجاهلية يحرمون ما تحرمون ، إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين . فلما جاء الإسلام أنزل الله { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ ٱلأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } يعني في النكاح ، ثم قال أبو عمر روى الإمام أحمد بن حنبل ، حدثنا محمد بن سلمة عن هشام ، عن ابن سيرين ، عن ابن مسعود ، قال يحرم من الإماء ما يحرم من الحرائر ، إلا العدد . وعن ابن مسعود والشعبي نحو ذلك . قال أبو عمر وقد روي مثل قول عثمان عن طائفة من السلف ، منهم ابن عباس ، ولكنهم اختلف عليهم ، ولم يلتفت إلى ذلك أحد من فقهاء الأمصار والحجاز ولا العراق ، ولا ما وراءهما من المشرق ، ولا بالشام ولا المغرب ، إلا من شذ عن جماعتهم باتباع الظاهر ونفي القياس ، وقد ترك من يعمل ذلك ما اجتمعنا عليه ، وجماعة الفقهاء متفقون على أنه لا يحل الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء ، كما لا يحل ذلك في النكاح . وقد أجمع المسلمون على أن معنى قوله { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَـٰتُكُمْ وَبَنَـٰتُكُمْ وَأَخَوَٰتُكُمْ } إلى آخر الآية ، أن النكاح وملك اليمين في هؤلاء كلهن سواء ، فكذلك يجب أن يكون نظراً وقياساً الجمع بين الأختين وأمهات النساء والربائب . وكذلك هو عند جمهورهم ، وهم الحجة المحجوج بها من خالفها وشذ عنها . وقوله تعالى { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَـٰنُكُمْ } أي وحرم عليكم من الأجنبيات المحصنات ، وهن المزوجات { إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَـٰنُكُمْ } ، يعني إلا ما ملكتموهن بالسبي فإنه يحل لكم وطؤهن إذا استبرأتموهن فإن الآية نزلت في ذلك . وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا سفيان ، هو الثوري ، عن عثمان البتي ، عن أبي الخليل ، عن أبي سعيد الخدري ، قال أصبنا نساء من سبي أوطاس ، ولهن أزواج ، فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج ، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَـٰنُكُمْ } فاستحللنا بها فروجهن ، وهكذا رواه الترمذي عن أحمد ابن منيع عن هشيم ، ورواه النسائي من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج ، ثلاثتهم عن عثمان البتي ، ورواه ابن جرير من حديث أشعث بن سوار عن عثمان البتي ، ورواه مسلم في صحيحه من حديث شعبة عن قتادة ، كلاهما عن أبي الخليل صالح بن أبي مريم ، عن أبي سعيد الخدري ، فذكره ، وهكذا رواه عبد الرزاق عن معمر ، عن قتادة ، عن أبي الخليل ، عن أبي سعيد الخدري به . وقد روي من وجه آخر عن أبي الخليل ، عن أبي علقمة الهاشمي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال الإمام أحمد حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد ، عن قتادة ، عن أبي الخليل ، عن أبي علقمة ، عن أبي سعيد الخدري أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابوا سبايا يوم أوطاس ، لهن أزواج من أهل الشرك ، فكأن أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كفوا وتأثموا من غشيانهن ، قال فنزلت هذه الآية في ذلك { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَـٰنُكُمْ } وهكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي من حديث سعيد بن أبي عروبة ، زاد مسلم وشعبة ، ورواه الترمذي من حديث همام بن يحيى ، ثلاثتهم عن قتادة بإسناده نحوه . وقال الترمذي هذا حديث حسن ، ولا أعلم أن أحداً ذكر أبا علقمة في هذا الحديث إلا ما ذكر همام عن قتادة كذا قال وقد تابعه سعيد وشعبة ، والله أعلم . وقد روى الطبراني من حديث الضحاك عن ابن عباس أنها نزلت في سبايا خيبر ، وذكر مثل حديث أبي سعيد ، وقد ذهب جماعة من السلف إلى أن بيع الأمة يكون طلاقاً لها من زوجها أخذاً بعموم هذه الآية ، وقال ابن جرير حدثنا ابن مثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم أنه سئل عن الأمة تباع ولها زوج ؟ قال كان عبد الله يقول بيعها طلاقها ، ويتلو هذه الآية { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَـٰنُكُمْ } وكذا رواه سفيان عن منصور ومغيرة والأعمش عن إبراهيم عن ابن مسعود ، قال بيعها طلاقها ، وهو منقطع ، ورواه سفيان الثوري عن خالد ، عن أبي قلابة ، عن ابن مسعود ، قال إذا بيعت الأمة ولها زوج ، فسيدها أحق ببضعها . ورواه سعيد عن قتادة ، قال إن أبي بن كعب وجابر بن عبد الله وابن عباس ، قالوا بيعها طلاقها . وقال ابن جرير حدثني يعقوب بن علية عن خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال طلاق الأمة ست بيعها طلاقها ، وعتقها طلاقها ، وهبتها طلاقها ، وبراءتها طلاقها ، وطلاق زوجها طلاقها ، وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب قوله { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ } قال هُنَّ ذوات الأزواج ، حرم الله نكاحهن ، إلا ما ملكت يمينك ، فبيعها طلاقها . قال معمر وقال الحسن مثل ذلك ، وهكذا رواه سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن في قوله { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَـٰنُكُمْ } قال إذا كان لها زوج ، فبيعها طلاقها . وروى عوف عن الحسن بيع الأمة طلاقها ، وبيعه طلاقها ، فهذا قول هؤلاء من السلف ، وقد خالفهم الجمهور قديماً وحديثاً ، فرأوا أن بيع الأمة ليس طلاقاً لها لأن المشتري نائب عن البائع ، والبائع كان قد أخرج عن ملكه هذه المنفعة ، وباعها مسلوبة عنها ، واعتمدوا في ذلك على حديث بريرة المخرج في