Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 59, Ayat: 21-24)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى معظماً لأمر القرآن ، ومبيناً علو قدره ، وأنه ينبغي أن تخشع له القلوب وتتصدع عند سماعه لما فيه من الوعد الحق ، والوعيد الأكيد { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَـٰشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } أي فإذا كان الجبل في غلظته وقساوته ، لو فهم هذا القرآن فتدبر ما فيه ، لخشع وتصدع من خوف الله عز وجل ، فكيف يليق بكم يا أيها البشر أن لا تلين قلوبكم ، وتخشع وتتصدع من خشية الله ، وقد فهمتم عن الله أمره ، وتدبرتم كتابه ، ولهذا قال تعالى { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَـٰلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } . قال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَـٰشِعاً مُّتَصَدِّعاً } إلى آخرها ، يقول لو أني أنزلت هذا القرآن على جبل حملته إياه ، لتصدع وخشع من ثقله ، ومن خشية الله ، فأمر الله الناس إذا نزل عليهم القرآن أن يأخذوه بالخشية الشديدة والتخشع ، ثم قال تعالى { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَـٰلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } وكذا قال قتادة وابن جرير . وقد ثبت في الحديث المتواتر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عمل له المنبر ، وقد كان يوم الخطبة يقف إلى جانب جذع من جذوع المسجد ، فلما وضع المنبر أول ما وضع ، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليخطب ، فجاوز الجذع إلى نحو المنبر ، فعند ذلك حن الجذع ، وجعل يئن كما يئن الصبي الذي يسكت لما كان يسمع من الذكر والوحي عنده ، ففي بعض روايات هذا الحديث قال الحسن البصري بعد إيراده فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجذع . وهكذا هذه الآية الكريمة ، إذا كانت الجبال الصم لو سمعت كلام الله وفهمته لخشعت وتصدعت من خشيته ، فكيف بكم وقد سمعتم وفهمتم ؟ وقد قال تعالى { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ } الرعد 31 الآية . وقد تقدم أن معنى ذلك ، أي لكان هذا القرآن ، وقد قال تعالى { وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَـٰرُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } البقرة 74 . ثم قال تعالى { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } أخبر تعالى أنه الذي لا إله إلا هو ، فلا رب غيره ، ولا إله للوجود سواه ، وكل ما يعبد من دونه فباطل ، وأنه عالم الغيب والشهادة ، أي يعلم جميع الكائنات المشاهدات لنا ، والغائبات عنا ، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء من جليل وحقير ، وصغير وكبير ، حتى الذر في الظلمات . وقوله تعالى { هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } قد تقدم الكلام على ذلك في أول التفسير بما أغنى عن إعادته ههنا ، والمراد أنه ذو الرحمة الواسعة الشاملة لجميع المخلوقات ، فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، وقد قال تعالى { وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ } الأعراف 156 وقال تعالى { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } الأنعام 54 وقال تعالى { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } يونس 58 ثم قال تعالى { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ } أي المالك لجميع الأشياء ، المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة . وقوله تعالى { ٱلْقُدُّوسُ } قال وهب بن منبه أي الطاهر . وقال مجاهد وقتادة أي المبارك . وقال ابن جريج تقدسه الملائكة الكرام . { ٱلسَّلَـٰمَ } أي من جميع العيوب والنقائص لكماله في ذاته وصفاته وأفعاله . وقوله تعالى { ٱلْمُؤْمِنُ } قال الضحاك عن ابن عباس أي أمن خلقه من أن يظلمهم . وقال قتادة أمن بقوله أنه حق . وقال ابن زيد صدق عباده المؤمنين في إيمانهم به . وقوله تعالى { ٱلْمُهَيْمِنُ } قال ابن عباس وغير واحد أي الشاهد على خلقه بأعمالهم ، بمعنى هو رقيب عليهم كقوله { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ } البروج9 وقوله { ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ } يونس 46 وقوله { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } الرعد 33 الآية . وقوله تعالى { ٱلعَزِيزُ } أي الذي قد عز كل