Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 25-25)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } أي سعة وقدرة { أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } أي الحرائر العفائف المؤمنات . وقال ابن وهب أخبرني عبد الجبار عن ربيعة { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ } قال ربيعة الطول الهوى ، يعني ينكح الأمة إذا كان هواه فيها ، رواه ابن أبي حاتم وابن جرير ، ثم أخذ يشنع على هذا القول . ويرده { فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُم مِّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } أي فتزوجوا من الإماء المؤمنات اللاتي يملكهن المؤمنون ، ولهذا قال { مِّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } ، قال ابن عباس وغيره فلينكح من إماء المؤمنين ، وكذا قال السدي ومقاتل بن حيان . ثم اعترض بقوله { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ } أي هو العالم بحقائق الأمور وسرائرها ، وإنما لكم أيها الناس الظاهر من الأمور . ثم { فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } فدل على أن السيد هو ولي أمته ، لا تزوج إلا بإذنه ، وكذلك هو ولي عبده ، ليس له أن يتزوج بغير إذنه ، كما جاء في الحديث " أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر " أي زان . فإن كان مالك الأمة امرأة ، زوجها من يزوج المرأة بإذنها لما جاء في الحديث " لا تزوج المرأة المرأة ، ولا المرأة نفسها ، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها " وقوله تعالى { وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } أي وادفعوا مهورهن بالمعروف ، أي عن طيب نفس منكم ، ولا تبخسوا منه شيئاً استهانة بهن لكونهن إماء مملوكات ، وقوله تعالى { مُحْصَنَـٰت } أي عفائف عن الزنا لا يتعاطينه ، ولهذا قال { غَيْرَ مُسَـٰفِحَـٰتٍ } وهن الزواني اللاتي لا يمنعن من أرادهن بالفاحشة . وقوله تعالى { وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } ، قال ابن عباس { المسافحات } هن الزواني المعلنات ، يعني الزواني اللاتي لا يمنعن أحداً أرادهن بالفاحشة ، و { مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } يعني أخلاء . وكذا روي عن أبي هريرة ومجاهد والشعبي والضحاك وعطاء الخراساني ويحيى بن أبي كثير ومقاتل بن حيان والسدي ، قالوا أخلاء . وقال الحسن البصري يعني الصديق . وقال الضحاك أيضاً { وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } ذات الخليل الواحد المقرة به ، نهى الله عن ذلك . يعني تزويجها ، ما دامت كذلك . وقوله تعالى { فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَـٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَـٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } اختلف القراء في أحصن ، فقرأه بعضهم بضم الهمزة وكسر الصاد ، مبني لما لم يسم فاعله ، وقرىء بفتح الهمزة والصاد ، فعل لازم ، ثم قيل معنى القراءتين واحد ، واختلفوا فيه على قولين أحدهما أن المراد بالإحصان ههنا الإسلام ، وروي ذلك عن عبد الله بن مسعود وابن عمر وأنس والأسود بن يزيد وزر بن حبيش وسعيد ابن جبير وعطاء وإبراهيم النخعي والشعبي والسدي ، وروى نحوه الزهري عن عمر بن الخطاب ، وهو منقطع ، وهذا هو القول الذي نص عليه الشافعي في رواية الربيع ، قال وإنما قلنا ذلك استدلالاً بالسنة ، وإجماع أكثر أهل العلم . وقد روى ابن أبي حاتم في ذلك حديثاً مرفوعاً ، قال حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله ، حدثنا أبي عن أبيه ، عن أبي حمزة ، عن جابر ، عن رجل ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي بن أبي طالب ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَإِذَآ أُحْصِنَّ } قال " إحصانها إسلامها وعفافها " وقال المراد به ههنا التزويج . قال وقال علي اجلدوهن ، ثم قال ابن أبي حاتم وهو حديث منكر . قلت وفي إسناده ضعف ، وفيه من لم يسم ، ومثله لا تقوم به حجة . وقال القاسم وسالم إحصانها إسلامها وعفافها . وقيل المراد به ههنا التزويج ، وهو قول ابن عباس ومجاهد وعكرمة وطاوس