Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 51-56)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قد أورد أبو جعفر بن جرير رحمه الله تعالى عند قوله تعالى { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } سؤالاً ، فقال قد علم أن بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قتله قومه بالكلية ، كيحيى وزكريا وشعياء ، ومنهم من خرج من بين أظهرهم ، إما مهاجراً كإبراهيم ، وإما إلى السماء كعيسى ، فأين النصرة في الدنيا ؟ ثم أجاب عن ذلك بجوابين أحدهما أن يكون الخبر خرج عاماً ، والمراد به البعض ، قال وهذا سائغ في اللغة . الثاني أن يكون المراد بالنصر والانتصار لهم ممن آذاهم ، وسواء كان ذلك بحضرتهم أو في غيبهم ، أو بعد موتهم ، كما فعل بقتلة يحيى وزكريا وشعياء ، سلط عليهم من أعدائهم من أهانهم ، وسفك دماءهم ، وقد ذكر أن النمروذ أخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر ، وأما الذين راموا صلب المسيح عليه السلام من اليهود ، فسلط الله تعالى عليهم الروم ، فأهانوهم وأذلوهم وأظهرهم الله تعالى عليهم ، ثم قبل يوم القيامة سينزل عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام إماماً عادلاً ، وحكماً مقسطاً ، فيقتل المسيح الدجال وجنوده من اليهود ، ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ، ويضع الجزية ، فلا يقبل إلا الإسلام ، وهذه نصرة عظمية ، وهذه سنة الله تعالى في خلقه في قديم الدهر ، وحديثه أنه ينصر عباده المؤمنين في الدنيا ، ويقر أعينهم ممن آذاهم . ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " يقول الله تبارك وتعالى من عادى لي ولياً ، فقد بارزني بالحرب " وفي الحديث الآخر " إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث بالحرب " ولهذا أهلك الله عز وجل قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرس وقوم لوط وأهل مدين وأشباههم وأضرابهم ممن كذب الرسل وخالف الحق . وأنجى الله تعالى من بينهم المؤمنين ، فلم يهلك منهم أحداً ، وعذب الكافرين ، فلم يفلت منهم أحداً ، قال السدي لم يبعث الله عز وجل رسولاً قط إلى قوم فيقتلونه ، أو قوماً من المؤمنين يدعون إلى الحق فيقتلون ، فيذهب ذلك القرن ، حتى يبعث الله تبارك وتعالى لهم من ينصرهم ، فيطلب بدمائهم ممن فعل ذلك بهم في الدنيا . قال فكانت الأنبياء والمؤمنون يقتلون في الدنيا ، وهم منصورون فيها . وهكذا نصر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه على من خالفه وناوأه وكذبه وعاداه ، فجعل كلمته هي العليا ، ودينه هو الظاهر على سائر الأديان ، وأمره بالهجرة من بين ظهراني قومه إلى المدينة النبوية ، وجعل له فيها أنصاراً وأعواناً ، ثم منحه أكتاف المشركين يوم بدر ، فنصره عليهم ، وخذلهم ، وقتل صناديدهم ، وأسر سراتهم ، فاستاقهم مقرنين في الأصفاد ، ثم منَّ عليهم بأخذه الفداء منهم ، ثم بعد مدة قريبة فتح عليه مكة ، فقرت عينه ببلده ، وهو البلد المحرم الحرام المشرف المعظم ، فأنقذه الله تعالى به مما كان فيه من الكفر والشرك ، وفتح له اليمن ، ودانت له جزيرة العرب بكاملها ، ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، ثم قبضه الله تعالى إليه لما له عنده من الكرامة العظيمة ، فأقام الله تبارك وتعالى أصحابه خلفاء بعده ، فبلغوا عنه دين الله عز وجل ، ودعوا عباد الله تعالى إلى الله جل وعلا ، وفتحوا البلاد والرساتيق والأقاليم والمدائن والقرى والقلوب ، حتى انتشرت الدعوة المحمدية في مشارق الأرض ومغاربها . ثم لا يزال هذا الدين قائماً منصوراً ظاهراً إلى قيام الساعة ، ولهذا قال تعالى { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَـٰدُ } أي يوم القيامة تكون النصرة أعظم وأكبر وأجل ، قال مجاهد الأشهاد الملائكة . وقوله تعالى { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّـٰلِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ } بدل من قوله { وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَـٰدُ } وقرأ آخرون { يومُ } بالرفع كأنه فسره به { وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَـٰدُ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّـٰلِمِينَ } وهم المشركون { مَعْذِرَتُهُمْ } أي لا يقبل منهم عذر ولا فدية { وَلَهُمُ ٱلْلَّعْنَةُ } أي الإبعاد والطرد من الرحمة ، { وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } وهي النار ، قاله السدي بئس المنزل والمقيل ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما { وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } أي سوء العاقبة . وقوله تعالى { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْهُدَىٰ } وهو ما بعثه الله عز وجل به من الهدى والنور ، { وَأَوْرَثْنَا بَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ ٱلْكِتَـٰبَ } أي جعلنا لهم العاقبة ، وأورثناهم بلاد فرعون وأمواله وحواصله وأرضه بما صبروا على طاعة الله تبارك وتعالى ، واتباع رسوله موسى عليه الصلاة والسلام ، وفي الكتاب الذي أورثوه ، وهو التوارة ، { هُدًى وَذِكْرَىٰ لأُوْلِى ٱلأَلْبَـٰبِ } وهي العقول الصحيحة السليمة . وقوله عز وجل { فَٱصْبِرْ } أي يا محمد { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } أي وعدناك أنا سنعلي كلمتك ، ونجعل العاقبة لك ولمن اتبعك ، والله لا يخلف الميعاد ، وهذا الذي أخبرناك به حق لا مرية فيه ولا شك ، وقوله تبارك وتعالى { وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ } هذا تهييج للأمة على الاستغفار { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِىِّ } أي في أواخر النهار وأوائل الليل { وَٱلإِبْكَـٰرِ } وهي أوائل النهار وأواخر الليل . وقوله تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِىۤ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَـٰنٍ أَتَـٰهُمْ } أي يدفعون الحق بالباطل ، ويردون الحجج الصحيحة بالشبه الفاسدة بلا برهان ولا حجة من الله { إِن فِى صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَـٰلِغِيهِ } أي ما في صدورهم إلا كبر على اتباع الحق ، واحتقار لمن جاءهم به ، وليس ما يرومونه من إخماد الحق وإعلاء الباطل بحاصل لهم ، بل الحق هو المرفوع ، وقولهم وقصدهم هو الموضوع ، { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } أي من حال مثل هؤلاء ، { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ } أو من شر مثل هؤلاء المجادلين في آيات الله بغير سلطان ، هذا تفسير ابن جرير . وقال كعب وأبو العالية نزلت هذه الآية في اليهود { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِىۤ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَـٰنٍ أَتَـٰهُمْ إِن فِى صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَـٰلِغِيهِ } قال أبو العالية وذلك أنهم ادعوا أن الدجال منهم ، وأنهم يملكون به الأرض ، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم آمراً له أن يستعيذ من فتنة الدجال ، ولهذا قال عز وجل { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } وهذا قول غريب ، وفيه تعسف بعيد ، وإن كان قد رواه ابن أبي حاتم في كتابه ، والله سبحانه وتعالى أعلم .