Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 101-101)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى ٱلأَرْضِ } أي سافرتم في البلاد ، كما قال تعالى { عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } المزمل 20 الآية . وقوله { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلوٰةِ } أي تخففوا فيها ، إما من كميتها بأن تجعل الرباعية ثنائية كما فهمه الجمهور من هذه الآية ، واستدلوا بها على قصر الصلاة في السفر على اختلافهم في ذلك ، فمن قائل لا بد أن يكون سفر طاعة من جهاد ، أو حج ، أو عمرة ، أو طلب علم ، أو زيارة ، وغير ذلك ، كما هو مروي عن ابن عمر وعطاء ، ويحكى عن مالك في رواية عنه نحوه لظاهر قوله { إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } ، ومن قائل لا يشترط سفر القربة ، بل لا بد أن يكون مباحاً ، لقوله { فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ } المائدة 3 الآية ، كما أباح له تناول الميتة مع الاضطرار ، بشرط أن لا يكون عاصياً بسفره ، وهذا قول الشافعي وأحمد وغيرهما من الأئمة ، وقد قال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال جاء رجل فقال يا رسول الله ، إني رجل تاجر أختلف إلى البحرين ، فأمره أن يصلي ركعتين ، وهذا مرسل ، ومن قائل يكفي مطلق السفر ، سواء كان مباحاً أو محظوراً ، حتى لو خرج لقطع الطريق وإخافة السبيل ، ترخص لوجود مطلق السفر ، وهذا قول أبي حنيفة والثوري وداود لعموم الآية ، وخالفهم الجمهور . وأما قوله تعالى { إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } فقد يكون هذا خرج مخرج الغالب حال نزول هذه الآية ، فإن في مبدأ الإسلام بعد الهجرة كان غالب أسفارهم مخوفة ، بل ما كانوا ينهضون إلا إلى غزو عام ، أو في سرية خاصة . وسائر الأحيان حرب للإسلام وأهله ، والمنطوق إذا خرج مخرج الغالب ، أو على حادثة ، فلا مفهوم له ، كقوله تعالى { وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَـٰتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } النور 33 ، وكقوله تعالى { وَرَبَائِبُكُمُ ٱللَّـٰتِى فِى حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ } النساء 23 الآية ، وقال الإمام أحمد حدثنا ابن إدريس ، حدثنا ابن جريج عن ابن أبي عمار ، عن عبد الله بن رابية ، عن يعلى بن أمية ، قالت سألت عمر بن الخطاب قلت له قوله { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلوٰةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } وقد أمن الناس ؟ فقال لي عمر رضي الله عنه عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال " صدقة تصدق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته " وهكذا رواه مسلم وأهل السنن من حديث ابن جريج عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار ، به . وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح . وقال علي بن المديني هذا حديث حسن صحيح من حديث عمر ، ولا يحفظ إلا من هذا الوجه ، ورجاله معروفون . وقال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو نعيم ، حدثنا مالك بن مغول عن أبي حنظلة الحذاء ، قال سألت ابن عمر عن صلاة السفر ، فقال ركعتان ، فقلت أين قوله { إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } ونحن آمنون ؟ فقال سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال ابن مردويه حدثنا عبد الله بن محمد بن عيسى ، حدثنا علي بن محمد بن سعيد ، حدثنا منجاب ، حدثنا شريك عن قيس بن وهب ، عن أبي الوداك ، قال سألت ابن عمر عن ركعتين في السفر ، فقال هي رخصة نزلت من السماء ، فإن شئتم فردوها . وقال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا ابن عون عن ابن سيرين ، عن ابن عباس ، قال صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة ، ونحن آمنون لا نخاف بينهما ، ركعتين ركعتين . وهكذا رواه النسائي عن محمد ابن عبد الأعلى ، عن خالد الحذاء ، عن عبد