Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 84-87)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يأمر تعالى عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يباشر القتال بنفسه ، ومن نكل عنه ، فلا عليه منه ، ولهذا قال { لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن عمرو بن نبيح ، حدثنا حكام ، حدثنا الجراح الكندي عن أبي إسحاق ، قال سألت البراء بن عازب عن الرجل يلقى المائة من العدو ، فيقاتل ، فيكون ممن قال الله فيه { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } البقرة 195 ؟ قال قد قال الله تعالى لنبيه { فَقَاتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . ورواه الإمام أحمد عن سليمان بن داود ، عن أبي بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق ، قال قلت للبراء الرجل يحمل على المشركين ، أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة ؟ قال لا ، إن الله بعث رسوله صلى الله عليه وسلم وقال { فَقَاتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } إنما ذلك في النفقة . وكذا رواه ابن مردويه من طريق أبي بكر بن عياش وعلي بن صالح ، عن أبي إسحاق ، عن البراء به . ثم قال ابن مردويه حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا أحمد بن النضر العسكري ، حدثنا مسلم بن عبد الرحمن الجرمي ، حدثنا محمد بن حمير ، حدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق ، عن البراء ، قال لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم { فَقَاتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } الآية ، قال لأصحابه " وقد أمرني ربي بالقتال ، فقاتلوا " حديث غريب . وقوله { وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي على القتال ، ورغبهم فيه ، وشجعهم عليه ، كما قال لهم صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، وهو يسوي الصفوف " قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض " وقد وردت أحاديث كثيرة في الترغيب في ذلك ، فمن ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من آمن بالله ورسوله ، وأقام الصلاة وآتى الزكاة ، وصام رمضان ، كان حقاً على الله أن يدخله الجنة ، هاجر في سبيل الله ، أو جلس في أرضه التي ولد فيها " قالوا يا رسول الله ، أفلا نبشر الناس بذلك ؟ فقال " إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم الله ، فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة ، وأعلى الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة " وروي من حديث عبادة ومعاذ وأبي الدرداء ، نحو ذلك . وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يا أبا سعيد من رضي بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ونبياً ، وجبت له الجنة " ، قال فعجب لها أبو سعيد ، فقال أعدها عليّ يا رسول الله ، ففعل ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأخرى يرفع الله العبد بها مائة درجة في الجنة ، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض " قال وما هي يا رسول الله ؟ قال " الجهاد في سبيل الله " ، رواه مسلم . وقوله { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي بتحريضك إياهم على القتال تنبعث هممهم على مناجزة الأعداء . ومدافعتهم عن حوزة الإسلام وأهله ، ومقاومتهم ومصابرتهم . وقوله تعالى { وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } أي هو قادر عليهم في الدنيا والآخرة كما قال تعالى { ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ } محمد 4 الآية . وقوله { مَّن يَشْفَعْ شَفَـٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا } أي من يسعى في أمر ، فيترتب عليه خير ، كان له نصيب من ذلك ، { وَمَن يَشْفَعْ شَفَـٰعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مَّنْهَا } أي يكون عليه وزر من ذلك الأمر الذي ترتب على سعيه ونيته ، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " اشفعوا تؤجروا ، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء " ، وقال مجاهد بن جبر نزلت هذه الآية في شفاعات الناس بعضهم لبعض . وقال الحسن البصري قال الله تعالى { مَّن يَشْفَعْ } ولم يقل من يشفَّع . وقوله { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ مُّقِيتاً } . قال ابن عباس وعطاء وعطية وقتادة ومطر الوارق { مُّقِيتاً } أي حفيظاً . وقال مجاهد شهيداً ، وفي رواية عنه حسيباً . وقال سعيد بن جبير والسدي وابن زيد قديراً . وقال عبد الله بن كثير المقيت المواظب ، وقال الضحاك المقيت الرزاق ، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحيم بن مطرف ، حدثنا