Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 59, Ayat: 18-20)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن المنذر بن جرير عن أبيه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار ، قال فجاءه قوم حفاة عراة ، محتابي النمار أو العباء ، متقلدي السيوف ، عامتهم من مضر ، بل كلهم من مضر ، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة ، قال فدخل ثم خرج ، فأمر بلالاً فأذن وأقام الصلاة ، فصلى ثم خطب فقال " { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } إلى آخر الآية { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } النساء1 وقرأ الآية التي في الحشر { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } تصدَّق رجل من ديناره ، من درهمه ، من ثوبه ، من صاع بره ، من صاع تمره ــــ حتى قال ــــ ولو بشق تمرة " قال فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها ، بل قد عجزت ، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب ، حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه كأنه مذهبة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سن في الإسلام سنة حسنة ، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة ، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء " انفرد بإخراجه مسلم من حديث شعبة ، بإسناده مثله . فقوله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أمر بتقواه ، وهو يشمل فعل ما به أمر ، وترك ما عنه زجر . وقوله تعالى { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم ، { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } تأكيد ثان { إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي اعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم ، لا تخفى عليه منكم خافية ، ولا يغيب عنه من أموركم جليل ولا حقير . وقوله تعالى { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَـٰهُمْ أَنفُسَهُمْ } أي لا تنسوا ذكر الله تعالى ، فينسيكم العمل لمصالح أنفسكم التي تنفعكم في معادكم ، فإن الجزاء من جنس العمل ، ولهذا قال تعالى { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } أي الخارجون عن طاعة الله ، الهالكون يوم القيامة ، الخاسرون يوم معادهم كما قال تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَٰلُكُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } المنافقون 9 . وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي ، حدثنا المغيرة ، حدثنا جرير بن عثمان عن نعيم بن نمحة قال كان في خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه أما تعلمون أنكم تغدون وتروحون لأجل معلوم ؟ فمن استطاع أن يقضي الأجل ، وهو في عمل الله عز وجل ، فليفعل ، ولن تنالوا ذلك إلا بالله عز وجل ، إن قوماً جعلوا آجالهم لغيرهم ، فنهاكم الله عز وجل أن تكونوا أمثالهم ، { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَـٰهُمْ أَنفُسَهُمْ } ، أين من تعرفون من إخوانكم ؟ قدموا على ما قدموا في أيام سلفهم ، وخلوا بالشقوة والسعادة ، وأين الجبارون الأولون الذي بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط ؟ قد صاروا تحت الصخر والآبار ، هذا كتاب الله ، لا تفنى عجائبه ، فاستضيئوا منه ليوم ظلمة ، واستضيئوا بسنائه وبيانه ، إن الله تعالى أثنى على زكريا وأهل بيته فقال تعالى { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خـٰشِعِينَ } الأنبياء 90 لا خير في قول لا يراد به وجه الله ، ولا خير في مال لا ينفق في سبيل الله ، ولا خير فيمن يغلب جهله حلمه ، ولا خير فيمن يخاف في الله لومة لائم . هذا إسناد جيد ، ورجاله كلهم ثقات ، وشيخ حريز بن عثمان ، وهو نعيم بن نمحة ، لا أعرفه بنفي ولا إثبات ، غير أن أبا داود السجستاني قد حكم بأن شيوخ حريز كلهم ثقات ، وقد روي لهذه الخطبة شواهد من وجوه أخر ، والله أعلم . وقوله تعالى { لاَ يَسْتَوِىۤ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ } أي لا يستوي هؤلاء وهؤلاء في حكم الله تعالى يوم القيامة كما قال تعالى { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَـٰتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَوَآءً مَّحْيَـٰهُمْ وَمَمَـٰتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } الجاثية 21 وقال تعالى { وَمَا يَسْتَوِى ٱلأَعْـمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَلاَ ٱلْمُسِىۤءُ قَلِيـلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ } غافر 58 وقال تعالى { أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِى ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } ص 28 . في آيات أخر دالات على أن الله تعالى يكرم الأبرار ، ويهين الفجار ، ولهذا قال تعالى ههنا { أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } أي الناجون المسلمون من عذاب الله ، عز وجل .