Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 92-93)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ليس لمؤمن أن يقتل أخاه المؤمن بوجه من الوجوه ، وكما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والتارك لدينه المفارق للجماعة " ثم إذا وقع شيء من هذه الثلاث ، فليس لأحد من آحاد الرعية أن يقتله ، وإنما ذلك إلى الإمام ، أو نائبه ، وقوله { إِلاَّ خَطَئاً } قالوا هو استثناء منقطع ، كقول الشاعر @ مِنَ البِيْضِ لَمْ تَظْعَنْ بَعيداً ولَمْ تَطَأْ على الأرض إِلا رَيْطَ بُرْدٍ مُرَحَّلِ @@ ولهذا شواهد كثيرة . واختلف في سبب نزول هذه ، فقال مجاهد وغير واحد نزلت في عياش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل لأمه ، وهي أسماء بنت مخرمة ، وذلك أنه قتل رجلاً يعذبه مع أخيه على الإسلام ، وهو الحارث بن يزيد الغامدي ، فأضمر له عياش السوء ، فأسلم ذلك الرجل وهاجر ، وعياش لا يشعر ، فلما كان يوم الفتح ، رآه فظن أنه على دينه ، فحمل عليه فقتله ، فأنزل الله هذه الآية . قال عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم نزلت في أبي الدرداء لأنه قتل رجلاً ، وقد قال كلمة الإيمان حين رفع عليه السيف ، فأهوى به إليه ، فقال كلمته ، فلما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال إنما قالها متعوذاً فقال له " هل شققت عن قلبه ؟ " وهذه القصة في الصحيح لغير أبي الدرداء . وقوله { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ } هذان واجبان في قتل الخطأ ، أحدهما الكفارة لما ارتكبه من الذنب العظيم ، وإن كان خطأ ، ومن شرطها أن تكون عتق رقبة مؤمنة ، فلا تجزىء الكافرة ، وحكى ابن جرير عن ابن عباس والشعبي وإبراهيم النخعي والحسن البصري أنهم قالوا لا يجزىء الصغير حتى يكون قاصداً للإيمان ، وروي من طريق عبد الرزاق عن معمر ، عن قتادة ، قال في مصحف أبيّ فتحرير رقبة مؤمنة لا يجزىء فيها صبي ، واختار ابن جرير أنه إن كان مولوداً بين أبوين مسلمين ، أجزأ ، وإلا فلا ، والذي عليه الجمهور أنه متى كان مسلماً ، صح عتقه عن الكفارة ، سواء كان صغيراً أو كبيراً . قال الإمام أحمد أنبأنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله ، عن رجل من الأنصار أنه جاء بأمة سوداء ، فقال يا رسول الله ، إن علي عتق رقبة مؤمنة ، فإن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقتها ، فقال لها رسول الله " أتشهدين أن لا إله إلا الله ؟ " قالت نعم . قال " أتشهدين أني رسول الله ؟ " قالت نعم . قال " أتؤمنين بالبعث بعد الموت ؟ " قالت نعم . قال " أعتقها " وهذا إسناد صحيح ، وجهالة الصحابي لا تضره ، وفي موطأ مالك ومسند الشافعي وأحمد وصحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي من طريق هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار ، عن معاوية بن الحكم أنه لما جاء بتلك الجارية السوداء ، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم " أين الله ؟ " قالت في السماء . قال " من أنا " قالت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أعتقها ، فإنها مؤمنة " وقوله { وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ } هو الواجب الثاني فيما بين القاتل و أهل القتيل عوضاً لهم عما فاتهم من قتيلهم ، وهذه الدية إنما تجب أخماساً ، كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث الحجاج بن أرطاة عن زيد بن جبير ، عن خشف بن مالك ، عن ابن مسعود ، قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الخطأ عشرين بنت مخاض ، وعشرين بني مخاض ذكوراً ، وعشرين بنت لبون ، وعشرين جذعة ، وعشرين حقة ، لفظ النسائي . قال الترمذي لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه ، وقد روي عن عبد الله موقوفاً ، كما روي عن علي وطائفة ، وقيل تجب أرباعاً . وهذه الدية على العاقلة ، لا في ماله ، قال الشافعي رحمه الله لم أعلم مخالفاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على العاقلة ، وهو أكثر من حديث الخاصة ، وهذا الذي أشار إليه رحمه الله قد ثبت في غير ما حديث ، فمن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل ، فرمت إحداهما الأخرى