الله بن عون به . قال أبو عمر بن عبد البر وهكذا رواه أيوب وهشام ويزيد بن إبراهيم التستري عن محمد بن سيرين ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله . قلت وهكذا رواه الترمذي والنسائي جميعاً عن قتيبة ، عن هشيم ، عن منصور ، عن زاذان ، عن محمد بن سيرين ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا رب العالمين ، فصلى ركعتين ، ثم قال الترمذي صحيح . وقال البخاري حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا يحيى بن أبي إسحاق ، قال سمعت أنساً يقول خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة ، فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة ، قلت أقمتم بمكة شيئاً ؟ قال أقمنا بها عشراً . وهكذا أخرجه بقية الجماعة من طرق عن يحيى ابن أبي إسحاق الحضرمي به . وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان عن أبي إسحاق ، عن حارثة ابن وهب الخزاعي ، قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر بمنى أكثر ما كان الناس ، وآمنه ، ركعيتن . ورواه الجماعة سوى ابن ماجه من طرق عن أبي إسحاق السبيعي عنه به ، ولفظ البخاري حدثنا أبو الوليد ، حدثنا شعبة ، أنبأنا أبو إسحاق ، سمعت حارثة بن وهب ، قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن ما كان بمنى ركعتين ، وقال البخاري حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، حدثنا عبيد الله ، أخبرني نافع عن عبد الله بن عمر ، قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ، وأبي بكر وعمر وعثمان صدراً من إمارته ، ثم أتمها ، وكذا رواه مسلم من حديث يحيى ابن سعيد القطان به . وقال البخاري حدثنا قتيبة ، حدثنا عبد الواحد عن الأعمش ، حدثنا إبراهيم ، سمعت عبد الرحمن بن يزيد يقول صلى بنا عثمان بن عفان رضي الله عنه بمنى أربع ركعات ، فقيل في ذلك لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، فاسترجع ، ثم قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين ، وصليت مع أبي بكر بمنى ركعتين ، وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين ، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان . ورواه البخاري أيضاً من حديث الثوري عن الأعمش به ، وأخرجه مسلم من طرق عنه ، منها عن قتيبة كما تقدم . فهذه الأحاديث دالة صريحاً على أن القصر ليس من شرطه وجود الخوف ، ولهذا قال من قال من العلماء إن المراد من القصر ههنا إنما هو قصر الكيفية لا الكمية ، وهو قول مجاهد والضحاك والسدي كما سيأتي بيانه ، واعتضدوا أيضاً بما رواه الإمام مالك عن صالح بن كيسان ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، في السفر والحضر ، فأقرت صلاة السفر ، وزيدت في صلاة الحضر ، وقد روى هذا الحديث البخاري عن عبد الله بن يوسف التنيسي ، ومسلم عن يحيى بن يحيى ، وأبو داود عن القعنبي ، والنسائي عن قتيبة ، أربعتهم عن مالك به ، قالوا فإذا كان أصل الصلاة في السفر هي الثنتين ، فكيف يكون المراد بالقصر ههنا قصر الكمية ، لأن ما هو الأصل لا يقال فيه { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلوٰةِ } وأصرح من ذلك دلالة على هذا ما رواه الإمام أحمد حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان وعبد الرحمن حدثنا سفيان عن زبيد اليامي ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عمر رضي الله عنه ، قال صلاة السفر ركعتان ، وصلاة الأضحى ركعتان ، وصلاة الفطر ركعتان ، وصلاة الجمعة ركعتان ، تمام غير قصر ، على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وهكذا رواه النسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه من طرق عن زبيد اليامي به ، وهذا إسناد على شرط مسلم . وقد حكم مسلم في مقدمة كتابه بسماع ابن أبي ليلى عن عمر ، وقد جاء مصرحاً به في هذا الحديث وفي غيره ، وهو الصواب إن شاء الله ، وإن كان يحيى بن معين وأبو حاتم والنسائي قد قالوا إنه لم يسمع منه ، وعلى هذا أيضاً فقد وقع في