Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 49, Ayat: 9-10)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى آمراً بالإصلاح بين الفئتين الباغيتين بعضهم على بعض { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } فسماهم مؤمنين مع الاقتتال ، وبهذا استدل البخاري وغيره على أنه لا يخرج عن الإيمان بالمعصية وإن عظمت ، لا كما يقوله الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة ونحوهم ، وهكذا ثبت في صحيح البخاري من حديث الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوماً ، ومعه على المنبر الحسن بن علي رضي الله عنهما ، فجعل ينظر إليه مرة ، وإلى الناس أخرى ، ويقول " إن ابني هذا سيد ، ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " فكان كما قال صلى الله عليه وسلم ، أصلح الله تعالى به بين أهل الشام وأهل العراق بعد الحروب الطويلة ، والواقعات المهولة . وقوله تعالى { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَـٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ } أي حتى ترجع إلى أمر الله ورسوله ، وتسمع للحق وتطيعه ، كما ثبت في الصحيح عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " قلت يا رسول الله ، هذا نصرته مظلوماً ، فكيف أنصره ظالماً ؟ قال صلى الله عليه وسلم " تمنعه من الظلم فذاك نصرك إياه " وقال الإمام أحمد حدثنا عارم ، حدثنا معتمر فال سمعت أبي يحدث أن أنساً رضي الله عنه قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم لو أتيت عبد الله بن أبي ، فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم وركب حماراً ، وانطلق المسلمون يمشون ، وهي أرض سبخة ، فلما انطلق النبي صلى الله عليه وسلم إليه ، قال " إليك عني فوالله لقد آذاني ريح حمارك " فقال رجل من الأنصار والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك . قال فغضب لعبد الله رجال من قومه ، فغضب لكل واحد منهما أصحابه ، قال فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال ، فبلغنا أنه أنزلت فيهم { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } ورواه البخاري في الصلح عن مسدد ، ومسلم في المغازي عن محمد بن عبد الأعلى ، كلاهما عن المعتمر بن سليمان عن أبيه به نحوه . وذكر سعيد بن جبير أن الأوس والخزرج كان بينهما قتال بالسعف والنعال ، فأنزل الله تعالى هذه الآية فأمر بالصلح بينهما . وقال السدي كان رجل من الأنصار يقال له عمران ، كانت له امرأة تدعى أم زيد ، وإن المرأة أرادت أن تزور أهلها ، فحبسها زوجها ، وجعلها في علية له لا يدخل عليها أحد من أهلها . وإن المرأة بعثت إلى أهلها ، فجاء قومها وأنزلوها لينطلقوا بها ، وإن الرجل كان قد خرج ، فاستعان أهل الرجل ، فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها ، فتدافعوا واجتلدوا بالنعال فنزلت فيهم الآية ، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصلح بينهم ، وفاؤوا إلى أمر الله تعالى . وقوله عز وجل { فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } أي اعدلوا بينهما فيما كان أصاب بعضهم لبعض بالقسط ، وهو العدل { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } . قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة ، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، حدثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن المقسطين في الدنيا على منابر من لؤلؤ بين يدي الرحمن عز وجل بما أقسطوا في الدنيا " ورواه النسائي عن محمد بن المثنى عن عبد الأعلى به . وهذا إسناده جيد قوي ، رجاله على شرط الصحيح ، وحدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد ، حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار ، عن عمرو بن أوس عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المقسطون عند الله تعالى يوم القيامة على منابر من نور على يمين العرش ، الذين يعدلون في حكمهم وأهاليهم وما ولوا " ورواه مسلم والنسائي من حديث سفيان بن عيينة به . وقوله تعالى { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } أي الجميع إخوة في الدين ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يسلمه " وفي الصحيح " والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " وفي الصحيح أيضاً " إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب ، قال الملك آمين ، ولك مثله " والأحاديث في هذا كثيرة ، وفي الصحيح " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " وفي الصحيح أيضاً " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " وشبك بين أصابعه صلى الله عليه وسلم . وقال أحمد حدثنا أحمد بن الحجاج ، حدثنا عبد الله ، أخبرنا مصعب بن ثابت ، حدثني أبو حازم قال سمعت سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد في الرأس " تفرد به أحمد ولا بأس بإسناده ، وقوله تعالى { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } يعني الفئتين المقتتلتين { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي في جميع أموركم { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } وهذا تحقيق منه تعالى للرحمة لمن اتقاه .