Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 94-95)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الوالبي عن ابن عباس قوله { لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَىْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَـٰحُكُمْ } قال هو الضعيف من الصيد وصغيره ، يبتلي الله به عباده في إحرامهم ، حتى لو شاؤوا لتناولوه بأيديهم ، فنهاهم الله أن يقربوه . وقال مجاهد { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ } يعني صغار الصيد وفراخه ، { وَرِمَـٰحُكُمْ } يعني كباره . وقال مقاتل بن حيان أنزلت هذه الآية في عمرة الحديبية ، فكانت الوحش والطير والصيد تغشاهم في رحالهم ، لم يروا مثله قط فيما خلا ، فنهاهم الله عن قتله وهم محرمون { لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ } يعني أنه تعالى يبتليهم بالصيد ، يغشاهم في رحالهم يتمكنون من أخذه بالأيدي والرماح سراً وجهراً لتظهر طاعة من يطيع منهم في سره وجهره ، كما قال تعالى { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } الملك12 وقوله ههنا { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ } قال السدي وغيره يعني بعد هذا الإعلام والإنذار والتقدم ، { فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي لمخالفته أمر الله وشرعه . ثم قال تعالى { يَـٰۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } وهذا تحريم منه تعالى لقتل الصيد في حال الإحرام ، ونهي عن تعاطيه فيه ، وهذا إنما يتناول من حيث المعنى المأكول ، وما يتولد منه ومن غيره ، فأما غير المأكول من حيوانات البر ، فعند الشافعي يجوز للمحرم قتلها ، والجمهور على تحريم قتلها أيضاً ، ولا يستثنى من ذلك إلا ما ثبت في الصحيحين من طريق الزهري عن عروة ، عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الغراب ، والحدأة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور " وقال مالك عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح الغراب ، والحدأة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور " أخرجاه ، ورواه أيوب عن نافع عن ابن عمر مثله . قال أيوب فقلت لنافع فالحية ؟ قال الحية لا شك فيها ، ولا يختلف في قتلها . ومن العلماء كمالك وأحمد من ألحق بالكلب العقور الذئب والسبع والنمر والفهد لأنها أشد ضرراً منه ، فالله أعلم . وقال زيد بن أسلم وسفيان بن عيينة الكلب العقور يشمل هذه السباع العادية كلها ، واستأنس من قال بهذا بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما دعا على عتبة بن أبي لهب ، قال " اللهم سلط عليه كلبك بالشام " فأكله السبع بالزرقاء ، قالوا فإن قتل ما عداهن ، فداه كالضبع والثعلب وهرّ البر ، ونحو ذلك ، قال مالك وكذا يستثنى من ذلك صغار هذه الخمس المنصوص عليها ، وصغار الملحق بها من السباع العوادي . وقال الشافعي يجوز للمحرم قتل كل مالا يؤكل لحمه ، ولا فرق بين صغاره وكباره ، وجعل العلة الجامعة كونها لا تؤكل . وقال أبو حنيفة يقتل المحرم الكلب العقور والذئب ، لأنه كلب بري ، فإن قتل غيرهما ، فداه ، إلا أن يصول عليه سبع غيرهما ، فيقتله ، فلا فداء عليه . وهذا قول الأوزاعي والحسن بن صالح بن حيي . وقال زفر بن الهذيل يفدي ما سوى ذلك ، وإن صال عليه . وقال بعض الناس المراد بالغراب ههنا الأبقع ، وهو الذي في بطنه وظهره بياض ، دون الأدرع ، وهو الأسود ، والأعصم ، وهو الأبيض لما رواه النسائي عن عمرو بن علي الفلاس ، عن يحيى القطان ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " خمس