Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 97-100)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال البخاري حدثنا عبد الله بن يزيد المقرىء ، حدثنا حيوة وغيره ، قالا حدثنا محمد بن عبد الرحمن أبو الأسود ، قال قطع على أهل المدينة بعث ، فاكتتبت فيه ، فلقيت عكرمة مولى ابن عباس ، فأخبرته ، فنهاني عن ذلك أشد النهي ، ثم قال أخبرني ابن عباس أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سوادهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي السهم فيرمى به ، فيصيب أحدهم ، فيقتله ، أو يضرب عنقه فيقتل ، فأنزل الله { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ ظَـٰلِمِىۤ أَنفُسِهِمْ } ، رواه الليث عن أبي الأسود . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا أبو أحمد ، يعني الزبيري ، حدثنا محمد بن شريك المكي ، حدثنا عمرو بن دينار عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال كان قوم من أهل مكة أسلموا ، وكانوا يستخفون بالإسلام ، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم ، فأصيب بعضهم بفعل بعض . قال المسلمون كان أصحابنا هؤلاء مسلمين ، وأكرهوا ، فاستغفروا لهم ، فنزلت { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ ظَـٰلِمِىۤ أَنفُسِهِمْ } الآية . قال عكرمة فكتب إلى من بقي من المسلمين بهذه الآية لا عذر لهم . قال فخرجوا ، فلحقهم المشركون ، فأعطوهم التقية ، فنزلت هذه الآية { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ } العنكبوت 10 الآية . قال عكرمة نزلت هذه الآية في شباب من قريش كانوا تكلموا بالإسلام بمكة ، منهم علي بن أمية بن خلف ، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو العاص بن منبِّه بن الحجاج ، والحارث بن زمعة . قال الضحاك نزلت في ناس من المنافقين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، وخرجوا مع المشركين يوم بدر ، فأصيبوا فيمن أصيب ، فنزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين ، وهو قادر على الهجرة ، وليس متمكناً من إقامة الدين ، فهو ظالم لنفسه ، مرتكب حراماً بالإجماع ، وبنص هذه الآية ، حيث يقول تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ ظَـٰلِمِىۤ أَنفُسِهِمْ } أي بترك الهجرة { قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ } أي لم مكثتم ها هنا وتركتم الهجرة ؟ { قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى ٱلأَرْضِ } أي لا نقدر على الخروج من البلد ، ولا الذهاب في الأرض { قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةً } الآية ، وقال أبو داود حدثنا محمد بن داود بن سفيان ، حدثني يحيى بن حسان ، أخبرنا سليمان بن موسى أبو داود ، حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب ، حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة ، عن سمرة بن جندب أما بعد ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله " ، وقال السدي لما أسر العباس وعقيل ونوفل ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس " افد نفسك وابن أخيك " فقال يا رسول الله ، ألم نصل إلى قبلتك ، ونشهد شهادتك ، قال " يا عباس ، إنكم خاصمتم فخصمتم " ، ثم تلا عليه هذه الآية { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةً } الآية ، رواه ابن أبي حاتم . وقوله { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ } إلى آخر الآية ، هذه عذر من الله لهؤلاء في ترك الهجرة ، وذلك أنهم لا يقدرون على التخلص من أيدي المشركين ، ولو قدروا ما عرفوا يسلكون الطريق ، ولهذا قال { لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } ، قال مجاهد وعكرمة والسدي يعني طريقاً . وقوله تعالى { فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ } أي يتجاوز الله عنهم بترك الهجرة ، عسى من الله موجبة ، { وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً } ، قال البخاري حدثنا أبو نعيم ، حدثنا شيبان عن يحيى ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء إذ قال " سمع الله لمن حمده " ثم قال قبل أن يسجد " اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة ، اللهم أنج سلمة بن هشام ، اللهم أنج الوليد بن الوليد ، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف " . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا أبو معمر المقري ، حدثني عبد الوارث ، حدثنا علي بن زيد عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يده بعد ما سلم ، وهو مستقبل القبلة ، فقال " اللهم خلص الوليد بن الوليد ، وعياش بن أبي ربيعة ، وسلمة بن هشام ، وضعفة المسلمين الذين لا يستطيعون حيلة ، ولا يهتدون سبيلاً من أيدي الكفار " وقال ابن جرير حدثنا المثنى ، حدثنا حجاج ، حدثنا حماد عن علي بن زيد ، عن عبد الله أو إبراهيم بن عبد الله القرشي ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في دبر صلاة الظهر " اللهم خلص الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، وضعفة المسلمين من أيدي المشركين ، الذين لا يستطيعون حيلة ، ولا يهتدون سبيلاً " ، ولهذا الحديث شاهد في الصحيح من غير هذا الوجه كما تقدم . وقال عبد الرزاق أنبأنا ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد ، قال سمعت ابن عباس يقول كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان . وقال البخاري أنبأنا أبو النعمان ، حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي مليكة ، عن ابن عباس { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ } قال كنت أنا وأمي ممن عذر الله عز وجل . وقوله { وَمَن يُهَاجِرْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً } ، هذا تحريض على الهجرة ، وترغيب في مفارقة المشركين ، وأن المؤمن حيثما ذهب وجد عنهم مندوحة وملجأ يتحصن فيه ، والمراغم مصدر ، تقول العرب راغم فلان قومه مراغماً ومراغمة ، قال النابغة بن جعدة @ كطَوْدٍ يُلاذُ بِأركانِهِ عزيزِ المُراغَمِ والمَهْرَبِ @@ وقال ابن عباس المراغم التحول من أرض إلى أرض . وكذا روي عن الضحاك والربيع بن أنس والثوري . وقال مجاهد { مُرَاغَماً كَثِيراً } يعني متزحزحاً عما