بعض طرق أبي يعلى الموصلي من طريق الثوري عن زبيد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن الثقة ، عن عمر ، فذكره ، وعند ابن ماجه من طريق يزيد بن أبي زياد بن أبي الجعد عن زبيد ، عن عبد الرحمن ، عن كعب بن عجرة ، عن عمر ، فالله أعلم . وقد روى مسلم في صحيحه وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ، زاد مسلم والنسائي وأيوب ابن عائد ، كلاهما عن بكير بن الأخنس ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عباس ، قال فرض الله الصلاة على لسان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعاً ، وفي السفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة ، فكما يصلى في الحضر قبلها وبعدها ، فكذلك يصلى في السفر . ورواه ابن ماجه من حديث أسامة بن زيد عن طاوس نفسه ، فهذا ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ولا ينافي ما تقدم عن عائشة رضي الله عنها لأنها أخبرت أن أصل الصلاة ركعتان ، ولكن زيد في صلاة الحضر ، فلما استقر ذلك ، صح أن يقال إن فرض صلاة الحضر أربع ، كما قاله ابن عباس والله أعلم لكن اتفق حديث ابن عباس وعائشة على أن صلاة السفر ركعتان ، وأنها تامة غير مقصورة ، كما هو مصرح به في حديث عمر رضي الله عنه ، وإذا كان كذلك ، فيكون المراد بقوله تعالى { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلوٰةِ } قصر الكيفية كما في صلاة الخوف ، ولهذا قال { إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } الآية ، ولهذا قال بعدها { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ } الآية ، فبين المقصود من القصر ههنا ، وذكر صفته وكيفيته ، ولهذا لما عقد البخاري كتاب صلاة الخوف ، صدره بقوله تعالى { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلوٰةِ } إلى قوله { إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } ، وهكذا قال جويبر عن الضحاك في قوله { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلوٰةِ } قال ذاك عند القتال ، يصلي الرجل الراكب تكبيرتين حيث كان وجهه . وقال أسباط عن السدي في قوله { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلوٰةِ إِنْ خِفْتُمْ } الآية إن الصلاة إذا صليت ركعتين في السفر ، فهي تمام ، التقصير لا يحل إلا أن يخاف من الذين كفروا أن يفتنوه عن الصلاة ، فالتقصير ركعة . وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلوٰةِ } يوم كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعسفان ، والمشركون بضجنان ، فتوافقوا ، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الظهر أربع ركعات بركوعهم ، وسجودهم ، وقيامهم معاً جميعاً ، فهم بهم المشركون أن يغيروا على أمتعتهم وأثقالهم ، روى ذلك ابن أبي حاتم ، ورواه ابن جرير عن مجاهد والسدي ، وعن جابر وابن عمر ، واختار ذلك أيضاً فإنه قال بعدما حكاه من الأقوال في ذلك وهو الصواب . وقال ابن جرير حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا ابن أبي فديك ، حدثنا ابن أبي ذئب عن ابن شهاب ، عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد أنه قال لعبد الله بن عمر إنا نجد في كتاب الله قصر صلاة الخوف ، ولا نجد قصر صلاة المسافر ، فقال عبد الله إنا وجدنا نبينا صلى الله عليه وسلم يعمل عملاً عملنا به ، فقد سمى صلاة الخوف مقصورة ، وحمل الآية عليها ، لا على قصر صلاة المسافر ، وأقره ابن عمر على ذلك ، واحتج على قصر الصلاة في السفر بفعل الشارع ، لا بنص القرآن ، وأصرح من هذا ما رواه ابن جرير أيضاً حدثنا أحمد بن الوليد القرشي ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن سماك الحنفي قال سألت ابن عمر عن صلاة السفر ، فقال ركعتان ، تمام غير قصر ، إنما القصر في صلاة المخافة ، فقلت وما صلاة المخافة ؟ فقال يصلي الإمام بطائفة ركعة ، ثم يجيء هؤلاء إلى مكان هؤلاء ، ويجيء هؤلاء إلى مكان هؤلاء ، فيصلي بهم ركعة ، فيكون للإمام ركعتان ، ولكل طائفة ركعة ركعة .