Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 52, Ayat: 44-49)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى مخبراً عن المشركين بالعناد والمكابرة للمحسوس { وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَـٰقِطاً } أي عليهم ، يعذبون به ، لما صدقوا ، ولما أيقنوا ، بل يقولون هذا سحاب مركوم أي متراكم ، وهذا كقوله تعالى { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَـٰرُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } الحجر 14 ــــ 15 . وقال الله تعالى { فَذَرْهُمْ } أي دعهم يا محمد { حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِى فِيهِ يُصْعَقُونَ } وذلك يوم القيامة { يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } أي لا ينفعهم كيدهم ولا مكرهم الذي استعملوه في الدنيا ، لا يجزي عنهم يوم القيامة شيئاً { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } . ثم قال تعالى { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ } أي قبل ذلك في الدار الدنيا كقوله تعالى { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } السجدة 21 ولهذا قال تعالى { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي نعذبهم في الدنيا ، ونبتليهم فيها بالمصائب لعلهم يرجعون وينيبون ، فلا يفهمون ما يراد بهم ، بل إذا جلى عنهم مما كانوا فيه ، عادوا إلى أسوأ ما كانوا عليه كما جاء في بعض الأحاديث " إن المنافق إذا مرض وعوفي ، مثله في ذلك كمثل البعير ، لا يدري فيما عقلوه ، ولا فيما أرسلوه " وفي الأثر الإلهي كم أعصيك ولا تعاقبني ؟ قال الله تعالى يا عبدي كم أعاقبك وأنت لا تدري ؟ وقوله تعالى { وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } أي اصبر على أذاهم ، ولا تبالهم فإنك بمرأى منا وتحت كلاءتنا ، والله يعصمك من الناس . وقوله تعالى { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } قال الضحاك أي إلى الصلاة . سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك . وقد روي مثله عن الربيع ابن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهما ، وروى مسلم في صحيحه عن عمر أنه كان يقول هذا في ابتداء الصلاة ، ورواه أحمد وأهل السنن عن أبي سعيد وغيره ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول ذلك . وقال أبو الجوزاء { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } أي من نومك من فراشك ، واختاره ابن جرير ، ويتأيد هذا القول بما رواه الإمام أحمد حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا الأوزاعي ، حدثني عمير بن هانىء ، حدثني جنادة بن أبي أمية ، حدثنا عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من تعارّ من الليل ، فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال رب اغفر لي ــــ أو قال ثم دعا ــــ استجيب له ، فإن عزم فتوضأ ، ثم صلى ، قبلت صلاته " وأخرجه البخاري في صحيحه وأهل السنن من حديث الوليد بن مسلم به . وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } قال من كل مجلس . وقال الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } قال إذا أراد الرجل أن يقوم من مجلسه ، قال سبحانك اللهم وبحمدك . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا أبو النضر إسحاق بن إبراهيم الدمشقي ، حدثنا محمد بن شعيب ، أخبرني طلحة بن عمرو الحضرمي عن عطاء بن أبي رباح أنه حدثه عن قول الله تعالى { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } يقول حين تقوم من كل مجلس ، إن كنت أحسنت ازددت خيراً ، وإن كنت غير ذلك ، كان هذا كفارة له ، وقد قال عبد الرزاق في جامعه أخبرنا معمر عن عبد الكريم الجزري ، عن أبي عثمان الفقير أن جبريل علم النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من مجلسه أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ، قال معمر وسمعت غيره يقول هذا القول كفارة المجالس ، وهذا مرسل ، وقد وردت أحاديث مسندة من طرق يقوي بعضها بعضاً بذلك ، فمن ذلك حديث ابن جريج عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من جلس في مجلس ، فكثر فيه لغطه ، فقال قبل أن يقوم من مجلسه سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ، إلا غفر الله له ما كان في مجلسه ذلك " رواه الترمذي ، وهذا لفظه ، والنسائي في اليوم والليلة ، من حديث ابن جريج ، وقال الترمذي حسن صحيح ، وأخرجه الحاكم في مستدركه ، وقال إسناده على شرط مسلم ، إلا أن البخاري علله ، قلت علله الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني وغيرهم ، ونسبوا الوهم فيه إلى ابن جريج ، على أن أبا داود قد رواه في سننه من طريق غير ابن جريج إلى أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، ورواه أبو داود ، واللفظ له ، والنسائي والحاكم في " المستدرك " من طريق الحجاج بن دينار عن هاشم ، عن أبي العالية عن أبي برزة الأسلمي ، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بآخر عمره إذا أراد أن يقوم من المجلس " سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك " فقال رجل يا رسول الله إنك لتقول قولاً ما كنت تقوله فيما مضى ، قال " كفارة لما يكون في المجلس " وقد روي مرسلاً عن أبي العالية ، فالله أعلم . وهكذا رواه النسائي والحاكم من حديث الربيع بن أنس عن أبي العالية عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء ، وروي مرسلاً أيضاً ، فالله أعلم ، وكذا رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو أنه قال " كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلسه عند قيامه ثلاث مرات ، إلا كفر بهن عنه ، ولا يقولهن في مجلس خير ومجلس ذكر ، إلا ختم له بهن كما يختم بالخاتم سبحانك اللهم وبحمدك ، لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك " وأخرجه الحاكم من حديث أم المؤمنين عائشة وصححه ، ومن رواية جبير بن مطعم ، ورواه أبو بكر الإسماعيلي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد أفردت لذلك جزءاً على حدة بذكر طرقه وألفاظه وعلله ، وما يتعلق به ، ولله الحمد والمنّة . وقوله تعالى { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبِّحْهُ } أي اذكره واعبده بالتلاوة والصلاة في الليل كما قال تعالى { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا } الإسراء 79 . وقوله تعالى { وَإِدْبَـٰرَ ٱلنُّجُومِ } قد تقدم في حديث ابن عباس أنهما الركعتان اللتان قبل صلاة الفجر ، فإنهما مشروعتان عند إدبار النجوم ، أي عند جنوحها للغيبوبة . وقد روى ابن سيلان عن أبي هريرة مرفوعاً " لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل " يعني ركعتي الفجر ، رواه أبو داود . ومن هذا الحديث حكي عن بعض أصحاب أحمد القول بوجوبهما ، وهو ضعيف لحديث " خمس صلوات في اليوم والليلة " قال هل عليَّ غيرها ؟ قال " لا ، إلا أن تطوع " وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر ، وفي لفظ لمسلم " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " آخر تفسير سورة الطور ، ولله الحمد والمنّة .