شيء فقهره ، وغلب الأشياء ، فلا ينال جنابه لعزته وعظمته وجبروته وكبريائه ، ولهذا قال تعالى { ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ } أي الذي لا تليق الجبرية إلا له ، ولا التكبر إلا لعظمته كما تقدم في الصحيح " العظمة إزاري ، والكبرياء رادئي ، فمن نازعني واحداً منهما ، عذبته " وقال قتادة الجبار الذي جَبَر خلقه على ما يشاء . وقال ابن جرير الجبار المصلحُ أمورَ خلقه ، المتصرف فيهم بما فيه صلاحهم . وقال قتادة المتكبر يعني عن كل سوء . ثم قال تعالى { سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } . وقوله تعالى { هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَـٰلِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ } الخلق التقدير ، والبرء هو الفري ، وهو التنفيذ ، وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود ، وليس كل من قدر شيئاً ورتبه يقدر على تنفيذه وإيجاده سوى الله عز وجل . قال الشاعر يمدح آخر @ وَلأَنْتَ تَفري ما خَلَقْتَ وبَعْـ ـضُ القومِ يخلُق ثُمَّ لا يَفْري @@ أي أنت تنفذ ما خلقت ، أي قدرت ، بخلاف غيرك فإنه لا يستطيع ما يريد ، فالخلق التقدير ، والفري التنفيذ ، ومنه يقال قدر الجلاد ثم فرى ، أي قطع على ما قدره بحسب ما يريده . وقوله تعالى { ٱلْخَـٰلِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ } أي الذي إذا أراد شيئاً ، قال له كن ، فيكون على الصفة التي يريد ، والصورة التي يختار كقوله تعالى { فِىۤ أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ } الانفطار 8 ولهذا قال { ٱلْمُصَوِّرُ } ، أي الذي ينفذ ما يريد إيجاده على الصفة التي يريدها . وقوله تعالى { لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } قد تقدم الكلام على ذلك في " سورة الأعراف " . ونذكر الحديث المروي في الصحيحين عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن لله تعالى تسعة وتسعين اسماً ، مئة إلا واحداً ، من أحصاها ، دخل الجنة ، وهو وتر يحب الوتر " وتقدم سياق الترمذي وابن ماجه له ، عن أبي هريرة أيضاً ، وزاد بعد قوله " وهو وتر يحب الوتر " واللفظ للترمذي " هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الخالق ، البارىء ، المصور ، الغفار ، القهار ، الوهاب ، الرزاق ، الفتاح ، العليم ، القابض ، الباسط ، الخافض ، الرافع ، المعز ، المذل ، السميع ، البصير ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الحليم ، العظيم ، الغفور ، الشكور ، العلي ، الكبير ، الحفيظ ، المقيت ، الحسيب ، الجليل ، الكريم ، الرقيب ، المجيب ، الواسع ، الحكيم ، الودود ، المجيد ، الباعث ، الشهيد ، الحق ، الوكيل ، القوي ، المتين ، الولي ، الحميد ، المحصي ، المبدىء ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحي ، القيوم ، الواجد ، الماجد ، الواحد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدم ، المؤخر ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الوالي ، المتعالي ، البر ، التواب ، المنتقم ، العفو ، الرؤوف ، مالك الملك ، ذو الجلال والإكرام ، المقسط ، الجامع ، الغني ، المغني ، المعطي ، المانع ، الضار ، النافع ، النور ، الهادي ، البديع ، الباقي ، الوارث ، الرشيد ، الصبور " وسياق ابن ماجه بزيادة ونقصان ، وتقديم وتأخير ، وقد قدمنا ذلك مبسوطاً مطولاً بطرقه وألفاظه بما أغنى عن إعادته ههنا . وقوله تعالى { يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } كقوله تعالى { تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَـٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } الإسراء 44 وقوله تعالى { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } أي فلا يرام جنابه { ٱلْحَكِيمُ } في شرعه وقدره . وقد قال الإمام أحمد حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا خالد ، يعني ابن طَهْمان ، أبو العلاء الخفاف ، حدثنا نافع بن أبي نافع ، عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، ثم قرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر ، وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي ، وإن مات في ذلك اليوم مات شهيداً ، ومن قالها حين يمسي ، كان بتلك المنزلة " ورواه الترمذي عن محمود بن غيلان عن أبي أحمد الزبيري به . وقال غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .