Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 102-103)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ } أي الذي خلق كل شيء ، ولا ولد له ولا صاحبة { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَـٰلِقُ كُلِّ شَىْءٍ فَٱعْبُدُوهُ } أي فاعبدوه وحده ، لا شريك له ، وأقروا له بالوحدانية ، وأنه لا إله إلا هو ، وأنه لا ولد له ، ولا والد ، ولا صاحبة له ، ولا نظير ولا عديل { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ وَكِيلٌ } أي حفيظ ورقيب ، يدبر كل ما سواه ، ويرزقهم ويكلؤهم بالليل والنهار ، وقوله { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } فيه أقوال للأئمة من السلف أحدها لا تدركه في الدنيا ، وإن كانت تراه في الآخرة ، كما تواترت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير ما طريق ثابت ، في الصحاح والمسانيد والسنن ، كما قال مسروق عن عائشة أنها قالت من زعم أن محمداً أبصر ربه فقد كذب ، وفي رواية على الله فإن الله تعالى قال { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَـٰرَ } رواه ابن أبي حاتم من حديث أبي بكر بن عياش ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، ورواه غير واحد عن مسروق ، وثبت في الصحيح وغيره عن عائشة من غير وجه ، وخالفها ابن عباس ، فعنه إطلاق الرؤية ، وعنه أنه رآه بفؤاده مرتين ، والمسألة تذكر في أول سورة النجم إن شاء الله . وقال ابن أبي حاتم ذكر محمد بن مسلم ، حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا يحيى بن معين ، قال سمعت إسماعيل بن علية يقول في قول الله تعالى { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } قال هذا في الدنيا ، وذكر أبي عن هشام بن عبيد الله ، أنه قال نحو ذلك . وقال آخرون { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } أي جميعها ، وهذا مخصص بما ثبت من رؤية المؤمنين له في الدار الآخرة ، وقال آخرون من المعتزلة ، بمقتضى ما فهموه من هذه الآية إنه لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة ، فخالفوا أهل السنة والجماعة في ذلك ، مع ما ارتكبوه من الجهل بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله . أما الكتاب ، فقوله تعالى { ٱوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } القيامة22 - 23 وقال تعالى عن الكافرين { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } المطفّفين 15 قال الإمام الشافعي فدل هذا على أن المؤمنين لا يحجبون عنه تبارك وتعالى . أما السنة ، فقد تواترت الأخبار عن أبي سعيد ، وأبي هريرة ، وأنس ، وجرير ، وصهيب ، وبلال وغير واحد من الصحابة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمنين يرون الله في الدار الآخرة ، في العرصات ، وفي روضات الجنات ، جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه آمين . وقيل المراد بقوله { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } أي العقول ، رواه ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين ، عن الفلاس ، عن ابن مهدي ، عن أبي حصين يحيى بن الحصين ، قارئ أهل مكة ، أنه قال ذلك ، وهذا غريب جداً ، وخلاف ظاهر الآية ، وكأنه اعتقد أن الإدراك في معنى الرؤية ، والله أعلم . وقال آخرون لا منافاة بين إثبات الرؤية ونفي الإدراك ، فإن الإدراك أخص من الرؤية ، ولا يلزم من نفي الأخص انتفاء الأعم . ثم اختلف هؤلاء في الإدراك المنفي ما هو ؟ فقيل معرفة الحقيقة ، فإن هذا لا يعلمه إلاّ هو ، وإن رآه المؤمنون ، كما أن من رأى القمر ، فإنه لا يدرك حقيقته وكنهه وماهيته ، فالعظيم أولى بذلك ، وله المثل الأعلى . قال ابن علية في الآية هذا في الدنيا رواه ابن أبي حاتم . وقال آخرون الإدراك أخص من الرؤية ، وهو الإحاطة ، ولا يلزم من عدم الإحاطة عدم الرؤية ، كما لا يلزم من عدم إحاطة العلم عدم العلم ، قال تعالى { وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } طه 110 وفي صحيح مسلم " لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك " ولا يلزم منه عدم الثناء ، فكذلك هذا . قال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَـٰرَ } قال لا يحيط بصر أحد بالملك ، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة القناد ، حدثنا أسباط ، عن سماك ، عن عكرمة ، أنه قيل له { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } قال ألست ترى السماء ؟ قال بلى ، قال فكلها ترى ؟ وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في الآية { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَـٰرَ } وهو أعظم من أن تدركه الأبصار . وقال ابن جرير حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا خالد بن عبد الرحمن ، حدثنا أبو عرفجة ، عن عطية العوفي في قوله تعالى { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } القيامة22 - 23 قال هم ينظرون إلى الله ، لا تحيط أبصارهم به من عظمته ، وبصره محيط بهم ، فذلك قوله { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَـٰرَ } وورد في تفسير هذه الآية حديث رواه ابن أبي حاتم ههنا ، فقال حدثنا أبو زرعة ، حدثنا منجاب بن الحارث السهمي ، حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَـٰرَ } قال " لو أن الجن والإنس والشياطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا ، صفوا صفاً واحداً ، ما أحاطوا بالله أبداً " غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه ، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة ، والله أعلم . وقال آخرون في الآية بما رواه الترمذي في جامعه ، وابن أبي عاصم في كتاب السنة له ، وابن أبي حاتم في تفسيره ، وابن مردويه أيضاً ، والحاكم في مستدركه ، من حديث الحكم بن أبان ، قال سمعت عكرمة يقول سمعت ابن عباس يقول رأى محمد ربه تبارك وتعالى ، فقلت أليس الله يقول { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَـٰرَ } الآية ، فقال لي لا أم لك ، ذلك نوره ، الذي هو نوره ، إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء ، وفي رواية لا يقوم له شيء ، قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، وفي معنى هذا الأثر ، ما ثبت في الصحيحين ، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعاً " إن الله لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل النهار قبل الليل ، وعمل الليل قبل النهار ، حجابه النور - أو النار - لو كشفه ، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " وفي الكتب المتقدمة إن الله تعالى قال لموسى لما سأل الرؤية يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات ، ولا يابس إلا تدهده ، أي تدعثر ، وقال تعالى { فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقًا فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَـٰنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } الأعراف 143 ونفي هذا الأثر الإدراك الخاص لا ينفي الرؤية يوم القيامة لعباده المؤمنين كما يشاء ، فأما جلاله وعظمته على ما هو عليه ، تعالى وتقدس وتنزه ، فلا تدركه الأبصار . ولهذا كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، تثبت الرؤية في الدار الآخرة ، وتنفيها في الدنيا ، وتحتج بهذه الآية { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَـٰرَ } فالذي نفته الإدراك ، الذي هو بمعنى رؤية العظمة والجلال ، على ما هو عليه ، فإن ذلك غير ممكن للبشر ، ولا للملائكة ، ولا لشيء ، وقوله { وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَـٰرَ } أي يحيط بها ، ويعلمها على ما هي عليه لأنه خلقها كما قال تعالى { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } الملك 14 وقد يكون عبر بالأبصار عن المبصرين ، كما قال السدي في قوله { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَـٰرَ } لا يراه شيء ، وهو يرى الخلائق ، وقال أبو العالية في قوله تعالى { وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } قال اللطيف لاستخراجها ، الخبير بمكانها ، والله أعلم ، وهذا كما قال تعالى إخباراً عن لقمان ، فيما وعظ به ابنه { يٰبُنَىَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ أَوْ فِى ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } لقمان 16 .