الصحيحين وغيرهما فإن عائشة أم المؤمنين اشترتها ونجَّزت عتقها ، ولم ينفسخ نكاحها من زوجها مغيث ، بل خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بين الفسخ والبقاء ، فاختارت الفسخ ، وقصتها مشهورة ، فلو كان بيع الأمة طلاقها كما قال هؤلاء ، ما خيرها النبي صلى الله عليه وسلم فلما خيرها ، دل على بقاء النكاح ، وأن المراد من الآية المسبيات فقط ، والله أعلم . وقد قيل المراد بقوله { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ } يعني العفائف ، حرام عليكم حتى تملكوا عصمتهن بنكاح وشهود ومهور وولي ، واحدة أو اثنتين ، أو ثلاثاً أو أربعاً ، حكاه ابن جرير عن أبي العالية وطاوس وغيرهما . وقال عمر وعبيدة { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ } ما عدا الأربع حرام عليكم ، إلا ما ملكت أيمانكم . وقوله تعالى { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } أي هذا التحريم كتاب كتبه الله عليكم يعني الأربع ، فالزموا كتابه ، ولا تخرجوا عن حدوده ، والزموا شرعه وما فرضه . وقال عبيدة وعطاء والسدي في قوله { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } يعني الأربع . وقال إبراهيم { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } يعني ما حرم عليكم . وقوله تعالى { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } أي ما عدا من ذكرن من المحارم ، هن لكم حلال ، قاله عطاء وغيره . وقال عبيدة والسدي { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } ما دون الأربع ، وهذا بعيد ، والصحيح قول عطاء كما تقدم . وقال قتادة { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } يعني ما ملكت أيمانكم ، وهذه الآية هي التي احتج بها من احتج على تحليل الجمع بين الأختين ، وقول من قال أحلتهما آية ، وحرمتهما آية . وقوله تعالى { أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَـٰفِحِينَ } أي تحصلوا بأموالكم من الزوجات إلى أربع ، أو السراري ما شئتم بالطريق الشرعي ، ولهذا قال { مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَـٰفِحِينَ } . وقوله تعالى { فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَـآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } أي كما تستمتعون بهن ، فآتوهن مهورهن في مقابلة ذلك ، كما قال تعالى { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } النساء 21 وكقوله تعالى { وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً } االنساء 4 ، وكقوله { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا } البقرة 229 وقد استدل بعموم هذه الآية على نكاح المتعة ، ولا شك أنه كان مشروعاً في ابتداء الإسلام ، ثم نسخ بعد ذلك ، وقد ذهب الشافعي وطائفة من العلماء إلى أنه أبيح ، ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ مرتين . وقال آخرون أكثر من ذلك . وقال آخرون إنما أبيح مرة ، ثم نسخ ، ولم يبح بعد ذلك . وقد روي عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القول بإباحتها للضرورة ، وهو رواية عن الإمام أحمد ، وكان ابن عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير والسدي يقرؤون " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة " ، وقال مجاهد نزلت في نكاح المتعة ، ولكن الجمهور على خلاف ذلك . والعمدة ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، قال نهى رسول الله عن نكاح المتعة ، وعن لحوم الحمر الأهلية ، يوم خيبر . ولهذا الحديث ألفاظ مقررة هي في كتاب الأحكام . وفي صحيح مسلم عن الربيع بن سبرة بن معبد الجهني ، عن أبيه ، أنه غزا مع رسول الله يوم فتح مكة ، فقال " يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء ، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً " وفي رواية لمسلم في حجة الوداع ، وله ألفاظ موضعها كتاب الأحكام . وقوله تعالى { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ } من حمل هذه الآية على نكاح المتعة إلى أجل مسمى ، قال فلا جناح عليكم إذا انقضى الأجل أن تراضوا على زيادة به ، وزيادة للجعل ، قال السدي إن شاء أرضاها من بعد الفريضة الأولى ، يعني الأجر الذي أعطاها على تمتعه بها قبل انقضاء الأجل بينهما ، فقال أتمتع منك أيضاً بكذا وكذا . فإن زاد قبل أن يستبرىء رحمها يوم تنقضي المدة ، وهو قوله تعالى { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ } ، قال السدي إذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل ، وهي منه بريئة ، وعليها أن تستبرىء ما في رحمها ، وليس بينهما ميراث ، فلا يرث واحد منهما صاحبه ، ومن قال بهذا القول الأول ، جعل معناه كقوله { وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً } الآية ، أي إذا فرضت لها صداقاً ، فأبرأتك منه ، أو عن شيء منه ، فلا جناح عليك ولا عليها في ذلك . وقال ابن جرير حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه ، قال زعم الحضرمي أن رجالاً كانوا يفرضون المهر ، ثم عسى أن يدرك أحدهم العسرة ، فقال ولا جناح عليكم أيها الناس فيما تراضيتم به من بعد الفريضة . يعني إن وضعت لك منه شيئاً ، فهو لك سائغ . واختار هذا القول ابن جرير . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ } والتراضي أن يوفيها صداقها ، ثم يخيرها ، يعني في المقام أو الفراق . وقوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } مناسب ذكر هذين الوصفين بعد شرع هذه المحرمات .