Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 88-91)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى منكراً على المؤمنين في اختلافهم في المنافقين على قولين ، واختلف في سبب ذلك ، فقال الإمام أحمد حدثنا بهز ، حدثنا شعبة ، قال عدي بن ثابت أخبرني عبد الله بن يزيد عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد ، فرجع ناس خرجوا معه ، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين فرقة تقول نقتلهم ، وفرقة تقول لا ، هم المؤمنون ، فأنزل الله { فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنها طيبة ، وإنها تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد " أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة . وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار في وقعة أحد أن عبد الله ابن أبي ابن سلول رجع يومئذ بثلث الجيش ، رجع بثلثمائة ، وبقي النبي صلى الله عليه وسلم في سبعمائة . وقال العوفي عن ابن عباس نزلت في قوم كانوا بمكة قد تكلموا بالإسلام ، وكانوا يظاهرون المشركين ، فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم ، فقالوا إن لقينا أصحاب محمد ، فليس علينا منهم بأس ، وإن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة ، قالت فئة من المؤمنين اركبوا إلى الجبناء فاقتلوهم ، فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم ، وقالت فئة أخرى من المؤمنين سبحان الله ، أو كما قالوا أتقتلون قوماً قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به من أجل أنهم لم يهاجروا ، ولم يتركوا ديارهم ، نستحل دماءهم وأموالهم ؟ فكانوا كذلك فئتين ، والرسول عندهم لا ينهى واحداً من الفريقين عن شيء ، فنزلت { فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ } رواه ابن أبي حاتم ، وقد روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم قريب من هذا . وقال زيد بن أسلم عن ابن لسعد بن معاذ إنها نزلت في تقاول الأوس والخزرج في شأن عبد الله بن أبي ، حين استعذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر في قضية الإفك ، وهذا غريب ، وقيل غير ذلك . وقوله تعالى { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ } أي ردهم ، وأوقعهم في الخطأ ، قال ابن عباس { أَرْكَسَهُمْ } أي أوقعهم ، وقال قتادة أهلكهم ، وقال السدي أضلهم ، وقوله { بِمَا كَسَبُوۤاْ } أي بسبب عصيانهم ومخالفتهم الرسول واتباعهم الباطل { أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } أي لا طريق له إلى الهدى ، ولا مخلص له إليه ، وقوله { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً } أي هم يودون لكم الضلالة لتستووا أنتم وإياهم فيها ، وما ذاك إلا لشدة عداوتهم وبغضهم لكم ، ولهذا قال { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْاْ } أي تركوا الهجرة ، قاله العوفي عن ابن عباس ، وقال السدي أظهروا كفرهم ، { فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } أي لا توالوهم ، ولا تستنصروا بهم على أعداء الله ما داموا كذلك ، ثم استثنى الله من هؤلاء ، فقال { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَـٰقٌ } أي إلا الذين لجؤوا وتحيزوا إلى قوم بينكم وبينهم مهادنة ، أو عقد ذمة ، فاجعلوا حكمهم كحكمهم ، وهذا قول السدي وابن زيد وابن جرير ، وقد روى ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا أبو سلمة ، حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان ، عن الحسن أن سراقة بن مالك المدلجي حدثهم قال لما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم على أهل بدر وأحد ، وأسلم من حولهم ، قال سراقة بلغني أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي بني مدلج ، فأتيته ، فقلت أنشدك النعمة ، فقالوا صه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " دعوه ، ما تريد ؟ " قال بلغني أنك تريد أن تبعث إلى قومي ، وأنا أريد أن توادعهم ، فإن أسلم قومك ، أسلموا ودخلوا في الإسلام ، وإن لم يسلموا ، لم تخشن قلوب قومك عليهم ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد خالد بن الوليد فقال " اذهب معه ، فافعل ما يريد " فصالحهم خالد على ألا يعينوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أسلمت قريش ، أسملوا معهم ، فأنزل الله { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ } . ورواه ابن مردويه من طريق حماد بن سلمة ، وقال فأنزل الله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَـٰقٌ } فكان من وصل إليهم ، كان معهم على عهدهم ، وهذا أنسب لسياق الكلام ، وفي صحيح البخاري في قصة صلح الحديبية فكان من أحب أن يدخل في صلح قريش وعهدهم ، ومن أحب أن يدخل في صلح محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعهدهم ، وقد روي عن ابن عباس أنه قال نسخها قوله { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } التوبة 5 الآية . وقوله { أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } الآية ، هؤلاء قوم آخرون من المستثنين من الأمر بقتالهم ، وهم الذين يجيئون إلى المصاف ، وهم حصرة صدروهم ، أي ضيقة صدروهم ، مبغضين أن يقاتلوكم ، ولا يهون عليهم أيضاً أن يقاتلوا قومهم معكم ، بل هم لا لكم ولا عليكم { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَـٰتَلُوكُمْ } أي من لطفه بكم أن كفهم عنكم { فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَـٰتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ } أي المسالمة { فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } أي فليس لكم أن تقاتلوهم ما دامت حالهم كذلك ، وهؤلاء كالجماعة الذين خرجوا يوم بدر من بني هاشم مع المشركين ، فحضروا القتال ، وهم كارهون كالعباس ونحوه ، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ عن قتل العباس ، وأمر بأسره ، وقوله { سَتَجِدُونَ ءَاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ } الآية ، هؤلاء في الصورة الظاهرة كمن تقدمهم ، ولكن نية هؤلاء غير نية أولئك ، فإن هؤلاء قوم منافقون ، يظهرون للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه الإسلام ليأمنوا بذلك عندهم على دمائهم وأموالهمم وذراريهم ، ويصانعون الكفار في الباطن ، فيعبدون معهم ما يعبدون ليأمنوا بذلك عندهم ، وهم في الباطن مع أولئك ، كما قال تعالى { وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَـٰطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ } البقرة 14 الآية ، وقال ههنا { كُلَّ مَا رُدُّوۤاْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا } أي انهمكوا فيها ، وقال السدي الفتنة ههنا الشرك ، وحكى ابن جرير عن مجاهد أنها نزلت في قوم من أهل مكة كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون رياء ، ثم يرجعون إلى قريش ، فيرتكسون في الأوثان ، يبتغون بذلك أن يأمنوا ههنا وههنا ، فأمر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا ، ولهذا قال تعالى { فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوۤاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ } المهادنة والصلح ، { وَيَكُفُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ } أي عن القتال ، { فَخُذُوهُمْ } أسراء ، { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } أي أين لقيتموهم ، { وَأُوْلَـٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰناً مُّبِيناً } أي بيناً واضحاً .