عيسى ابن يونس عن إسماعيل عن رجل ، عن عبد الله بن رواحة ، وسأله رجل عن قول الله تعالى { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ مُّقِيتاً } قال مقيت لكل إنسان بقدر عمله . وقوله { وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ } أي إذا سلم عليكم المسلم ، فردوا عليه أفضل مما سلم ، أو ردوا عليه بمثل ما سلم ، فالزيادة مندوبة ، والمماثلة مفروضة ، قال ابن جرير حدثنا موسى بن سهل الرملي ، حدثنا عبد الله بن السري الأنطاكي ، حدثنا هشام بن لاحق عن عاصم الأحول ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي ، قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليك يا رسول الله ، فقال " وعليك السلام ورحمة الله " ، ثم جاء آخر فقال السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " وعليك السلام ورحمة الله وبركاته " ، ثم جاء آخر فقال السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فقال له " وعليك " ، فقال له الرجل يا نبي الله بأبي أنت وأمي ، أتاك فلان وفلان ، فسلما عليك ، فرددت عليهما أكثر مما رددت عليّ ، فقال " إنك لم تدع لنا شيئاً ، قال الله تعالى { وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ } ، فرددناها عليك " ، وهكذا رواه ابن أبي حاتم معلقاً ، فقال ذكر عن أحمد بن الحسن الترمذي حدثنا عبد الله بن السري أبو محمد الأنطاكي ، قال أبو الحسن ، وكان رجلاً صالحاً حدثنا هشام بن لاحق ، فذكره بإسناده مثله ، ورواه أبو بكر بن مردويه حدثنا عبد الباقي بن قانع ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن لاحق أبو عثمان ، فذكره مثله ، ولم أره في المسند ، والله أعلم . وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا زيادة في السلام على هذه الصفة ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، إذ لو شرع أكثر من ذلك ، لزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن كثير أخو سليمان بن كثير ، حدثنا جعفر بن سليمان بن عوف ، عن أبي رجاء العطاردي ، عن عمران بن حصين أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليكم يا رسول الله ، فرد عليه ، ثم جلس ، فقال " عشر " ، ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله يا رسول الله ، فرد عليه ، ثم جلس ، فقال " عشرون " ، ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فرد عليه ، ثم جلس ، فقال " ثلاثون " وكذا رواه أبو داود عن محمد بن كثير ، وأخرجه الترمذي والنسائي والبزار من حديثه ، ثم قال الترمذي حسن غريب من هذا الوجه . وفي الباب عن أبي سعيد وعلي وسهل بن حنيف ، وقال البزار قد روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ، هذا أحسنها إسناداً . وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن حرب الموصلي ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي ، عن الحسن بن صالح ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال من سلم عليك من خلق الله ، فاردد عليه ، وإن كان مجوسياً ذلك بأن الله يقول فحيوا بأحسن منها أو ردوها . وقال قتادة فحيوا بأحسن منها ، يعني للمسلمين ، أو ردوها يعني لأهل الذمة ، وهذا التنزيل فيه نظر ، كما تقدم في الحديث من أن المراد أن يرد بأحسن مما حياه به ، فإن بلغ المسلم غاية ما شرع في السلام ، رد عليه مثل ما قال ، فأما أهل الذمة ، فلا يبدؤون بالسلام ، ولا يزادون ، بل يرد عليهم بما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا سلم عليكم اليهود ، فإنما يقول أحدهم السام عليكم ، فقل وعليك " في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه " وقال سفيان الثوري ، عن رجل ، عن الحسن البصري ، قال السلام تطوع ، والرد فريضة ، وهذا الذي قال هو قول العلماء قاطبة ، أن الرد واجب على من سلم عليه ، فيأثم إن لم يفعل لأنه خالف أمر الله في قوله فحيوا بأحسن منها أو ردوها . وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود بسنده إلى أبي هريرة ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده ، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم " . وقوله { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } إخبار بتوحيده وتفرده بالإلهية لجميع المخلوقات ، وتضمن قسماً لقوله { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ } وهذه اللام موطئة للقسم ، فقوله الله لا إله إلا هو ، خبر وقسم أنه سيجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد ، فيجازي كل عامل بعمله ، وقوله تعالى { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً } أي لا أحد أصدق منه في حديثه وخبره ، ووعده ووعيده ، فلا إله إلا هو ، ولا رب سواه .