Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 15-23)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مخبراً عن المتقين لله عز وجل أنهم يوم معادهم يكونون في جنات وعيون ، بخلاف ما أولئك الأشقياء فيه من العذاب والنكال والحريق والأغلال . وقوله تعالى { ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَـٰهُمْ رَبُّهُمْ } قال ابن جرير أي عاملين بما آتاهم الله من الفرائض { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } أي قبل أن يفرض عليهم الفرائض ، كانوا محسنين في الأعمال أيضاً ، ثم روي عن ابن حميد حدثنا مهران عن سفيان عن أبي عمر عن مسلم البطين ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى { ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَـٰهُمْ رَبُّهُمْ } قال من الفرائض { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } قبل الفرائض يعملون ، وهذا الإسناد ضعيف ، ولا يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما . وقد رواه عثمان بن أبي شيبة عن معاوية بن هشام عن سفيان ، عن أبي عمر البزار عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، فذكره ، والذي فسر به ابن جرير فيه نظر لأن قوله تبارك وتعالى آخذين ، حال من قوله في جنات وعيون ، فالمتقون في حال كونهم في الجنات والعيون آخذين ماآتاهم ربهم ، أي من النعيم والسرور والغبطة ، وقوله عز وجل { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ } أي في الدار الدنيا { مُحْسِنِينَ } كقوله جل جلاله { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } الحاقة 24 ثم إنه تعالى بين إحسانهم في العمل ، فقال جل وعلا { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } اختلف المفسرون في ذلك على قولين أحدهما أن ما نافية ، تقديره كانوا قليلاً من الليل لا يهجعونه ، قال ابن عباس رضي الله عنهما لم تكن تمضي عليهم ليلة إلا يأخذون منها ولو شيئاً ، وقال قتادة عن مطرف بن عبد الله قل ليلة لا تأتي عليهم إلا يصلون فيها لله عز وجل ، إما من أولها ، وإما من أوسطها . وقال مجاهد قل ما يرقدون ليلة حتى الصباح لا يتهجدون ، وكذا قال قتادة ، وقال أنس بن مالك رضي الله عنه وأبو العالية كانوا يصلون بين المغرب والعشاء . وقال أبو جعفر الباقر كانوا لا ينامون حتى يصلوا العتمة ، والقول الثاني أن ما مصدرية تقديره كانوا قليلاً من الليل هجوعهم ونومهم ، واختاره ابن جرير . وقال الحسن البصري { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } كابدوا قيام الليل فلا ينامون من الليل إلا أقله ، ونشطوا فمدوا إلى السحر ، حتى كان الاستغفار بسحر ، وقال قتادة قال الأحنف بن قيس { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } كانوا لا ينامون إلا قليلاً ، ثم يقول لست من أهل هذه الآية . وقال الحسن البصري كان الأحنف بن قيس يقول عرضت عملي على عمل أهل الجنة ، فإذا قوم قد باينونا بوناً بعيداً ، إذا قوم لا نبلغ أعمالهم ، كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون ، وعرضت عملي على عمل أهل النار ، فإذا قوم لا خير فيهم ، مكذبون بكتاب الله وبرسول الله ، مكذبون بالبعث بعد الموت ، فقد وجدت من خيرنا منزلة قوماً خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال رجل من بني تميم لأبي يا أبا أسامة صفة لا أجدها فينا ذكر الله تعالى قوماً فقال { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } ونحن والله قليلاً من الليل ما نقوم ، فقال له أبي رضي الله عنه طوبى لمن رقد إذا نعس ، واتقى الله إذا استيقظ . وقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، انجفل الناس إليه ، فكنت فيمن انجفل ، فلما رأيت وجهه صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه رجل كذاب ، فكان أول ما سمعته صلى الله عليه وسلم يقول " يا أيها الناس أطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وأفشوا السلام ، وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام " وقال الإمام أحمد حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثني يحيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها " فقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه لمن هي يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم " لمن ألان الكلام ، وأطعم الطعام ، وبات لله قائماً والناس نيام " وقال معمر في قوله تعالى { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } كان الزهري والحسن يقولان كانوا كثيراً من الليل ما يصلون ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما وإبراهيم النخعي { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } ما ينامون . وقال الضحاك { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُواْ قَلِيلاً } ثم ابتدأ فقال { مِّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِٱلأَسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } وهذا القول فيه بعد وتعسف . وقوله عز وجل { وَبِٱلأَسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قال مجاهد وغير واحد يصلون . وقال آخرون قاموا الليل ، وأخروا الاستغفار إلى الأسحار كما قال تبارك وتعالى { وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ } آل عمران 17 فإن كان الاستغفار في صلاة ، فهو أحسن . وقد ثبت في الصحاح وغيرها عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الله تعالى ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير ، فيقول هل من تائب فأتوب عليه ، هل من مستغفر فأغفر له ، هل من سائل فيعطى سؤله ؟ حتى يطلع الفجر " وقال كثير من المفسرين في قوله تعالى إخباراً عن يعقوب أنه قال لبنيه { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ } يوسف 98 قالوا أخرهم إلى وقت السحر . وقوله تبارك وتعالى { وَفِيۤ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } لما وصفهم بالصلاة ، ثنى بوصفهم بالزكاة والبر والصلة ، فقال { وَفِيۤ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّ } أي جزء مقسوم قد أفرزوه للسائل والمحروم . أما السائل فمعروف وهو الذي يبتدىء بالسؤال ، وله حق كما قال الإمام أحمد حدثنا وكيع وعبد الرحمن قالا حدثنا سفيان عن مصعب بن محمد عن يعلى بن أبي يحيى ، عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين بن علي رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " للسائل حق وإن جاء على فرس " ورواه أبو داود من حديث سفيان الثوري به . ثم أسنده من وجه آخر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وروي من حديث الهرماس بن زياد مرفوعاً ، وأما المحروم ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد هو المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم ، يعنى لا سهم له في بيت المال ، ولا كسب له ولا حرفة يتقوت منها ، وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها هو المحارف الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه ، وقال الضحاك هو الذي لا يكون له مال إلا ذهب ، قضى الله تعالى له ذلك . وقال أبو قلابة جاء سيل باليمامة ، فذهب بمال رجل ، فقال رجل من الصحابة رضي الله عنهم هذا المحروم . وقال ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي ونافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما وعطاء بن أبي رباح المحروم المحارف . وقال قتادة والزهري المحروم الذي لا يسأل الناس شيئاً . قال الزهري وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان ، والتمرة والتمرتان ، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ، ولا يفطن له فيتصدق عليه " وهذا الحديث قد أسنده الشيخان في صحيحيهما من وجه آخر . وقال سعيد بن جبير هو الذي يجيء وقد قسم المغنم ، فيرضخ له . وقال محمد بن إسحاق حدثني بعض أصحابنا قال كنا مع عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في طريق مكة ، فجاء كلب ، فانتزع عمر رضي الله عنه كتف شاة ، فرمى بها إليه ، وقال يقولون إنه المحروم ، وقال الشعبي أعياني أن أعلم ما المحروم ، واختار ابن جرير أن المحروم الذي لا مال له بأي سبب كان ، وقد ذهب ماله ، سواء كان لا يقدر على الكسب ، أو قد هلك ماله أو نحوه بآفة أو نحوها . وقال الثوري عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فغنموا ، فجاءه قوم لم يشهدوا الغنيمة ، فنزلت هذه الآية { وَفِيۤ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } وهذا يقتضي أن هذه مدنية ، وليس كذلك ، بل هي مكية شاملة لما بعدها ، وقوله عز وجل { وَفِي ٱلأَرْضِ ءَايَـٰتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } أي فيها من الآيات الدالة على عظمة خالقها وقدرته الباهرة مما قد ذرأ فيها من صنوف النبات والحيوانات ، والمهاد والجبال والقفار ، والأنهار والبحار ، واختلاف ألسنة الناس وألوانهم ، وما جبلوا عليه من الإرادات والقوى ، وما بينهم من التفاوت في العقول والفهوم ، والحركات والسعادة والشقاوة ، وما في تركيبهم من الحكم في وضع كل عضو من أعضائهم في المحل الذي هو محتاج إليه فيه ، ولهذا قال عز وجل { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } ؟ قال قتادة من تفكر في خلق نفسه ، عرف أنه إنما خلق ولينت مفاصله للعبادة . ثم قال تعالى { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ } يعنى المطر { وَمَا تُوعَدُونَ } يعني الجنة ، قاله ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وغير واحد . وقال سفيان الثوري قرأ واصل الأحدب هذه الآية { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } فقال ألا إني أرى رزقي في السماء ، وأنا أطلبه في الأرض ؟ فدخل خربة ، فمكث ثلاثاً لا يصيب شيئاً ، فلما أن كان في اليوم الثالث ، إذا هو بدوخلة من رطب ، وكان له أخ أحسن نية منه ، دخل معه فصارتا دوخلتين ، فلم يزل ذلك دأبهما حتى فرق بينهما الموت . وقوله تعالى { فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } يقسم تعالى بنفسه الكريمة أن ما وعدهم به من أمر القيامة والبعث والجزاء كائن لا محالة ، وهو حق لا مرية فيه ، فلا تشكوا فيه كما لا تشكوا في نطقكم حين تنطقون ، وكان معاذ رضي الله عنه إذا حدث بالشيء يقول لصاحبه إن هذا لحق كما أنك ههنا ، قال مسدد عن ابن أبي عدي عن عوف عن الحسن البصري قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " قاتل الله أقواماً أقسم لهم ربهم ثم لم يصدقوا " ورواه ابن جرير عن بندار عن ابن أبي عدي عن عوف عن الحسن ، فذكره مرسلاً .