Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 30-32)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ } أي أخلصوا العمل لله ، وعملوا بطاعة الله تعالى على ما شرع الله لهم . قال الحافظ أبو يعلى الموصلي حدثنا الجراح ، حدثنا سلم بن قتيبة أبو قتيبة الشعيري ، حدثنا سهيل بن أبي حازم ، حدثنا ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ } قد قالها ناس ، ثم كفر أكثرهم ، فمن قالها حتى يموت ، فقد استقام عليها ، وكذا رواه النسائي في تفسيره والبزار وابن جرير عن عمرو بن علي الفلاس عن سلم بن قتيبة به . وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن الفلاس به . ثم قال ابن جرير حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن سعيد بن نمران قال قرأت عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه هذه الآية { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ } قال هم الذين لم يشركوا بالله شيئاً . ثم روى من حديث الأسود بن هلال قال قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ما تقولون في هذه الآية { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ } ؟ قال فقالوا { رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ } من ذنب ، فقال لقد حملتموه على غير المحمل ، قالوا ربنا الله ، ثم استقاموا ، فلم يلتفتوا إلى إله غيره . وكذا قال مجاهد وعكرمة والسدي وغير واحد . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو عبد الله الظهراني ، أخبرنا حفص بن عمر العقديّ عن الحكم بن أبان عن عكرمة قال سئل ابن عباس رضي الله عنهما أي آية في كتاب الله تبارك وتعالى أرخص ؟ قال قوله تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ } على شهادة أن لا إله إلا الله . وقال الزهري تلا عمر رضي الله عنه هذه الآية على المنبر ، ثم قال استقاموا والله لله بطاعته ، ولم يروغوا روغان الثعالب . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما { قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ } على أداء فرائضه ، وكذا قال قتادة ، قال وكان الحسن يقول اللهم أنت ربنا ، فارزقنا الاستقامة ، وقال أبو العالية { ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ } أخلصوا له الدين والعمل . وقال الإمام أحمد حدثنا هشيم ، حدثنا يعلى بن عطاء عن عبد الله بن سفيان الثقفي عن أبيه أن رجلاً قال يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحداً بعدك ، قال صلى الله عليه وسلم " قل آمنت بالله ثم استقم " قلت فما أتقي ؟ فأومأ إلى لسانه . ورواه النسائي من حديث شعبة عن يعلى بن عطاء به . ثم قال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا إبراهيم بن سعد ، حدثني ابن شهاب عن محمد بن عبد الرحمن بن ماعز الغامدي عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال قلت يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به ، قال صلى الله عليه وسلم " قل ربي الله ، ثم استقم " قلت يا رسول الله ما أكثر ما تخاف علي ؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرف لسان نفسه ، ثم قال " هذا " وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه من حديث الزهري به ، وقال الترمذي حسن صحيح . وقد أخرجه مسلم في صحيحه ، والنسائي ، من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن سفيان بن عبد الله الثقفي ، قال قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك ، قال صلى الله عليه وسلم " قل آمنت بالله ، ثم استقم " وذكر تمام الحديث . وقوله تعالى { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } قال مجاهد والسدي وزيد بن أسلم وابنه يعني عند الموت قائلين { أَلاَّ تَخَافُواْ } قال مجاهد وعكرمة وزيد بن أسلم أي مما تقدمون عليه من أمر الآخرة ، { وَلاَ تَحْزَنُوا } على ما خلفتموه من أمر الدنيا من ولد وأهل ومال أو دين ، فإنا نخلفكم فيه ، { وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ } فيبشرونهم بذهاب الشر ، وحصول الخير . وهذا كما جاء في حديث البراء رضي الله عنه قال " إن الملائكة تقول لروح المؤمن اخرجي أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه ، اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان " وقيل إن الملائكة تتنزل عليهم يوم خروجهم من قبورهم . حكاه ابن جرير عن ابن عباس والسدي . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا عبد السلام بن مطهر حدثنا جعفر بن سليمان قال سمعت ثابتاً قرأ سورة حم السجدة حتى بلغ { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } فوقف فقال بلغنا أن العبد المؤمن حين يبعثه الله تعالى من قبره يتلقاه الملكان اللذان كانا معه في الدنيا ، فيقولان لا تخف ولا تحزن { وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ } قال فيؤمن من الله تعالى خوفه ، ويقر عينه ، فما عظيمة يخشى الناس يوم القيامة إلا هي للمؤمن قرة عين لما هداه الله تبارك وتعالى ، ولما كان يعمل في الدنيا . وقال زيد بن أسلم يبشرونه عند موته ، وفي قبره ، وحين يبعث . رواه ابن أبي حاتم . وهذا القول يجمع الأقوال كلها ، وهو حسن جداً ، وهو الواقع . وقوله تبارك وتعالى { نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلأَخِرَةِ } أي تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار نحن كنا أولياءكم أي قرناءكم في الحياة الدنيا نسددكم ونوفقكم ، ونحفظكم بأمر الله ، وكذلك نكون معكم في الآخرة نؤنس منكم الوحشة في القبور ، وعند النفخة في الصور ، ونؤمنكم يوم البعث والنشور ، ونجاوز بكم الصراط المستقيم ، ونوصلكم إلى جنات النعيم ، { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِىۤ أَنفُسُكُمْ } أي في الجنة من جميع ما تختارون مما تشتهيه النفوس ، وتقر به العيون ، { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } أي مهما طلبتم ، وجدتم وحضر بين أيديكم كما اخترتم { نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } أي ضيافة وعطاء وإنعاماً من غفور لذنوبكم ، رحيم بكم رؤوف ، حيث غفر وستر ، ورحم ولطف . وقد ذكر ابن أبي حاتم ههنا حديث سوق الجنة عند قوله تعالى { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِىۤ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } فقال حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين أبي سعيد ، حدثنا الأوزاعي ، حدثني حسان بن عطية عن سعيد بن المسيب أنه لقي أبا هريرة رضي الله عنه فقال أبو هريرة رضي الله عنه أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة ، فقال سعيد أو فيها سوق ؟ فقال نعم ، أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة إذا دخلوا فيها ونزلوا بفضل أعمالهم ، فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا ، فيزورون الله عز وجل ، ويبرز لهم عرشه ، ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة ، ويوضع لهم منابر من نور ، ومنابر من لؤلؤ ، ومنابر من ياقوت ، ومنابر من زبرجد ، ومنابر من ذهب ، ومنابر من فضة ، ويجلس أدناهم ، وما فيهم دنيء ، على كثبان المسك والكافور ، ما يرون أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلساً . قال أبو هريرة رضي الله عنه قلت يا رسول الله وهل نرى ربنا ؟ قال صلى الله عليه وسلم " نعم ، هل تمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر ؟ " قلنا لا ، قال صلى الله عليه وسلم " فكذلك لا تتمارون في رؤية ربكم تعالى ، ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله محاضرة ، حتى إنه ليقول للرجل منهم يا فلان بن فلان أتذكر يوم عملت كذا وكذا ؟ يذكره ببعض غدراته في الدنيا فيقول أي رب أفلم تغفر لي ؟ فيقول بلى ، فبسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه ــــ قال ــــ فبينما هم على ذلك ، غشيتهم سحابة من فوقهم ، فأمطرت عليهم طيباً لم يجدوا مثل ريحه شيئاً قط ــــ قال ــــ ثم يقول ربنا عز وجل قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة ، وخذوا ما اشتهيتم ، قال فنأتي سوقاً قد حفت به الملائكة ، فيها ما لم تنظر العيون إلى مثله ، ولم تسمع الآذان ، ولم يخطر على القلوب ــــ قال ــــ فيحمل لنا ما اشتهينا ، ليس يباع فيه شيء ، ولا يشترى ، وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضاً ــــ قال ــــ فيقبل الرجل ذو المنزلة الرفيعة ، فيلقى من هو دونه ، وما فيهم دنيء ، فيروعه ما يرى عليه من اللباس ، فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه ، وذلك لأنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها ، ثم ننصرف إلى منازلنا ، فيتلقانا أزواجنا ، فيقلن مرحباً وأهلاً بحبيبنا ، لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه ، فيقول إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار تبارك وتعالى ، وبحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا به " وقد رواه الترمذي في صفة الجنة من جامعه عن محمد بن إسماعيل عن هشام بن عمار . ! ورواه ابن ماجه عن هشام بن عمار به نحوه ، ثم قال الترمذي هذا حديث غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وقال الإمام أحمد حدثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أحب لقاء الله ، أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله ، كره الله لقاءه " قلنا يا رسول الله كلنا نكره الموت ، قال صلى الله عليه وسلم " ليس ذلك كراهية الموت ، ولكن المؤمن إذا حضر ، جاءه البشير من الله تعالى بما هو صائر إليه ، فليس شيء أحب إليه من أن يكون قد لقي الله تعالى ، فأحب الله لقاءه ــــ قال ــــ وإن الفاجر ــــ أو الكافر ــــ إذا حضر ، جاءه بما هو صائر إليه من الشر ، أو ما يلقى من الشر ، فكره لقاء الله ، فكره الله لقاءه " وهذا حديث صحيح ، وقد ورد في الصحيح من غير هذا الوجه .