Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 82-83)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى آمراً لهم بتدبر القرآن ، وناهياً لهم عن الإعراض عنه وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة ، ومخبراً لهم أنه لا اختلاف فيه ولا اضطراب ، ولا تعارض لأنه تنزيل من حكيم حميد ، فهو حق من حق ، ولهذا قال تعالى { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } ، محمد 24 ثم قال { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ } أي لو كان مفتعلاً مختلقاً كما يقوله من يقول من جهلة المشركين والمنافقين في بواطنهم ، لوجدوا فيه اختلافاً ، أي اضطراباً وتضاداً كثيراً ، أي وهذا سالم من الاختلاف ، فهو من عند الله ، كما قال تعالى مخبراً عن الراسخين في العلم حيث قالوا { ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } آل عمران 7 أي محكمه ومتشابهه حق ، فلهذا ردوا المتشابه إلى المحكم ، فاهتدوا ، والذين في قلوبهم زيغ ردوا المحكم إلى المتشابه ، فغووا ، ولهذا مدح تعالى الراسخين ، وذم الزائغين . قال الإمام أحمد حدثنا أنس بن عياض ، حدثنا أبو حازم ، حدثنا عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال لقد جلست أنا وأخي مجلساً ما أحب أن لي به حمر النعم ، أقبلت أنا وأخي ، وإذا مشيخة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب من أبوابه ، فكرهنا أن نفرق بينهم ، فجلسنا حجرة إذ ذكروا آية من القرآن ، فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضباً حتى احمر وجهه ، يرميهم بالتراب ويقول " مهلاً يا قوم بهذا أهلكت الأمم من قبلكم باختلافهم على أنبيائهم ، وضربهم الكتب بعضها ببعض ، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضاً ، إنما نزل يصدق بعضه بعضاً ، فما عرفتم منه فاعملوا به ، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه " وهكذا رواه أيضاً عن أبي معاوية ، عن داود بن أبي هند ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر ، فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب ، فقال لهم " مالكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض ؟ بهذا هلك من كان قبلكم " قال فما غبطت نفسي بمجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أشهده ما غبطت نفسي بذلك المجلس أني لم أشهده ، ورواه ابن ماجه من حديث داود بن أبي هند ، به نحوه . وقال أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا حماد بن زيد عن أبي عمران الجوني ، قال كتب إليّ عبد الله بن رباح يحدث عن عبد الله بن عمرو ، قال هجَّرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ، فإنا لجلوس ، إذ اختلف اثنان في آية ، فارتفعت أصواتهما ، فقال " إنما هلكت الأمم قبلكم باختلافهم في الكتاب " ورواه مسلم والنسائي من حديث حماد بن زيد به . وقوله { وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ } إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها ، فيخبر بها ، ويفشيها وينشرها ، وقد لا يكون لها صحة . وقد قال مسلم في مقدمة صحيحه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا علي بن حفص ، حدثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع " وكذا رواه أبو داود في كتاب الأدب من سننه عن محمد بن الحسين بن إشكاب ، عن علي بن حفص ، عن شعبة مسنداً ، ورواه مسلم أيضاً من حديث معاذ بن هشام العنبري وعبد الرحمن بن مهدي ، وأخرجه أبو داود أيضاً من حديث حفص بن عمرو النمري ، ثلاثتهم عن شعبة ، عن خبيب ، عن حفص ابن عاصم به مرسلاً ، وفي الصحيحين ، عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قيل وقال ، أي الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تثبت ، ولا تدبر ، ولا تبين . وفي سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بئس مطية الرجل زعموا " وفي الصحيح " من حدث بحديث ، وهو يرى أنه كذب ، فهو أحد الكاذبين " ولنذكر ههنا حديث عمر بن الخطاب المتفق على صحته حين بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق نساءه ، فجاء من منزله حتى دخل المسجد ، فوجد الناس يقولون ذلك ، فلم يصبر حتى استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فاستفهمه أطلقت نساءك ؟ فقال " لا " فقلت الله أكبر وذكر الحديث بطوله . وعند مسلم فقلت أطلقتهن ؟ فقال " لا " فقمت على باب المسجد ، فناديت بأعلى صوتي لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ، ونزلت هذه الآية { وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِى ٱلأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر ، ومعنى يستنبطونه أي يستخرجونه من معادنه ، يقال استنبط الرجل العين إذا حفرها واستخرجها من قعورها . وقوله { لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَـٰنَ إِلاَّ قَلِيلاً } ، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني المؤمنين . وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة { لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَـٰنَ إِلاَّ قَلِيلاً } يعني كلكم ، واستشهد من نصر هذا القول بقول الطرماح بن حكيم في مدح يزيد بن المهلب @ أَشَمُّ نَديٌّ كَثيرُ النَّوادي قَليلُ المَثالِبِ والقادِحَهْ @@ يعني لا مثالب له ، ولا قادحة فيه .