Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 26-27)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى أنه منذ بعث نوحاً عليه السلام لم يرسل بعده رسولاً ولانبياً إلا من ذريته ، وكذلك إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن ، لم ينزل من السماء كتاباً ولا أرسل رسولاً ولا أوحى إلى بشر من بعده إلا وهو من سلالته ، كما قال تعالى في الآية الأخرى { وَجَعَلْنَا فِى ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَـٰبَ } العنكبوت 27 حتى كان آخر أنبياء بني إسرائيل عيسى بن مريم الذي بشر من بعده بمحمد صلوات الله وسلامه عليهما ، ولهذا قال تعالى { ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ ءَاثَـٰرِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَءَاتَيْنَـٰهُ ٱلإِنجِيلَ } وهو الكتاب الذي أوحاه الله إليه { وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ } وهم الحواريون { رَأْفَةٌ } أي رقة ، وهي الخشية { وَرَحْمَةٌ } بالخلق . وقوله { وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا } أي ابتدعها أمة النصارى { مَا كَتَبْنَـٰهَا عَلَيْهِمْ } أي ما شرعناها لهم ، وإنما هم التزموها من تلقاء أنفسهم . وقوله تعالى { إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَٰنِ ٱللَّهِ } فيه قولان أحدهما أنهم قصدوا بذلك رضوان الله ، قاله سعيد بن جبير وقتادة . والآخر ما كتبنا عليهم ذلك ، إنما كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله . وقوله تعالى { فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } أي فما قاموا بما التزموا حق القيام ، وهذا ذم لهم من وجهين أحدهما الابتداع في دين الله مالم يأمر به الله ، و الثاني في عدم قيامهم بماالتزموا مما زعموا أنه قربة يقربهم إلى الله عز وجل . وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا إسحاق بن أبي حمزة أبو يعقوب الرازي ، حدثنا السندي بن عبدويه ، حدثنا بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه عن جده ابن مسعود قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا ابن مسعود " قلت لبيك يارسول الله قال " هل علمت أن بني إسرائيل افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة ؟ لم ينج منها إلا ثلاث فرق ، قامت بين الملوك والجبابرة بعد عيسى بن مريم عليه السلام ، فدعت إلى دين الله ، ودين عيسى بن مريم ، فقاتلت الجبابرة ، فقتلت فصبرت ونجت ، ثم قامت طائفة أخرى لم تكن لها قوة بالقتال ، فقامت بين الملوك والجبابرة ، فدعوا إلى دين الله ودين عيسى بن مريم ، فقتلت وقطعت بالمناشير ، وحرقت بالنيران ، فصبرت ونجت ، ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال ، ولم تطق القيام بالقسط ، فلحقت بالجبال ، فتعبدت وترهبت ، وهم الذين ذكر الله تعالى { وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَـٰهَا عَلَيْهِمْ } " . وقد رواه ابن جرير بلفظ آخر من طريق أخرى فقال حدثنا يحيى بن أبي طالب ، حدثنا داود بن المحبر ، حدثنا الصعق بن حزن ، حدثنا عقيل الجعدي عن أبي إسحاق الهمداني عن سويد بن غفلة عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اختلف من كان قبلنا على ثلاث وسبعين فرقة ، نجا منهم ثلاث ، وهلك سائرهم " وذكر نحو ما تقدم وفيه " { فَـآتَيْنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ } هم الذين آمنوا بي وصدقوني { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ } وهم الذين كذبوني وخالفوني " ولا يقدح في هذه المتابعة لحال داود بن المحبر فإنه أحد الوضاعين للحديث ، ولكن قد أسنده أبو يعلى عن شيبان بن فروخ عن الصعق بن حزن به مثل ذلك ، فقوي الحديث من هذا الوجه . وقال ابن جرير وأبو عبد الرحمن النسائي واللفظ له أخبرنا الحسين بن حريث ، حدثنا الفضل بن موسى عن سفيان بن سعيد عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان ملوك بعد عيسى عليه السلام بدلت التوراة والإنجيل ، فكان منهم مؤمنون يقرؤون التوراة والإنجيل ، فقيل لملوكهم ما نجد شيئاً أشد من شتم يشتموناه هؤلاء ، إنهم يقرؤون { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } المائدة 44 هذه الآيات ، مع ما يعيبوننا به من أعمالنا في قراءتهم ، فادعهم فليقرؤوا كما نقرأ ، وليؤمنوا كما آمنا ، فدعاهم فجمعهم ، وعرض عليهم القتل ، أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منها ، فقالوا ما تريدون إلى ذلك ؟ دعونا ، فقالت طائفة منهم ابنوا لنا أسطوانة ، ثم ارفعونا إليها ، ثم أعطونا شيئاً نرفع به طعامنا وشرابنا فلا نرد عليكم ، وقالت طائفة دعونا نسيح في الأرض ، ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش ، فإن قدرتم علينا في أرضكم ، فاقتلونا ، وقالت طائفة ابنوا لنا دوراً في الفيافي ، ونحتفر الآبار ونحرث البقول ، فلا نرد عليكم ولانمر بكم ، وليس أحد من القبائل إلا له حميم فيهم ، ففعلوا ذلك ، فأنزل الله تعالى { وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَـٰهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَٰنِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } . والآخرون قالوا نتعبد كما تعبد فلان ، ونسيح كما ساح فلان ، ونتخذ دوراً كما اتخذ فلان ، وهم على شركهم ، لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم ، فلما بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبق إلا القليل ، انحط منهم رجل من صومعته ، وجاء سائح من سياحته ، وصاحب الدير من ديره ، فآمنوا به وصدقوه ، فقال الله عز وجل { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } أجرين بإيمانهم بعيسى بن مريم ، وتصديقهم بالتوراة والإنجيل ، وبإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وتصديقهم قال { وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ } القرآن ، واتباعهم النبي صلى الله عليه وسلم قال { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ } الذين يتشبهون بكم { أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَىْءٍ مِّن فَضْلِ ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } هذا السياق فيه غرابة ، وسيأتي تفسير هاتين الآيتين على غير هذا ، والله أعلم . وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي حدثنا أحمد بن عيسى ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء أن سهل بن أبي أمامة حدثه أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة زمان عمر بن عبد العزيز وهو أمير ، وهو يصلي صلاة خفيفة وقعة كأنها صلاة مسافر أو قريباً منها ، فلما سلم قال يرحمك الله ، أرأيت هذه الصلاة المكتوبة ، أم شيء تنفلته ؟ قال إنها المكتوبة ، وإنها صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخطأت إلا شيئاً سهوت عنه ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " لا تشددوا على أنفسكم ، فيشدد الله عليكم فإن قوماً شددوا على أنفسهم ، فشدد الله عليهم ، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم " ثم غدوا من الغد فقالوا نركب فننظر ونعتبر ، قال نعم ، فركبوا جميعاً ، فإذا هم بديار قفر قد باد أهلها وانقرضوا وفنوا ، خاوية على عروشها ، فقالوا أتعرف هذه الديار ؟ قال ما أعرفني بها وبأهلها هؤلاء أهل الديار أهلكهم البغي والحسد ، إن الحسد يطفىء نور الحسنات ، والبغي يصدق ذلك أو يكذبه ، والعين تزني ، والكف تزني ، والقدم والجسد واللسان والفرج ، يصدق ذلك أو يكذبه . وقال الإمام أحمد حدثنا يعمر ، حدثنا عبد الله ، أخبرنا سفيان عن زيد العمي عن أبي إياس ، عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لكل نبي رهبانية ، ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله عز وجل " ورواه الحافظ أبو يعلى ، عن عبد الله بن محمد بن أسماء ، عن عبد الله بن المبارك به ولفظه " لكل أمة رهبانية ، ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله " وقال الإمام أحمد حدثنا حسين ــــ هو ابن محمد ــــ حدثنا ابن عياش ــــ يعني إسماعيل ــــ عن الحجاج بن مروان الكلاعي وعقيل بن مدرك السلمي ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً جاءه فقال أوصني ، فقال سألت عما سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبلك ، أوصيك بتقوى الله فإنه رأس كل شيء ، وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام ، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن فإنه روحك في السماء ، وذكرك في الأرض . تفرد به أحمد .