بحجر ، فقتلتها وما في بطنها ، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو أمة ، وقضى بدية المرأة على عاقلتها . وهذا يقتضي أن حكم عمد الخطأ حكم الخطأ المحض في وجوب الدية ، لكن هذا تجب فيه الدية أثلاثاً لشبهة العمد . وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة ، فدعاهم إلى الإسلام ، فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا ، فجعلوا يقولون صبأنا ، صبأنا فجعل خالد يقتلهم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرفع يديه وقال " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد " وبعث علياً ، فودى قتلاهم ، وما أتلف من أموالهم ، حتى ميلغة الكلب ، وهذا الحديث يؤخذ منه أن خطأ الإمام أو نائبه يكون في بيت المال . وقوله { إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } أي فتجب فيه الدية مسلمة إلى أهله ، إلا أن يتصدقوا بها ، فلا تجب . وقوله { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } أي إذا كان القتيل مؤمناً ، ولكن أولياؤه من الكفار أهل حرب ، فلا دية لهم ، وعلى القاتل تحرير رقبة مؤمنة لا غير . وقوله { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ } الآية ، أي فإن كان القتيل أولياؤه أهل ذمة أو هدنة ، فلهم دية قتيلهم ، فإن كان مؤمناً فدية كاملة ، وكذا إن كان كافراً أيضاً عند طائفة من العلماء ، وقيل يجب في الكافر نصف دية المسلم ، وقيل ثلثها كما هو مفصل في كتاب الأحكام ، ويجب أيضاً على القاتل تحرير رقبة مؤمنة ، { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } أي لا إفطار بينهما ، بل يسرد صومهما إلى آخرهما ، فإن أفطر من غير عذر من مرض أو حيض أو نفاس ، استأنف ، واختلفوا في السفر ، هل يقطع أم لا ؟ على قولين . وقوله { تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } أي هذه توبة القاتل خطأ ، إذا لم يجد العتق ، صام شهرين متتابعين ، واختلفوا فيمن لا يستطع الصيام ، هل يجب عليه إطعام ستين مسكيناً كما في كفارة الظهار ؟ على قولين ، أحدهما نعم كما هو منصوص عليه في كفارة الظهار ، وإنما لم يذكر ههنا لأن هذا مقام تهديد وتخويف وتحذير ، فلا يناسب أن يذكر فيه الإطعام لما فيه من التسهيل والترخيص ، والقول الثاني لا يعدل إلى الطعام لأنه لو كان واجباً ، لما أخر بيانه عن وقت الحاجة { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } قد تقدم تفسيره غير مرة . ثم لما بين تعالى حكم القتل الخطأ ، شرع في بيان حكم القتل العمد ، فقال { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً } الآية ، وهذا تهديد شديد ، ووعيد أكيد ، لمن تعاطى هذا الذنب العظيم ، الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله ، حيث يقول سبحانه في سورة الفرقان { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } الفرقان 68 الآية ، وقال تعالى { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } الأنعام 151 الآية ، والآيات والأحاديث في تحريم القتل كثيرة جداً ، فمن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء " ، وفي الحديث الآخر الذي رواه أبو داود من رواية عمرو بن الوليد بن عبدة المصري ، عن عبادة بن الصامت ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يزال المؤمن معنقاً صالحاً ما لم يصب دماً حراماً ، فإذا أصاب دماً حراماً بلح " وفي حديث آخر " لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم " ، وفي الحديث الآخر " لو اجتمع أهل السموات والأرض على قتل رجل مسلم لأكبهم الله في النار " وفي الحديث الآخر " ومن أعان على قتل المسلم ، ولو بشطر كلمة ، جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله " وقد كان ابن عباس يرى أنه لا توبة لقاتل المؤمن عمداً ، وقال البخاري حدثنا آدم ، حدثنا شعبة ، حدثنا المغيرة بن النعمان ، قال سمعت ابن جبير قال اختلف فيها أهل الكوفة ، فرحلت إلى ابن عباس ، فسألته عنها ، فقال نزلت هذه الآية { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ } هي آخر ما نزل ، وما نسخها شيء ، وكذا رواه هو أيضاً ، ومسلم والنسائي من طرق عن شعبة به ، ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن ابن مهدي ، عن سفيان الثوري ، عن مغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ } فقال ما نسخها شيء . وقال ابن جرير حدثنا ابن بشار ، حدثنا ابن عون ، حدثنا شعبة عن سعيد بن جبير ، قال قال عبد الرحمن بن أبزى سئل ابن عباس عن قوله { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً } الآية ، قال لم ينسخها شيء ، وقال في هذه الآية { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءَاخَرَ } الفرقان 68 إلى آخرها ، قال نزلت في أهل الشرك . وقال ابن جرير أيضاً حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير عن منصور ، حدثني سعيد بن جبير ، أو حدثني الحكم عن سعيد بن جبير ، قال سألت ابن عباس عن قوله { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ } قال إن الرجل إذا عرف الإسلام وشرائع الإسلام ، ثم قتل مؤمناً متعمداً ، فجزاؤه جهنم ، ولا توبة له ، فذكرت ذلك لمجاهد ، فقال إلا من ندم . حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير عن يحيى الجابر عن سالم بن أبي الجعد ، قال كنا عند ابن عباس بعدما كف بصره ، فأتاه رجل فناداه يا عبد الله بن عباس ما ترى في رجل قتل مؤمناً متعمداً ؟ فقال جزاؤه جهنم خالداً فيها ، وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً . قال أفرأيت إن تاب ، وعمل صالحاً ، ثم اهتدى ؟ قال ابن عباس ثكلته أمه ، وأنى له التوبة والهدى ؟ والذي نفسي بيده لقد سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول " ثكلته أمه قاتل مؤمن متعمداً ، جاء يوم القيامة ، أخذه بيمينه أو بشماله ، تشخب أوداجه من قبل عرش الرحمن ، يلزم قاتله بشماله ، وبيده الأخرى رأسه ، يقول يا رب سل هذا فيمَ قتلني ؟ " وايم الذي نفس عبد الله بيده ، لقد أنزلت هذه الآية ، فما نسختها من آية حتى قبض نبيكم صلى الله عليه وسلم ، وما نزل بعدها من برهان . وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، سمعت يحيى ابن المجبر يحدث عن سالم بن أبي الجعد ، عن ابن عباس أن رجلاً أتى إليه ، فقال أرأيت رجلاً قتل رجلاً عمداً ؟ فقال جزاؤه جهنم خالداً فيها ، الآية ، قال لقد نزلت من آخر ما نزل ، ما نسخها شيء حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نزل وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ؟ قال وأنى له بالتوبة ، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ثكلته أمه رجل قتل رجلاً متعمداً ، يجىء يوم القيامة آخذاً قاتله بيمينه أو بيساره أو آخذاً رأسه بيمينه أو بشماله تشخب أوداجه دماً من قبل العرش ، يقول يا رب سل عبدك فيمَ قتلني ؟ " وقد رواه النسائي عن قتيبة ، وابن ماجه عن محمد بن الصباح ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمار الدهني ، ويحيى الجابر وثابت الثمالي عن سالم بن أبي الجعد ، عن ابن عباس ، فذكره ، وقد روي هذا عن ابن عباس من طرق كثيرة ، وممن ذهب إلى أنه لا توبة له من السلف زيد بن ثابت ، وأبو هريرة ، وعبد الله بن عمر ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعبيد بن عمير ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك بن مزاحم ، نقله ابن أبي حاتم . وفي الباب أحاديث كثيرة ، فمن ذلك ما رواه أبو بكر بن مردويه الحافظ في تفسيره حدثنا دعلج بن أحمد ، حدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي ، وحدثنا عبد الله بن جعفر ، وحدثنا إبراهيم بن فهد ، قالا حدثنا عبيد بن عبيدة ، حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه ، عن الأعمش ، عن أبي عمرو بن شرحبيل بإسناده عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يجيء المقتول متعلقاً بقاتله يوم القيامة ، آخذاً رأسه بيده الأخرى ، فيقول يا رب سل هذا فيمَ قتلني ؟ قال ، فيقول قتلته لتكون العزة لك ، فيقول فإنها لي ، قال ويجيء آخر متعلقاً بقاتله ، فيقول رب سل هذا فيمَ قتلني ؟ قال فيقول قتلته لتكون العزة لفلان ، قال فإنها ليست له ، بؤ بإثمه ، قال فيهوي في النار سبعين خريفاً " وقد رواه النسائي عن إبراهيم بن المستمر العوفي ، عن عمرو بن عاصم ، عن معتمر بن سليمان ، به . حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا صفوان بن عيسى ، حدثنا ثور بن يزيد عن أبي عون ، عن أبي إدريس ، قال سمعت معاوية رضي الله عنه يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " كل ذنب عسى الله أن يغفره ، إلا الرجل يموت كافراً ، أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً " وكذا رواه النسائي عن محمد بن المثنى ، عن صفوان بن عيسى به ، وقال ابن مردويه حدثنا عبد الله ابن جعفر ، حدثنا سمويه ، حدثنا عبد الأعلى بن مسهر ، حدثنا صدقة بن خالد ، حدثنا خالد بن دهقان ، حدثنا ابن أبي زكريا ، قال سمعت أم الدرداء تقول سمعت أبا الدرداء يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " كل ذنب عسى الله أن يغفره ، إلا من مات مشركاً ، أو من قتل مؤمناً متعمداً " وهذا غريب جداً من هذا الوجه ، والمحفوظ حديث معاوية المتقدم ، فالله أعلم ، ثم روى ابن مردويه من طريق بقية بن الوليد عن نافع بن يزيد حدثني ابن جبير الأنصاري عن داود بن الحصين ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من قتل مؤمناً متعمداً ، فقد كفر بالله عز وجل " وهذا حديث منكر أيضاً ، فإسناده تكلم فيه جداً ، قال الإمام أحمد حدثنا النضر ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، حدثنا حميد ، قال أتاني أبو العالية أنا وصاحب لي ، فقال لنا هلما ، فأنتما أشب سناً مني ، وأوعى للحديث مني ، فانطلق بنا إلى بشر بن عاصم ، فقال له أبو العالية حدث هؤلاء بحديثك ، فقال حدثنا عقبة بن مالك الليثي قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ، فأغارت على قوم ، فشد مع القوم رجل ، فاتبعه رجل من السرية شاهراً سيفه ، فقال الشاد من القوم إني مسلم ، فلم ينظر فيما قال ، قال فضربه فقتله ، فنمي الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولاً شديداً ، فبلغ القاتل ، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ، إذ قال القاتل والله ما قال الذي قال إلا تعوذاً من القتل ، قال فأعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ، وعمن قبله من الناس ، وأخذ في خطبته ، ثم قال أيضاً يا رسول الله ، ما قال الذي قال إلا تعوذاً من القتل ، فأعرض عنه وعمن قبله من الناس ، وأخذ في خطبته ، ثم لم يصبر حتى قال الثالثة والله يا رسول الله ، ما قال الذي قال إلا تعوذاً من القتل ، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرف المساءة في وجهه ، فقال " إن الله أبى على من قتل مؤمناً " ثلاثاً ورواه النسائي من حديث سليمان بن المغيرة ، والذي عليه الجمهور من سلف الأمة وخلفها أن القاتل له توبة فيما بينه وبين الله عز وجل ، فإن تاب وأناب ، وخشع وخضع ، وعمل عملاً صالحاً ، بدل الله سيئاته حسنات ، وعوض المقتول من ظلامته ، وأرضاه عن ظلامته ، قال الله تعالى { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءَاخَرَ } إلى قوله { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً } الفرقان 68 70 وهذا خبر لا يجوز نسخه وحمله على المشركين ، وحمل هذه الآية على المؤمنين خلاف الظاهر ، ويحتاج حمله إلى دليل ، والله أعلم . وقال تعالى { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } الزمر 53 الآية ، وهذا عام في جميع الذنوب من كفر وشرك وشك ونفاق وقتل وفسق وغير ذلك ، كل من تاب ، أي من أي ذلك ، تاب الله عليه ، قال الله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } النساء 116 فهذه الآية عامة في جميع الذنوب ، ما عدا الشرك ، وهي مذكورة في هذه السورة الكريمة بعد هذه الآية وقبلها لتقوية الرجاء ، والله أعلم ، وثبت في الصحيحين خبر الإسرائيلي الذي قتل مائة نفس ، ثم سأل عالماً هل لي من توبة ؟ فقال ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ ثم أرشده إلى بلد يعبد الله فيه ، فهاجر إليه ، فمات في الطريق ، فقبضته ملائكة الرحمة كما ذكرناه غير مرة ، وإذا كان هذا في بني إسرائيل ، فلأن يكون في هذه الأمة التوبة مقبولة بطريق الأولى والأحرى لأن الله وضع عنا الآصار والأغلال التي كانت عليهم ، وبعث نبينا بالحنيفية السمحة . فأما الآية الكريمة ، وهي قوله تعالى { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً } الآية ، فقد قال أبو هريرة وجماعة من السلف هذا جزاؤه إن جازاه ، وقد رواه ابن مردويه بإسناده مرفوعاً من طريق محمد بن جامع العطار عن العلاء بن ميمون العنبري ، عن حجاج الأسود ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة مرفوعاً ، ولكن لا يصح ، ومعنى هذه الصيغة أن هذا جزاؤه إن جوزي عليه ، وكذا كل وعيد على ذنب ، لكن قد يكون لذلك معارض من أعمال صالحة تمنع وصول ذلك الجزاء إليه ، على قولي أصحاب الموازنة والإحباط ، وهذا أحسن ما يسلك في باب الوعيد ، والله أعلم بالصواب ، وبتقدير دخول القاتل في النار ، إما على قول ابن عباس ومن وافقه أنه لا توبة له ، أو على قول الجمهور حيث لا عمل له صالحاً ينجو به ، فليس بمخلد فيها أبداً ، بل الخلود هو المكث الطويل ، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان " ، وأما حديث معاوية " كل ذنب عسى الله أن يغفره ، إلا الرجل يموت كافراً ، أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً " فعسى للترجي ، فإذا انتفى الترجي في هاتين الصورتين ، لا ينتفي وقوع ذلك في أحدهما ، وهو القتل لما ذكرنا من الأدلة ، وأما من مات كافراً ، فالنص أن الله لا يغفر له ألبتة ، وأما مطالبة المقتول القاتل يوم القيامة ، فإنه حق من حقوق الآدميين ، وهي لا تسقط بالتوبة ، ولكن لا بد من ردها إليهم ، ولا فرق بين المقتول والمسروق منه ، والمغصوب منه والمقذوف ، وسائر حقوق الآدميين ، فإن الإجماع منعقد على أنها لا تسقط بالتوبة ، ولكنه لا بد من ردها إليهم في صحة التوبة ، فإن تعذر ذلك ، فلا بد من المطالبة يوم القيامة ، لكن لا يلزم من وقوع المطالبة وقوع المجازاة ، إذ قد يكون للقاتل أعمال صالحة تصرف إلى المقتول أو بعضها ، ثم يفضل له أجر يدخل به الجنة ، أو يعوض الله المقتول بما يشاء من فضله من قصور الجنة ونعيمها ، ورفع درجته فيها ، ونحو ذلك ، والله أعلم . ثم لقاتل العمد أحكام في الدنيا وأحكام في الآخرة ، فأما في الدنيا ، فتسلط أولياء المقتول عليه ، قال الله تعالى { وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَـٰناً } الإسراء 33 الآية ، ثم هم مخيرون بين أن يقتلوا ، أو يعفوا ، أو يأخذوا دية مغلظة أثلاثاً ثلاثون حقة ، وثلاثون جذعة ، وأربعون خلفة ، كما هو مقرر في كتاب الأحكام . واختلف الأئمة هل تجب عليه كفارة عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ؟ على أحد القولين كما تقدم في كفارة الخطأ ، على قولين فالشافعي وأصحابه وطائفة من العلماء يقولون نعم ، يجب عليه لأنه إذا وجبت عليه الكفارة في الخطأ ، فلأن تجب عليه في العمد أولى ، فطردوا هذا في كفارة اليمين الغموس ، واعتذروا بقضاء الصلاة المتروكة عمداً ، كما أجمعوا على ذلك في الخطأ ، وقال أصحاب الإمام أحمد وآخرون قتل العمد أعظم من أن يكفر ، فلا كفارة فيه ، وكذا اليمين الغموس ، ولا سبيل لهم إلى الفرق بين هاتين الصورتين وبين الصلاة المتروكة عمداً ، فإنهم يقولون بوجوب قضائها إذا تركت عمداً ، وقد احتج من ذهب إلى وجوب الكفارة في قتل العمد بما رواه الإمام أحمد حيث قال حدثنا عارم بن الفضل ، حدثنا عبد الله بن المبارك عن إبراهيم بن أبي عبلة ، عن الغريف بن عياش عن واثلة بن الأسقع ، قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم نفر من بني سليم ، فقالوا إن صاحباً لنا قد أوجب ، قال " فليعتق رقبة يفدي الله بكل عضو منها عضواً منه من النار " وقال أحمد حدثنا إبراهيم بن إسحاق ، حدثنا ضمرة بن ربيعة عن إبراهيم بن أبي عبلة عن الغريف الديلمي ، قال أتينا واثلة بن الأسقع الليثي ، فقلنا له حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد أوجب ، فقال " أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النار " وكذا رواه أبو داود والنسائي من حديث إبراهيم بن أبي عبلة به ، ولفظ أبي داود عن الغريف الديلمي قال أتينا واثلة بن الأسقع ، فقلنا له حدثنا حديثاً ليس فيه زيادة ولا نقصان ، فغضب ، فقال إن أحدكم ليقرأ ، ومصحفه معلق في بيته ، فيزيد وينقص ، قلنا إنما أردنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد أوجب ، يعني النار بالقتل ، فقال " أعتقوا عنه ، يعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النار " .