وسعيد ابن جبير والحسن وقتادة وغيرهم . ونقله أبو علي الطبري في كتابه الإيضاح عن الشافعي ، فيما رواه أبو الحكم بن عبد الحكم عنه . وقد روى ليث بن أبي سليم عن مجاهد أنه قال إحصان الأمة أن ينكحها الحر ، وإحصان العبد أن ينكح الحرة ، وكذا روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، رواهما ابن جرير في تفسيره ، وذكره ابن أبي حاتم عن الشعبي والنخعي . وقيل معنى القراءتين متباين ، فمن قرأ أحصن بضم الهمزة ، فمراده التزويج ، ومن قرأ بفتحها ، فمراده الإسلام . اختاره أبو جعفر بن جرير في تفسيره ، وقرره ونصره ، والأظهر ، والله أعلم أن المراد بالإحصان ههنا التزويج لأن سياق الآية يدل عليه حيث يقول سبحانه وتعالى { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُم مِّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } والله أعلم . والآية الكريمة سياقها كلها في الفتيات المؤمنات ، فتعين أن المراد بقوله { فَإِذَآ أُحْصِنَّ } أي تزوجن كما فسره ابن عباس ومن تبعه ، وعلى كل من القولين إشكال على مذهب الجمهور ، وذلك أنهم يقولون إن الأمة إذا زنت ، فعليها خمسون جلدة ، سواء كانت مسلمة أو كافرة ، مزوجة أو بكراً ، مع أن مفهوم الآية يقتضي أنه لاحد على غير المحصنة ممن زنى من الإماء . وقد اختلفت أجوبتهم عن ذلك ، فأما الجمهور فقالوا لاشك أن المنطوق مقدم على المفهوم . وقد وردت أحاديث عامة في إقامة الحد على الإماء ، فقدمناها على مفهوم الآية . فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن علي رضي الله عنه أنه خطب فقال يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد ، من أحصن منهم ومن لم يحصن ، فإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت ، فأمرني أن أجلدها ، فإذا هي حديثة عهد بنفاس ، فخشيت إن جلدتها أن أقتلها ، فذكرت ذلك لنبي الله صلى الله عليه وسلم فقال " أحسنت ، اتركها حتى تماثل " ، وعند عبد الله بن أحمد عن غير أبيه " فإذا تعالت من نفسها حُدّها خمسين " وعن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا زنت أمة أحدكم ، فتبين زناها ، فليجلدها الحد ، ولا يثرب عليها ، ثم إن زنت الثانية ، فليجلدها الحد ، ولا يثرب عليها ، ثم إن زنت الثالثة ، فتبين زناها ، فليبعها ، ولو بحبل من شعر " ولمسلم " إذا زنت ثلاثاً ، فليبعها في الرابعة " ، وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش ، فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة خمسين خمسين في الزنا . الجواب الثاني جواب من ذهب إلى أن الأمة إذا زنت ولم تحصن ، فلا حد عليها ، وإنما تضرب تأديباً ، وهو المحكي عن ابن عباس رضي الله عنهما . وإليه ذهب طاوس وسعيد بن جبير وأبو عبيد القاسم بن سلام وداود بن علي الظاهري في رواية عنه ، وعمدتهم مفهوم الآية ، وهو من مفاهيم الشرط ، وهو حجة عند أكثرهم ، فقدم على العموم عندهم ، وحديث أبي هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ؟ قال " إن زنت فحدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم بيعوها ولو بضفير " قال ابن شهاب لاأدري أبعد الثالثة أو الرابعة . وأخرجاه في الصحيحين . وعند مسلم قال ابن شهاب الضفير الحبل . قالوا فلم يؤقت فيه عدد كما أقت في المحصنة ، وكما وقت في القرآن بنصف ما على المحصنات من العذاب ، فوجب الجمع بين الآية والحديث بذلك ، والله أعلم . وأصرح من ذلك ما رواه سعيد بن منصور عن سفيان ، عن مسعر ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس على أمة حد حتى تحصن أو حتى تزوج فإذا أحصنت بزوج ، فعليها نصف ما على المحصنات " وقد رواه ابن خزيمة عن عبد الله بن عمران العابدي عن سفيان به مرفوعاً ، وقال رفعه خطأ ، إنما هو من قول ابن عباس . وكذا رواه البيهقي من حديث عبد الله بن عمران ، وقال مثل ما قاله ابن خزيمة . قالوا وحديث عليٍ وعمر قضايا أعيان ، وحديث أبي هريرة عنه أجوبة أحدها أن ذلك محمول على الأمة المزوجة جمعاً بينه وبين هذا الحديث . الثاني أن لفظة الحد في قوله « فليقم عليها الحد » مقحمة من بعض الرواة بدليل الجواب الثالث ، وهو أن هذا من حديث صحابيين ، وذلك من رواية أبي هريرة