يقتلهن المحرم الحية ، والفأرة ، والحدأة ، والغراب الأبقع ، والكلب العقور " والجمهور على أن المراد به أعم من ذلك لما ثبت في الصحيحين من إطلاق لفظه . وقال مالك رحمه الله لا يقتل المحرم الغراب ، إلا إذا صال عليه وآذاه . وقال مجاهد بن جبر وطائفة لا يقتله ، بل يرميه ، ويروى مثله عن علي . وقد روى هشيم حدثنا يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي نُعْم ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه سئل عما يقتل المحرم ؟ فقال " الحية ، والعقرب ، والفويسقة ، ويرمي الغراب ولا يقتله ، والكلب العقور ، والحدأة ، والسبع العادي " رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل ، والترمذي عن أحمد بن منيع ، كلاهما عن هشيم ، وابن ماجه عن أبي كريم ، وعن محمد بن فضيل ، كلاهما عن يزيد بن أبي زياد ، وهو ضعيف ، به . وقال الترمذي هذا حديث حسن . وقوله تعالى { وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ } قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا ابن علية عن أيوب قال نبئت عن طاوس أنه قال لا يحكم على من أصاب صيداً خطأ ، إنما يحكم على من أصابه متعمداً ، وهذا مذهب غريب عن طاوس ، وهو متمسك بظاهر الآية ، وقال مجاهد بن جبر المراد بالمتعمد هنا القاصد إلى قتل الصيد ، الناسي لإحرامه ، فأما المتعمد لقتل الصيد مع ذكره لإحرامه ، فذاك أمره أعظم من أن يكفر ، وقد بطل إحرامه ، ورواه ابن جرير عنه من طريق ابن أبي نجيح ، وليث بن أبي سليم ، وغيرهما عنه ، وهو قول غريب أيضاً ، والذي عليه الجمهور أن العامد والناسي سواء في وجوب الجزاء عليه . وقال الزهري دل الكتاب على العامد ، وجرت السنة على الناسي ، ومعنى هذا أن القرآن دل على وجوب الجزاء على المتعمد ، وعلى تأثيمه بقوله { لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ } وجاءت السنة من أحكام النبي صلى الله عليه وسلم وأحكام أصحابه بوجوب الجزاء في الخطأ ، كما دل الكتاب عليه في العمد ، وأيضاً فإن قتل الصيد إتلاف ، والإتلاف مضمون في العمد وفي النسيان ، لكن المتعمد مأثوم ، والمخطىء غير ملوم . وقوله تعالى { فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ } قرأ بعضهم بالإضافة ، وقرأ آخرون بعطفها { فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ } ، وحكى ابن جرير ، أن ابن مسعود قرأها { فجزاؤه - مثل ما قتل من النعم } . وفي قوله { فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ } على كل من القراءتين دليل لما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد والجمهور من وجوب الجزاء من مثل ما قتله المحرم ، إذا كان له مثل من الحيوان الإنسي ، خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله حيث أوجب القيمة ، سواء كان الصيد المقتول مثلياً ، أو غير مثلي ، قال وهو مخير ، إن شاء تصدق بثمنه ، وإن شاء اشترى به هدياً ، والذي حكم به الصحابة في المثل أولى بالاتباع ، فإنهم حكموا في النعامة ببدنة ، وفي بقرة الوحش ببقرة ، وفي الغزال بعنز ، وذكر قضايا الصحابة وأسانيدها مقرر في كتاب الأحكام ، وأما إذا لم يكن الصيد مثلياً ، فقد حكم ابن عباس فيه بثمنه يحمل إلى مكة ، رواه البيهقي . وقوله تعالى { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } يعني أنه يحكم بالجزاء في المثل ، أو بالقيمة في غير المثل ، عدلان من المسلمين ، واختلف العلماء في القاتل هل يجوز أن يكون أحد الحكمين ؟ على قولين أحدهما لا لأنه قد يتهم في حكمه على نفسه ، وهذا مذهب مالك . والثاني نعم لعموم الآية ، وهو مذهب الشافعي وأحمد ، واحتج الأولون بأن الحاكم لا يكون محكوماً عليه في صورة واحدة . قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، حدثنا جعفر ، هو ابن برقان ، عن ميمون بن مهران أن أعرابياً أتى أبا بكر ، فقال قتلت صيداً وأنا محرم ، فما ترى علي من الجزاء ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه لأبي بن كعب ، وهو جالس عنده ما ترى فيما قال ؟ فقال الأعرابي أتيتك وأنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسألك ، فإذا أنت تسأل غيرك ؟ فقال أبو بكر وما تنكر ؟ يقول الله تعالى { فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } فشاورت صاحبي ، حتى إذا اتفقنا على أمر ، أمرناك به ، وهذا إسناد جيد ، لكنه منقطع بين ميمون وبين الصديق ، ومثله يحتمل ههنا ، فبين له الصديق الحكم برفق وتؤدة لما رآه أعرابياً جاهلاً ، وإنما دواء الجهل التعليم ، فأما إذا كان المعترض منسوباً إلى العلم ، فقد قال ابن جرير حدثنا هناد وأبو هشام الرفاعي ، قالا حدثنا وكيع بن الجراح عن المسعودي ، عن عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة بن جابر ، قال خرجنا حجاجاً ، فكنا إذا صلينا الغداة ، اقتدنا رواحلنا ، فنتماشى نتحدث . قال فبينما نحن ذات غداة ، إذ سنح لنا ظبي أو برح ، فرماه رجل كان معنا بحجر ، فما أخطأ خُشَّاءَهُ ، فركب رَدْعَه ميتاً . قال فَعَظَّمْنا عليه ، فلما قدمنا مكة ، خرجت معه ، حتى أتينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقص عليه القصة ، فقال وإذا إلى جنبه رجل ، كأن وجهه قلب فضة ، يعني عبد الرحمن بن عوف ، فالتفت عمر إلى صاحبه ، فكلمه ، قال ثم أقبل على الرجل ، فقال أعمداً قتلته أم خطأ ؟ فقال الرجل لقد تعمدت رميه ، وما أردت قتله ، فقال عمر ما أراك إلا قد أشركت بين العمد والخطأ ، اعمد إلى شاة فاذبحها ، وتصدق بلحمها ، واستبق إهابها ، قال فقمنا من عنده ، فقلت لصاحبي أيها الرجل عظم شعائر الله ، فما درى أمير المؤمنين ما يفتيك حتى سأل صاحبه ، اعمد إلى ناقتك فانحرها فلعل ذلك ، يعني أن يجزىء عنك ، قال قبيصة ولا أذكر الآية من سورة المائدة { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } فبلغ عمر مقالتي ، فلم يفجأنا منه إلا ومعه الدرة ، قال فعلا صاحبي ضرباً بالدرة ، وجعل يقول أقتلت في الحرم وسفهت في الحكم ؟ قال ثم أقبل علي ، فقلت يا أمير المؤمنين ، لا أحل لك اليوم شيئاً يحرم عليك مني ، فقال يا قبيصة بن جابر ، إني أراك شاب السن ، فسيح الصدر ، بين اللسان ، وإن الشاب يكون فيه تسعة أخلاق حسنة ، وخلق سيىء ، فيفسد الخلق السيىء الأخلاق الحسنة ، فإياك وعثرات الشباب . وروى هشيم هذه القصة عن عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة ، بنحوه . ورواها أيضاً عن حصين ، عن الشعبي ، عن قبيصة ، بنحوه . وذكرها مرسلة عن عمر بن بكر بن عبد الله المزني ومحمد بن سيرين بنحوه . وقال ابن جرير حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا شعبة عن منصور ، عن أبي وائل ، أخبرني ابن جرير البجلي ، قال أصبت ظبياً وأنا محرم ، فذكرت ذلك لعمر ، فقال ائت رجلين من إخوانك ، فليحكما عليك ، فأتيت عبد الرحمن وسعداً ، فحكما علي بتيس أعفر . وقال ابن جرير حدثنا ابن وكيع ، حدثنا ابن عيينة عن مخارق ، عن طارق ، قال أوطأ أربد ظبياً ، فقتلته وهو محرم ، فأتى عمر ليحكم عليه ، فقال له عمر احكم معي ، فحكما فيه جدياً قد جمع الماء والشجر ، ثم قال عمر { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } ، وفي هذا دلالة على جواز كون القاتل أحد الحكمين ، كما قاله الشافعي وأحمد رحمهما الله ، واختلفوا هل تستأنف الحكومة في كل ما يصيبه المحرم ، فيجب أن يحكم فيه ذوا عدل ، وإن كان قد حكم في مثله الصحابة ، أو يكتفى بأحكام الصحابة المتقدمة ؟ على قولين ، فقال الشافعي وأحمد يتبع في ذلك ما حكمت به الصحابة ، وجعلاه شرعاً مقرراً لا يعدل عنه ، ومالم يحكم فيه الصحابة ، يرجع فيه إلى عدلين . وقال مالك وأبو حنيفة بل يجب الحكم في كل فرد فرد ، سواء وجد للصحابة في مثله حكم ، أم لا لقوله تعالى { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } . وقوله تعالى { هَدْياً بَـٰلِغَ ٱلْكَعْبَةِ } أي واصلاً إلى الكعبة ، والمراد وصوله إلى الحرم بأن يذبح هناك ، ويفرق لحمه على مساكين الحرم ، وهذا أمر متفق عليه في هذه الصورة . وقوله { أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَـٰكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً } أي إذا لم يجد المحرم مثل ما قتل من النعم ، أو لم يكن الصيد المقتول من ذوات الأمثال ، أو قلنا بالتخيير في هذا المقام بين الجزاء والإطعام والصيام كما هو قول مالك وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن ، وأحد قولي الشافعي ، والمشهور عن أحمد ، رحمهم الله ، لظاهر « أو » بأنها للتخيير ، والقول الآخر أنها على الترتيب ، فصورة ذلك أن يعدل إلى القيمة ، فيقوم الصيد المقتول عند مالك وأبي حنيفة وأصحابه وحماد وإبراهيم . وقال الشافعي يقوم مثله من النعم لو كان موجوداً ، ثم يشترى به طعام ، فيتصدق به ، فيصرف لكل مسكين مد منه ، عند الشافعي ومالك وفقهاء الحجاز ، واختاره ابن جرير ، وقال أبو حنيفة وأصحابه يطعم كل مسكين مدين ، وهو قول مجاهد . وقال أحمد مد من حنطة ، أو مدان من غيره ، فإن لم يجد ، أو قلنا بالتخيير ، صام عن إطعام كل مسكين يوماً وقال ابن جرير وقال آخرون يصوم مكان كل صاع يوماً كما في جزاء المترفه بالحلق ونحوه ، فإن الشارع أمر كعب ابن عجرة أن يقسم فرقاً بين ستة ، أو يصوم ثلاثة أيام ، والفرق ثلاثة آصع ، واختلفوا في مكان هذا الإطعام ، فقال الشافعي مكانه الحرم ، وهو قول عطاء . وقال مالك يطعم في المكان الذي أصاب فيه الصيد ، أو أقرب الأماكن إليه . وقال أبو حنيفة إن شاء أطعم في الحرم ، وإن شاء أطعم في غيره . ذكر أقوال السلف في هذا المقام قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن المغيرة ، حدثنا جرير عن منصور ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس في قوله الله تعالى { فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَـٰلِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَـٰكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً } قال إذا أصاب المحرم الصيد ، حكم عليه جزاؤه من النعم ، فإن وجد جزاءه ، ذبحه فتصدق به ، وإن لم يجد ، نظر كم ثمنه ، ثم قوم ثمنه طعاماً ، قال الله تعالى { أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَـٰكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً } ، قال إنما أريد بالطعام والصيام ، أنه إذا وجد الطعام ، وجد جزاؤه ، ورواه ابن جرير من طريق جرير . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { هَدْياً بَـٰلِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَـٰكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً } ، فإذا قتل المحرم شيئاً من الصيد ، حكم عليه فيه ، فإن قتل ظبياً أو نحوه ، فعليه شاة تذبح بمكة ، فإن لم يجد ، فإطعام ستة مساكين ، فإن لم يجد ، فصيام ثلاثة أيام ، فإن قتل أيلاً أو نحوه ، فعليه بقرة ، فإن لم يجد ، أطعم عشرين مسكيناً ، فإن لم يجد ، صام عشرين يوماً ، وإن قتل نعامة أو حمار وحش أو نحوه ، فعليه بدنة من الإبل ، فإن لم يجد ، أطعم ثلاثين مسكيناً ، فإن لم يجد صام ثلاثين يوماً . رواه ابن أبي حاتم وابن جرير ، وزاد الطعام مدّ مدّ يشبعهم ، وقال جابر الجعفي ، عن عامر الشعبي وعطاء ومجاهد { أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً } قالوا إنما الطعام لمن لا يبلغ الهدي ، رواه ابن جرير ، وكذا روى ابن جريج عن مجاهد وأسباط عن السدي أنها على الترتيب . وقال عطاء وعكرمة ومجاهد في رواية الضحاك وإبراهيم النخعي هي على الخيار ، وهي رواية الليث عن مجاهد ، عن ابن عباس ، واختار ذلك ابن جرير رحمه الله . وقوله { لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ } أي أوجبنا عليه الكفارة ليذوق عقوبة فعله الذي ارتكب فيه المخالفة { عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف } أي في زمان الجاهلية لمن أحسن في الإسلام ، واتبع شرع الله ، ولم يرتكب المعصية ، ثم قال { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ } أي ومن فعل ذلك بعد تحريمه في الإسلام وبلوغ الحكم الشرعي إليه ، { فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ } . قال ابن جريج قلت لعطاء ما { عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف } ؟ قال عما كان في الجاهلية . قال قلت وما { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ } ؟ قال ومن عاد في الإسلام ، فينتقم الله منه ، وعليه مع ذلك الكفارة . قال قلت فهل في العود من حد تعلمه ؟ قال لا ، قال قلت فترى حقاً على الإمام أن يعاقبه ؟ قال لا ، هو ذنب أذنبه فيما بينه وبين الله عز وجل ، ولكن يفتدي ، رواه ابن جرير . وقيل معناه فينتقم الله منه بالكفارة ، قاله سعيد بن جبير وعطاء ، ثم الجمهور من السلف والخلف على أنه متى قتل المحرم الصيد ، وجب الجزاء ، ولا فرق بين الأولى والثانية والثالثة ، وإن تكرر ما تكرر ، سواء الخطأ في ذلك والعمد . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، قال من قتل شيئاً من الصيد خطأ ، وهو محرم ، يحكم عليه فيه كلما قتله ، فإن قتله عمداً ، يحكم عليه فيه مرة واحدة ، فإن عاد ، يقال له ينتقم الله منك كما قال الله عز وجل . وقال ابن جرير حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا يحيى بن سعيد وابن أبي عدي ، جميعاً عن هشام ، هو ابن حسان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، فيمن أصاب صيداً فحكم عليه ثم عاد ، قال لا يحكم عليه ، ينتقم الله منه . وهكذا قال شريح ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن البصري وإبراهيم النخعي ، رواهن ابن جرير ، ثم اختار القول الأول . وقال ابن أبي حاتم حدثنا العباس بن يزيد العبدي ، حدثنا المعتمر بن سليمان عن زيد بن أبي المعلى ، عن الحسن البصري أن رجلاً أصاب صيداً ، فتجوز عنه ، ثم عاد ، فأصاب صيداً آخر ، فنزلت نار من السماء فأحرقته ، فهو قوله { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ } . وقال ابن جرير في قوله { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍ } يقول ــ عز ذكره ــ والله منيع في سلطانه ، لا يقهره قاهر ، ولا يمنعه من الانتقام ممن انتقم منه ، ولا من عقوبة من أراد عقوبته مانع لأن الخلق خلقه ، والأمر أمره ، له العزة والمنعة . وقوله { ذُو ٱنتِقَامٍ } يعني أنه ذو معاقبة لمن عصاه على معصيته إياه .