Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 58-58)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى أنه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها . وفي حديث الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك " رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، وهذا يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق الله عز وجل على عباده من الصلوات والزكاة والصيام والكفارات والنذور وغير ذلك مما هو مؤتمن عليه ، ولا يطلع عليه العباد ، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به بعضهم على بعض من غير اطلاع بينة على ذلك ، فأمر الله عز وجل بأدائها ، فمن لم يفعل ذلك في الدنيا ، أخذ منه ذلك يوم القيامة كما ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لتؤدن الحقوق إلى أهلها ، حتى يقتص للشاة الجماء من القرناء " وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، حدثنا وكيع عن سفيان ، عن عبد الله بن السائب ، عن زاذان ، عن عبد الله بن مسعود ، قال إن الشهادة تكفر كل ذنب إلا الأمانة ، يؤتى بالرجل يوم القيامة ، وإن كان قتل في سبيل الله ، فيقال أد أمانتك ، فيقول فأنى أؤديها ، وقد ذهبت الدنيا ؟ فتمثل له الأمانة في قعر جهنم ، فيهوي إليها ، فيحملها على عاتقه ، قال فتنزل عن عاتقه ، فيهوي على أثرها أبد الآبدين . قال زاذان فأتيت البراء فحدثته ، فقال صدق أخي ، { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَـٰنَـٰتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا } . وقال سفيان الثوري عن ابن أبي ليلى ، عن رجل عن ابن عباس في الآية ، قال هي مبهمة للبر والفاجر ، وقال محمد بن الحنفية هي مُسْجَلة للبر والفاجر . وقال أبو العالية الأمانة ما أمروا به ونهوا عنه . وقال ابن أبي حاتم . حدثنا أبو سعيد ، حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال قال أبي بن كعب من الأمانة أن المرأة ائتمنت على فرجها . وقال الربيع بن أنس هي من الأمانات فيما بينك وبين الناس . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَـٰنَـٰتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا } ، قال يدخل فيه وعظ السلطان النساء ، يعني يوم العيد ، وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة ، واسم أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب القرشي العبدري حاجب الكعبة المعظمة ، وهو ابن عم شيبة بن عثمان بن أبي طلحة الذي صارت الحجابة في نسله إلى اليوم ، أسلم عثمان هذا في الهدنة بين صلح الحديبية ، وفتح مكة ، هو وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص ، وأما عمه عثمان بن طلحة بن أبي طلحة ، فكان معه لواء المشركين يوم أحد ، وقتل يومئذ كافراً ، وإنما نبهنا على هذا النسب لأن كثيراً من المفسرين قد يشتبه عليه هذا بهذا ، وسبب نزولها فيه لما أخذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة يوم الفتح ، ثم رده عليه . وقال محمد بن إسحاق في غزوة الفتح حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ، عن صفية بنت شيبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بمكة ، واطمأن الناس ، خرج حتى جاء البيت ، فطاف به سبعاً على راحلته ، يستلم الركن بمحجن في يده ، فلما قضى طوافه ، دعا عثمان بن طلحة ، فأخذ منه مفتاح الكعبة ، ففتحت له ، فدخلها ، فوجد فيها حمامة من عيدان ، فكسرها بيده ثم طرحها ، ثم وقف على باب الكعبة ، وقد استكنَّ له الناس في المسجد ، قال ابن إسحاق فحدثني بعض أهل العلم أن رسول صلى الله عليه وسلم قام على باب الكعبة ، فقال " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين ، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج " وذكر بقية الحديث في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ ، إلى أن قال ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، فقام إليه علي بن أبي طالب ، ومفتاح الكعبة في يده ، فقال يا رسول الله ، اجمع لنا الحجابة مع السقاية ، صلى الله عليك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أين عثمان بن طلحة ؟ " فدعي له ، فقال له " هاك مفتاحك يا عثمان ، اليوم يوم وفاء وبر " قال ابن جرير حدثني القاسم ، حدثنا الحسين عن حجاج ، عن ابن جريج في الآية ، قال نزلت في عثمان بن طلحة ، قبض منه رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة ، فدخل في البيت يوم الفتح ، فخرج وهو يتلو هذه الآية { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَـٰنَـٰتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا } الآية ، فدعا عثمان إليه ، فدفع إليه المفتاح ، قال وقال عمر بن الخطاب ، لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكعبة ، وهو يتلو هذه الآية { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَـٰنَـٰتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا } فداه أبي وأمي ، ما سمعته يتلوها قبل ذلك . حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا الزنجي بن خالد عن الزهري قال دفعه إليه ، وقال " أعينوه " وروى ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله عز وجل { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَـٰنَـٰتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا } قال لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، دعا عثمان بن طلحة ، فلما أتاه ، قال " أرني المفتاح " ، فأتاه به ، فلما بسط يده إليه ، قام إليه العباس ، فقال يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، اجمعه لي مع السقاية ، فكف عثمان يده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أرني المفتاح يا عثمان " فبسط يده يعطيه ، فقال العباس مثل كلمته الأولى ، فكف عثمان يده . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا عثمان إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر ، فهاتني المفتاح " فقال هاك بأمانة الله ، قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح باب الكعبة ، فوجد في الكعبة تمثال إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، معه قداح يستقسم بها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما للمشركين قاتلهم الله ، وما شأن إبراهيم وشأن القداح " ؟ ثم دعا بجفنة فيها ماء ، فأخذ ماء فغمسه فيه ، ثم غمس به تلك التماثيل ، وأخرج مقام إبراهيم ، وكان في الكعبة ، فألزقه في حائط الكعبة ، ثم قال " يا أيها الناس هذه القبلة " ، قال ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف في البيت شوطاً أو شوطين ، ثم نزل عليه جبريل فيما ذكر لنا برد المفتاح ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَـٰنَـٰتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا } حتى فرغ من الآية ، وهذا من المشهورات أن هذه الآية نزلت في ذلك ، وسواء كانت نزلت في ذلك أو لا ، فحكمها عام ، ولهذا قال ابن عباس ومحمد بن الحنفية هي للبر والفاجر ، أي هي أمر لكل أحد ، وقوله { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ } أمر منه تعالى بالحكم بالعدل بين الناس ، ولهذا قال محمد بن كعب وزيد بن أسلم وشهر بن حوشب إن هذه الآية إنما نزلت في الأمراء ، يعني الحكام بين الناس ، وفي الحديث " إن الله مع الحاكم ما لم يجر ، فإذا جار ، وكله الله إلى نفسه " ، وفي الأثر " عدل يوم كعبادة أربعين سنة " ، وقوله { إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ } أي يأمركم به من أداء الأمانات ، والحكم بالعدل بين الناس ، وغير ذلك من أوامره وشرائعه الكاملة العظيمة الشاملة . وقوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً } أي سميعاً لأقوالكم ، بصيراً بأفعالكم ، كما قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثنا عبد الله بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر ، قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقْرأ هذه الآية { سَمِيعاً بَصِيراً } يقول " بكل شيء بصير " وقد قال ابن أبي حاتم أخبرنا يحيى بن عبدك القزويني ، أنبأنا المقرىء يعني أبا عبد الرحمن عبد الله ابن يزيد ، حدثنا حرملة ، يعني ابن عمران التجيبي المصري ، حدثني أبو يونس ، سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَـٰنَـٰتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا } إلى قوله { إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً } ويضع إبهامه على أذنه ، والتي تليها على عينه ، ويقول هكذا سمعت رسول الله يقرؤها ، ويضع إصبعيه . قال أبو زكريا وصفه لنا المقرىء ، ووضع أبو زكريا إبهامه اليمنى على عينه اليمنى ، والتي تليها على الأذن اليمنى ، وأرانا ، فقال هكذا وهكذا ، رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه ، والحاكم في مستدركه ، وابن مردويه في تفسيره من حديث أبي عبد الرحمن المقرىء بإسناده نحوه . وأبو يونس هذا مولى أبي هريرة ، واسمه سليم بن جبير .