يكره . وقال سفيان بن عيينة مراغماً كثيراً ، يعني بروجاً ، والظاهر والله أعلم أنه التمنع الذي يُتحصَّن به ، ويراغم به الأعداء . قوله { وَسَعَةً } يعني الرزق ، قاله غير واحد ، منهم قتادة حيث قال في قوله { يَجِدْ فِى ٱلأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً } أي من الضلالة إلى الهدى ، ومن القلة إلى الغنى ، وقوله { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَـٰجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ } أي ومن يخرج من منزله بنية الهجرة ، فمات في أثناء الطريق ، فقد حصل له عند الله ثواب من هاجر ، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من الصحاح والمسانيد والسنن من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن علقمة بن وقاص الليثي ، عن عمر بن الخطاب ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرىء ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ، أو امرأة يتزوجها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه " وهذا عام في الهجرة ، وفي جميع الأعمال . ومنه الحديث الثابت في الصحيحين في الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً ، ثم أكمل بذلك العابد المائة ، ثم سأل عالماً هل له من توبة ؟ فقال له ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ ثم أرشده إلى أن يتحول من بلده إلى بلد آخر يعبد الله فيه . فلما ارتحل من بلده مهاجراً إلى البلد الآخر ، أدركه الموت في أثناء الطريق ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، فقال هؤلاء إنه جاء تائباً ، وقال هؤلاء إنه لم يصل بعد ، فأمروا أن يقيسوا ما بين الأرضين ، فإلى أيهما كان أقرب ، فهو منها ، فأمر الله هذه أن تقترب من هذه ، وهذه أن تبعد ، فوجدوه أقرب إلى الأرض التي هاجر إليها بشبر ، فقبضته ملائكة الرحمة . وفي رواية أنه لما جاءه الموت ، ناء بصدره إلى الأرض التي هاجر إليها . قال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم ، عن محمد بن عبد الله بن عتيك ، عن أبيه عبد الله بن عتيك ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول " من خرج من بيته مجاهداً في سبيل الله " ثم قال بأصابعه هؤلاء الثلاث الوسطى والسبابة والإبهام ، فجمعهن وقال " وأين المجاهدون في سبيل الله ؟ فخر عن دابته فمات ، فقد وقع أجره على الله ، أو لدغته دابة فمات ، فقد وقع أجره على الله ، أو مات حتف أنفه ، فقد وقع أجره على الله " يعني بحتف أنفه على فراشه ، والله إنها لكلمة ما سمعتها من أحد من العرب قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم " ومن قتل قعصاً ، فقد استوجب الجنة " وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة الخزامي ، حدثني عبد الرحمن بن المغيرة الخزامي ، عن المنذر بن عبدالله عن هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير بن العوام قال هاجر خالد بن حزام إلى أرض الحبشة ، فنهشته حية في الطريق فمات فنزلت فيه { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَـٰجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } ، قال الزبير فكنت أتوقعه ، وأنتظر قدومه وأنا بأرض الحبشة ، فما أحزنني شيء حزن وفاته حين بلغتني لأنه قل أحد ممن هاجر من قريش إلا ومعه بعض أهله ، أو ذوي رحمه ، ولم يكن معي أحد من بني أسد بن عبد العزى ، ولا أرجو غيره ، وهذا الأثر غريب جداً ، فإن هذه القصة مكية ، ونزول هذه الآية مدني ، فلعله أراد أنها أنزلت تعم حكمه مع غيره ، وإن لم يكن ذلك سبب النزول ، والله أعلم . وقال ابن أبي حاتم حدثنا سليمان بن داود مولى عبد الله بن جعفر ، حدثنا سهل بن عثمان ، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان ، حدثنا أشعث ، هو ابن سوار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، قال خرج ضمرة بن جندب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمات في الطريق قبل أن يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَـٰجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } الآية ، وحدثنا أبي ، حدثنا عبدالله بن رجاء ، أنبأنا إسرائيل عن سالم ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي ضمرة بن العيص الزرقي الذي كان مصاب البصر ، وكان بمكة ، فلما نزلت { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَٰنِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً } فقلت إني لغني ، وإني لذو حيلة ، فتجهز يريد النبي صلى الله عليه وسلم فأدركه الموت بالتنعيم ، فنزلت هذه الآية { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَـٰجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ } الآية . وقال الطبراني حدثنا الحسن بن عروبة البصري ، حدثنا حيوة بن شريح الحمصي ، حدثنا بقية بن الوليد ، حدثنا ابن ثوبان عن أبيه ، حدثنا مكحول عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري ، أنبأنا أبو مالك ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله قال من انتدب خارجاً في سبيلي ، غازياً ابتغاء وجهي ، وتصديق وعدي ، وإيماناً برسلي ، فهو في ضمان على الله ، إما أن يتوفاه بالجيش فيدخله الجنة ، وإما أن يرجع في ضمان الله ، وإن طالب عبداً ، فنغصه حتى يرده إلى أهله مع ما نال من أجر ، أو غنيمة ، ونال من فضل الله فمات ، أو قتل ، أو رفصته فرسه ، أو بعيره ، أو لدغته هامة ، أو مات على فراشه بأي حتف شاء الله ، فهو شهيد " وروى أبو داود من حديث بقية " من فضل الله إلى آخره " وزاد بعد قوله فهو شهيد " وإن له الجنة " وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا إبراهيم بن زياد سبَلان ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا محمد بن إسحاق عن حميد بن أبي حميد ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي هريرة ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من خرج حاجاً فمات ، كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة ، ومن خرج معتمراً فمات ، كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة ، ومن خرج غازياً في سبيل الله فمات ، كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة " وهذا حديث غريب من هذا الوجه .