فقط ، وما كان عن اثنين فهو أولى بالتقديم من رواية واحد ، وأيضاً فقد رواه النسائي بإسناد على شرط مسلم من حديث عباد بن تميم عن عمه ، وكان قد شهد بدراً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا زنت الأمة فاجلدوها ، ثم إذا زنت فاجلدوها ، ثم إذا زنت فاجلدوها ، ثم إذا زنت فبيعوها ولو بضفير " الرابع أنه لا يبعد أن بعض الرواة أطلق لفظة الحد في الحديث على الجلد لأنه لما كان الجلد ، اعتقد أنه حد ، أو أنه أطلق لفظة الحد على التأديب ، كما أطلق الحد على ضرب من زنى من المرضى بعثكال نخل فيه مائة شمراخ ، وعلى جلد من زنى بأمة امرأته إذا أذنت له فيها مائة ، وإنما ذلك تعزير وتأديب عند من يراه كأحمد وغيره من السلف . وإنما الحد الحقيقي هو جلد البكر مائة ، ورجم الثيب أو اللائط ، والله أعلم . وقد روى ابن جرير في تفسيره حدثنا ابن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة أنه سمع سعيد بن جبير يقول لا تضرب الأمة إذا زنت ما لم تتزوج ، وهذا إسناد صحيح عنه ، ومذهب غريب إن أراد أنها لا تضرب الأمة أصلاً ، لاحداً ، وكأنه أخذ بمفهوم الآية ، ولم يبلغه الحديث ، وإن أراد أنها لاتضرب حداً ، ولا ينفي ضربها تأديباً ، فهو كقول ابن عباس رضي الله عنه ومن تبعه في ذلك ، والله أعلم . الجواب الثالث أن الآية دلت على أن الأمة المحصنة تحد نصف حد الحرة ، فأما قبل الإحصان ، فعمومات الكتاب والسنة شاملة لها في جلدها مائة ، كقوله تعالى { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِى فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ } النور 2 وكحديث عبادة بن الصامت " خذوا عني ، خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلاً ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة ورجمها بالحجارة " والحديث في صحيح مسلم ، وغير ذلك من الأحاديث . وهذا القول هو المشهور عن داود بن علي الظاهري ، وهو في غاية الضعف لأن الله تعالى إذا كان أمر بجلد المحصنة من الإماء بنصف ما على الحرة من العذاب ، وهو خمسون جلدة ، فكيف يكون حكمها قبل الإحصان أشد منه بعد الإحصان ، وقاعدة الشريعة في ذلك عكس ما قال ؟ وهذا الشارع عليه السلام سأله أصحابه عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ، فقال " اجلدوها " ولم يقل مائة ، فلو كان حكمها كما زعم داود ، لوجب بيان ذلك لهم ، لأنهم إنما سألوا عن ذلك لعدم بيان حكم جلد المائة بعد الإحصان في الإماء ، وإلا فما الفائدة في قولهم ولم تحصن لعدم الفرق بينهما لو لم تكن الآية نزلت ؟ لكن لما علموا حكم أحد الحكمين ، سألوا عن حكم الآخر ، فبينه لهم ، كما في الصحيحين أنهم لما سألوه عن الصلاة عليه ، فذكرها لهم ، ثم قال " والسلام ما قد علمتم " وفي لفظ لما أنزل الله قوله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِْمُواْ تَسْلِيمًا } الأحزاب 56 قالوا هذا السلام عليك قد عرفناه ، فكيف الصلاة عليك ؟ وذكر الحديث ، وهكذا هذا السؤال . الجواب الرابع عن مفهوم الآية جواب أبي ثور ، وهو أغرب من قول داود من وجوه ، وذلك أنه يقول فإذا أحصن ، فإن عليهن نصف ما على المحصنات المزوجات ، وهو الرجم ، وهو لا ينصف ، فيجب أن ترجم الأمة المحصنة إذا زنت ، وأما قبل الإحصان ، فيجب جلدها خمسين ، فأخطأ في فهم الآية ، وخالف الجمهور في الحكم ، بل قد قال أبو عبد الله الشافعي رحمه الله ولم يختلف المسلمون في أن لا رجم على مملوك في الزنا ، وذلك لأن الآية دلت على أن عليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ، والألف واللام في المحصنات للعهد ، وهن المحصنات المذكورات في أول الآية { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } والمراد بهن الحرائر فقط ، من غير تعرض للتزويج بحرَّة ، وقوله { نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَـٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } يدل على أن المراد من العذاب الذي يمكن تنصيفه ، وهو الجلد ، لا الرجم ، والله أعلم . وقد روى أحمد نصاً في رد مذهب أبي ثور من رواية الحسن بن سعد عن أبيه إن صفيَّة كانت قد زنت برجل من الحمس ، فولدت غلاماً ، فادعاه الزاني ، فاختصما إلى عثمان ، فرفعهما إلى علي بن أبي طالب ، فقال علي أقضي فيهما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم . الولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، وجلدهما خمسين خمسين . وقيل بل المراد من المفهوم التنبيه بالأعلى على الأدنى ، أي إن الإماء على النصف من الحرائر في الحد ، وإن كن محصنات ، وليس عليهن رجم أصلاً ، لا قبل النكاح ولا بعده ، وإنما عليهن الجلد في الحالتين بالسنة ، قال ذلك صاحب الإفصاح ، وذكر هذا عن الشافعي فيما رواه ابن عبد الحكم عنه ، وقد ذكره البيهقي في كتاب " السنن والآثار " ، وهو بعيد من لفظ الآية لأنا إنما استفدنا تنصيف الحد من الآية ، لا من سواها ، فكيف يفهم منها التنصيف فيما عداها ؟ وقال بل أريد بأنها في حال الإحصان لا يقيم الحد عليها إلا الإمام ، ولا يجوز لسيدها إقامة الحد عليها والحالة هذه ، وهو قول في مذهب أحمد رحمه الله ، فأما قبل الإحصان ، فله ذلك ، والحد في كلا الموضعين نصف حد الحرة ، وهذا أيضاً بعيد لأنه ليس في لفظ الآية ما يدل عليه ، ولولا هذه ، لم ندر ما حكم الإماء في التنصيف ، ولوجب دخولهن في عموم الآية في تكميل الحد مائة ، أو رجمهن كما ثبت في الدليل عليه ، وقد تقدم عن علي أنه قال أيها الناس أقيموا الحد على أرقائكم من أحصن منهم ومن لم يحصن ، وعموم الأحاديث المتقدمة ليس فيها تفصيل بين المزوجة وغيرها لحديث أبي هريرة الذي احتج به الجمهور " إذا زنت أمة أحدكم ، فتبين زناها ، فليجلدها الحد ، ولا يثرب عليها " ملخص الآية أنها إذا زنت أقوال أحدها تجلد خمسين قبل الإحصان وبعده . وهل تنفى ؟ فيه ثلاثة أقوال أحدها أنها تنفى عنه . والثاني لا تنفى عنه مطلقاً ، والثالث أنها تنفى نصف سنة ، وهو نصف نفي الحرة ، وهذا الخلاف في مذهب الشافعي ، وأما أبو حنيفة ، فعنده أن النفي تعزير ليس من تمام الحد ، وإنما هو رأي الإمام ، إن شاء فعله ، وإن شاء تركه في حق الرجال والنساء ، وعند مالك أن النفي إنما هو على الرجال ، وأما النساء فلا ، لأن ذلك مضاد لصيانتهن ، وما ورد شيء من النفي في الرجال ولا النساء . نعم حديث عبادة وحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام ، وبإقامة الحد عليه ، رواه البخاري ، وذلك مخصوص بالمعنى ، وهو أن المقصود من النفي الصون ، وذلك مفقود في نفي النساء ، والله أعلم . والثاني أن الأمة إذا زنت تجلد خمسين بعد الإحصان ، وتضرب تأديباً غير محدود بعدد محصور ، وقد تقدم ما رواه ابن جرير عن سعيد بن جبير أنها لا تضرب قبل الإحصان ، وإن أراد نفيه ، فيكون مذهباً بالتأويل ، وإلا فهو كالقول الثاني . القول الآخر أنها تجلد قبل الإحصان مائة ، وبعده خمسين ، كما هو المشهور عن داود . وأضعف الأقوال أنها تجلد قبل الإحصان خمسين ، وترجم بعده ، وهو قول أبي ثور ، وهو ضعيف أيضاً ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب . وقوله تعالى { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ } أي إنما يباح نكاح الإماء بالشروط المتقدمة لمن خاف على نفسه الوقوع في الزنا ، وشق عليه الصبر عن الجماع ، وعنت بسبب ذلك كله ، فله حينئذ أن يتزوج بالأمة ، وإن ترك تزوجها ، وجاهد نفسه في الكف عن الزنا ، فهو خير له لأنه إذا تزوجها ، جاء أولاده أرقاء لسيدها ، إلا أن يكون الزوج غريباً ، فلا تكون أولاده منها أرقاء في قول قديم للشافعي ، ولهذا قال { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ومن هذه الآية الكريمة ، استدل جمهور العلماء في جواز نكاح الإماء على أنه لا بد من عدم الطول لنكاح الحرائر ، ومن خوف العنت لما في نكاحهن من مفسدة رق الأولاد ، ولما فيهن من الدناءة في العدول عن الحرائر إليهن ، وخالف الجمهور أبو حنيفة وأصحابه في اشتراط الأمرين ، فقالوا متى لم يكن الرجل مزوجاً بحرة ، جاز له نكاح الأمة المؤمنة والكتابية أيضاً ، سواء كان واجداً لطول حرة أم لا ، وسواء خاف العنت أم لا ، وعمدتهم فيما ذهبوا إليه قوله تعالى { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ } أي العفائف ، وهو يعم الحرائر والإماء ، وهذه الآية عامة ، وهذه أيضاً ظاهرة في الدلالة على ما قاله الجمهور ، والله أعلم .