Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 1-5)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى { حـمۤ تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } يعني القرآن منزل من الرحمن الرحيم كقوله { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ } النحل 102 وقوله { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ } الشعراء 192 ــــ 194 . وقوله تبارك وتعالى { كِتَـٰبٌ فُصِّلَتْ ءَايَـٰتُهُ } أي بينت معانيه ، وأحكمت أحكامه { قُرْآنًا عَرَبِيًّا } أي في حال كونه قرآناً عربياً بيناً واضحاً ، فمعانيه مفصلة ، وألفاظه واضحة غير مشكلة كقوله تعالى { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَـٰتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } هود 1 أي هو معجز من حيث لفظه ومعناه { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } فصلت 42 . وقوله تعالى { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي إنما يعرف هذا البيان والوضوح العلماء الراسخون { بَشِيرًا وَنَذِيرًا } أي تارة يبشر المؤمنين ، وتارة ينذر الكافرين ، { فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } أي أكثر قريش ، فهم لا يفهمون منه شيئاً مع بيانه ووضوحه ، { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِىۤ أَكِنَّةٍ } أي في غلف مغطاة { مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِى ءَاذانِنَا وَقْرٌ } أي صمم عما جئتنا به ، { وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } فلا يصل إلينا شيء مما تقوله ، { فَٱعْمَلْ إِنَّنَا عَـٰمِلُونَ } أي اعمل أنت على طريقتك ، ونحن على طريقتنا لا نتابعك ، قال الإمام العالم عبد بن حميد في مسنده حدثني ابن أبي شيبة ، حدثنا علي بن مسهر عن الأجلح عن الزيال بن حرملة الأسدي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال اجتمعت قريش يوماً ، فقالوا انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر ، فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وعاب ديننا ، فليكلمه ، ولننظر ماذا يرد عليه ، فقالوا ما نعلم أحداً غير عتبة بن ربيعة ، فقالوا أنت يا أبا الوليد فأتاه عتبة ، فقال يا محمد أنت خير أم عبد الله ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنت خير أم عبد المطلب ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك ، فقد عبدوا الآلهة التي عِبْتَ ، وإن كنت تزعم أنك خير منهم ، فتكلم حتى نسمع قولك ، إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومك منك فرقت جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وعبت ديننا ، وفضحتنا في العرب ، حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحراً ، وأن في قريش كاهناً ، والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى ، أيها الرجل إن كان إنما بك الحاجة ، جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً واحداً ، وإن كان بك الباءة ، فاختر أي نساء قريش شئت ، فلنزوجك عشراً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فرغت ؟ " قال نعم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بسم الله الرحمن الرحيم { حـمۤ تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } ــــ حتى بلغ ــــ { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَـٰعِقَةً مِّثْلَ صَـٰعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } " فقال عتبة حسبك حسبك ، ما عندك غير هذا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا " فرجع إلى قريش ، فقالوا ما وراءك ؟ قال ما تركت شيئاً أرى أنكم تكلمونه به إلا كلمته ، قالوا فهل أجابك ؟ قال نعم قال لا والذي نصبها بنية ما فهمت شيئاً مما قاله ، غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ، قالوا ويلك يكلمك الرجل بالعربية ، لا تدري ما قال ؟ قال لا والله ما فهمت شيئاً مما قال غير ذكر الصاعقة . وهكذا رواه الحافظ أيو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي بكر بن أبي شيبة بإسناده مثله سواء ، وقد ساقه البغوي في تفسيره بسنده عن محمد بن فضيل عن الأجلح ، وهو ابن عبد الله الكندي الكوفي ، وقد ضعف بعض الشيء ، عن الزيال بن حرملة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، فذكر الحديث إلى قوله { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَـٰعِقَةً مِّثْلَ صَـٰعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } فأمسك عتبة على فيه ، وناشده بالرحم ، ورجع إلى أهله ، ولم يخرج إلى قريش ، واحتبس عنهم ، فقال أبو جهل يا معشر قريش والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد ، وأعجبه طعامه ، وما ذاك إلا من حاجة أصابته ، فانطلقوا بنا إليه ، فانطلقوا إليه ، فقال أبو جهل يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك صبأت إلى محمد ، وأعجبك طعامه ، فإن كانت بك حاجة ، جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد ، فغضب عتبة ، وأقسم أن لا يكلم محمداً أبداً ، وقال والله لقد علمتم أني من أكثر قريش مالاً ، ولكني أتيته وقصصت عليه القصة ، فأجابني بشيء والله ما هو بشعر ، ولا كهانة ، ولا سحر ، وقرأ السورة إلى قوله تعالى { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَـٰعِقَةً مِّثْلَ صَـٰعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } فأمسكت بفيه ، وناشدته بالرحم أن يكف ، وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً ، لم يكذب ، فخشيت أن ينزل بكم العذاب ، وهذا السياق أشبه من سياق البزار وأبي يعلى ، والله تعالى أعلم ، وقد أورد هذه القصة الإمام محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب السيرة على خلاف هذا النمط ، فقال حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال حدثت أن عتبة بن ربيعة ، وكان سيداً ، قال يوماً وهو جالس في نادي قريش ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد ، فأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله أن يقبل بعضها ، فنعطيه أيها شاء ، ويكف عنا ؟ وذلك حين أسلم حمزة رضي الله عنه ، ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون ، فقالوا بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه ، فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يابن أخي إنك منا حيث علمت من السِّطَة في العشيرة ، والمكان في النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم ، فرقت به جماعتهم ، وسفهت به أحلامهم ، وعبت به آلهتهم ودينهم ، وكفرت به من مضى من آبائهم ، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضاً . قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قل يا أبا الوليد أسمع " قال يابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً ، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً ، وإن كنت تريد به شرفاً ، سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك ، وإن كنت تريد به ملكاً ، ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه ، لا تستطيع رده عن نفسك ، طلبنا لك الأطباء ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه ، أو كما قال له ، حتى إذا فرغ عتبة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه ، قال " أفرغت يا أبا الوليد ؟ " قال نعم . قال " فاستمع مني " قال أفعل . قال " بسم الله الرحمن الرحيم { حـمۤ تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ كِتَـٰبٌ فُصِّلَتْ ءَايَـٰتُهُ قُرْءَاناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } " ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، وهو يقرؤها عليه . فلما سمع عتبة ، أنصت لها ، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يستمع منه ، حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها ، فسجد ثم قال " قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت ، فأنت وذاك " فقام عتبة إلى أصحابه ، فقال بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به ، فلما جلس إليهم ، قالوا ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال ورائي أني سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالسحر ، ولا بالشعر ، ولا بالكهانة ، يا معشر قريش أطيعوني ، واجعلوها لي ، خلُّوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه ، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ ، فإن تصبه العرب ، فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب ، فملكه ملككم ، وعزه عزكم ، وكنتم أسعد الناس به . قالوا سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه ، قال هذا رأيي فيه ، فاصنعوا ما بدا لكم . وهذا السياق أشبه من الذي قبله ، والله أعلم .