Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 121-121)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب إلى أن الذبيحة لا تحل إذا لم يذكر اسم الله عليها ، وإن كان الذابح مسلماً ، وقد اختلف الأئمة رحمهم الله في هذه المسألة ، على ثلاثة أقوال فمنهم من قال لا تحل هذه الذبيحة بهذه الصفة ، وسواء متروك التسمية عمداً أو سهواً ، وهو مروي عن ابن عمر ، ونافع مولاه ، وعامر الشعبي ، ومحمد بن سيرين ، وهو رواية عن الإمام مالك ، ورواية عن أحمد بن حنبل ، نصرها طائفة من أصحابه المتقدمين والمتأخرين ، وهو اختيار أبي ثور ، وداود الظاهري ، واختار ذلك أبو الفتوح محمد بن محمد بن علي الطائي من متأخري الشافعية ، في كتابه « الأربعين » ، واحتجوا لمذهبهم هذا بهذه الآية ، وبقوله في آية الصيد { فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } المائدة 4 ثم قد أكد في هذه الآية بقوله { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } والضمير قيل عائد على الأكل ، وقيل عائد على الذبح لغير الله ، وبالأحاديث الواردة في الأمر بالتسمية عند الذبيحة والصيد كحديثي عدي بن حاتم وأبي ثعلبة " إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه ، فكل ما أمسك عليك " وهما في الصحيحين ، وحديث رافع بن خديج " ما أنهر الدم ، وذكر اسم الله عليه ، فكلوه " وهو في الصحيحين أيضاً ، وحديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للجن " لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه " رواه مسلم ، وحديث جندب بن سفيان البجلي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من ذبح قبل أن يصلي ، فليذبح مكانها أخرى ، ومن لم يكن ذبح ، حتى صلينا ، فليذبح باسم الله " أخرجاه ، وعن عائشة رضي الله عنها أن ناساً قالوا يا رسول الله إن قوماً يأتوننا باللحم ، لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا ؟ قال " سموا عليه أنتم ، وكلوا " قالت وكانوا حديثي عهد بالكفر . رواه البخاري ، ووجه الدلالة أنهم فهموا أن التسمية لا بد منها ، وخشوا أن لا تكون وجدت من أولئك لحداثة إسلامهم ، فأمرهم بالاحتياط بالتسمية عند الأكل لتكون كالعوض عن المتروكة عند الذبح ، إن لم تكن وجدت ، وأمرهم بإجراء أحكام المسلمين على السداد ، والله أعلم . والمذهب الثاني في المسألة أنه لا يشترط التسمية ، بل هي مستحبة ، فإن تركت عمداً أو نسياناً لا يضر ، وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله ، وجميع أصحابه ، ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل نقلت عنه . وهو رواية عن الإمام مالك ، ونص على ذلك أشهب بن عبد العزيز من أصحابه ، وحكي عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وعطاء بن أبي رباح ، والله أعلم . وحمل الشافعي الآية الكريمة { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } على ما ذبح لغير الله ، كقوله تعالى { أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } الأنعام 145 وقال ابن جريج عن عطاء { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } قال ينهى عن ذبائح كانت تذبحها قريش للأوثان ، وينهى عن ذبائح المجوس ، وهذا المسلك الذي طرقه الإمام الشافعي قوي ، وقد حاول بعض المتأخرين أن يقويه بأن جعل الواو في قوله { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } حالية ، أي لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه في حال كونه فسقاً ، ولا يكون فسقاً حتى يكون قد أهل به لغير الله . ثم ادعى أن هذا متعين ، ولا يجوز أن تكون الواو عاطفة لأنه يلزم منه عطف جملة اسمية خبرية ، على جملة فعلية طلبية ، وهذا ينتقض عليه بقوله { وَإِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰۤ أَوْلِيَآئِهِمْ } فإنها عاطفة لا محالة ، فإن كانت الواو التي ادعى أنها حالية صحيحة على ما قال ، امتنع عطف هذه عليها ، فإن عطفت على الطلبية ، ورد عليه ما أورد على غيره ، وإن لم تكن الواو حالية ، بطل ما قال من أصله ، والله أعلم ، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن المغيرة ، أنبأنا جرير ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في الآية { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } قال هي الميتة . ثم رواه عن أبي زرعة ، عن يحيى بن بكير ، عن ابن لهيعة ، عن عطاء ، وهو ابن السائب ، به ، وقد استدل لهذا المذهب ، بما رواه أبو داود في المراسيل من حديث ثور بن يزيد ، عن الصلت السدوسي مولى سويد بن منجوف ، أحد التابعين الذين ذكرهم أبو حاتم بن حبان في كتاب الثقات ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ذبيحة المسلم حلال ، ذكر اسم الله ، أو لم يذكر ، إنه إن ذكر ، لم يذكر إلا اسم الله " وهذا مرسل ، يعضد بما رواه الدارقطني عن ابن عباس أنه قال " إذا ذبح المسلم ، ولم يذكر اسم الله ، فليأكل ، فإن المسلم فيه اسم من أسماء الله " واحتج البيهقي أيضاً بحديث عائشة رضي الله عنها المتقدم أن ناساً قالوا يا رسول الله إن قوماً حديثي عهد بجاهلية ، يأتوننا بلحم ، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا ؟ فقال " سموا أنتم وكلوا " قال فلو كان وجود التسمية شرطاً ، لم يرخص لهم إلا مع تحققها ، والله أعلم . المذهب الثالث في المسألة إن ترك البسملة على الذبيحة نسياناً ، لم يضر ، وإن تركها عمداً ، لم تحل ، هذا هو المشهور من مذهب الإمام مالك وأحمد بن حنبل ، وبه يقول أبو حنيفة وأصحابه ، وإسحاق بن راهويه ، وهو محكي عن علي ، وابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، وطاوس ، والحسن البصري ، وأبي مالك ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وجعفر بن محمد ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن ، ونقل الإمام أبو الحسن المرغيناني ، في كتابه « الهداية » الإجماع قبل الشافعي على تحريم متروك التسمية عمداً ، فلهذا قال أبو يوسف والمشايخ لو حكم حاكم بجواز بيعه ، لم ينفذ لمخالفة الإجماع ، وهذا الذي قاله غريب جداً ، وقد تقدم نقل الخلاف عمن قبل الشافعي ، والله أعلم . وقال الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله من حرم ذبيحة الناسي ، فقد خرج من قول جميع الحجة ، وخالف الخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، يعني ما رواه الحافظ أبو بكر البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا أبو أمية الطرسوسي ، حدثنا محمد بن يزيد ، حدثنا معقل بن عبيد الله ، عن عمرو بن دينار عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " المسلم يكفيه اسمه ، إن نسي أن يسمي حين يذبح ، فليذكر اسم الله وليأكله " وهذا الحديث رفعه خطأ ، أخطأ فيه معقل بن عبيد الله الجزري ، فإنه ، وإن كان من رجال مسلم ، إلا أن سعيد بن منصور ، وعبد الله بن الزبير الحميدي ، روياه عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو ، عن أبي الشعثاء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، من قوله ، فزادا في إسناده أبا الشعثاء ، ووقفاه ، وهذا أصح ، نص عليه البيهقي وغيره من الحفاظ ، ثم نقل ابن جرير وغيره عن الشعبي ، ومحمد بن سيرين ، أنهما كرها متروك التسمية نسياناً ، والسلف يطلقون الكراهة على التحريم كثيراً ، والله أعلم ، إلا أن من قاعدة ابن جرير أنه لا يعتبر قول الواحد ولا الاثنين مخالفاً لقول الجمهور ، فيعده إجماعاً ، فليعلم هذا ، والله الموفق . قال ابن جرير حدثنا ابن وكيع ، حدثنا أبو أسامة ، عن جَهِير بن يزيد ، قال سئل الحسن ، سأله رجل أتيت بطير كذا ، فمنه ما قد ذبح ، فذكر اسم الله عليه ، ومنه ما نسي أن يذكر اسم الله عليه ، واختلط الطير ، فقال الحسن كله كله ، قال وسألت محمد بن سيرين فقال قال الله { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } واحتج لهذا المذهب بالحديث المروي من طرق عند ابن ماجة عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وأبي ذر ، وعقبة بن عامر ، وعبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " وفيه نظر ، والله أعلم ، وقد روى الحافظ أبو أحمد بن عدي من حديث مروان بن سالم القرقساني ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت الرجل منا يذبح ، وينسى أن يسمي ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اسم الله على كل مسلم " ولكن هذا إسناده ضعيف ، فإن مروان بن سالم القرقساني أبا عبد الله الشامي ضعيف تكلم فيه غير واحد من الأئمة ، والله أعلم . وقد أفردت هذه المسألة على حدة ، وذكرت مذاهب الأئمة ومأخذهم وأدلتهم ووجه الدلالات والمناقضات والمعارضات ، والله أعلم . قال ابن جرير وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية هل نسخ من حكمها شيء أم لا ؟ فقال بعضهم لم ينسخ منها شيء ، وهي محكمة فيما عنيت به ، وعلى هذا قول مجاهد وعامة أهل العلم ، وروي عن الحسن البصري وعكرمة ما حدثنا به ابن حميد ، حدثنا يحيى بن واضح ، عن الحسين بن واقد ، عن عكرمة والحسن البصري ، قالا قال الله { فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِئَايَاتِهِ مُؤْمِنِينَ } الأنعام 118 وقال { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } فنسخ واستثنى من ذلك ، فقال { وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ } المائدة 5 وقال ابن أبي حاتم قرئ على العباس بن الوليد بن يزيد ، حدثنا محمد بن شعيب ، أخبرني النعمان ، يعني ابن المنذر ، عن مكحول ، قال أنزل الله في القرآن { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } ثم نسخها الرب ، ورحم المسلمين فقال { ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ } المائدة 5 فنسخها بذلك ، وأحل طعام أهل الكتاب . ثم قال ابن جرير والصواب أنه لا تعارض ، بين حل طعام أهل الكتاب ، وبين تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه ، وهذا الذي قاله صحيح ، ومن أطلق من السلف النسخ هاهنا ، فإنما أراد التخصيص ، والله سبحانه وتعالى أعلم . وقوله تعالى { وَإِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَـٰدِلُوكُمْ } قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق ، قال قال رجل لابن عمر إن المختار يزعم أنه يوحى إليه ، قال صدق ، وتلا هذه الآية { وَإِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰۤ أَوْلِيَآئِهِمْ } وحدثنا أبي حدثنا أبو حذيفة ، حدثنا عكرمة بن عمار ، عن أبي زميل ، قال كنت قاعداً عند ابن عباس وحج المختار بن أبي عبيد ، فجاءه رجل فقال يا ابن عباس زعم أبو إسحاق أنه أوحي إليه الليلة ، فقال ابن عباس صدق ، فنفرتُ ، وقلت يقول ابن عباس صدق ؟ فقال ابن عباس هما وحيان وحي الله ، ووحي الشيطان ، فوحي الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم ووحي الشيطان إلى أوليائه ، ثم قرأ { وَإِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰۤ أَوْلِيَآئِهِمْ } وقد تقدم عن عكرمة في قوله { يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً } نحو هذا . وقوله { لِيُجَـٰدِلُوكُمْ } قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عمران بن عيينة عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، قال خاصمت اليهود النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا نأكل مما قتلنا ، ولا نأكل مما قتل الله ؟ فأنزل الله { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } هكذا رواه مرسلاً ، ورواه أبو داود متصلاً ، فقال حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا عمران بن عيينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا نأكل مما قتلنا ، ولا نأكل مما قتل الله فأنزل الله { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } الآية ، وكذا رواه ابن جرير عن محمد بن عبد الأعلى ، وسفيان بن وكيع ، كلاهما عن عمران بن عيينة به . ورواه البزار عن محمد بن موسى الحرشي ، عن عمران بن عيينة به ، وهذا فيه نظر ، من وجوه ثلاثة أحدها أن اليهود لا يرون إباحة الميتة حتى يجادلوا الثاني أن الآية من الأنعام ، وهي مكية الثالث أن هذا الحديث رواه الترمذي عن محمد بن موسى الحرشي ، عن زياد بن عبد الله البكائي ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، ورواه الترمذي بلفظ أتى ناس النبي صلى الله عليه وسلم فذكره ، وقال حسن غريب ، وروي عن سعيد بن جبير مرسلاً ، وقال الطبراني حدثنا علي بن المبارك حدثنا زيد بن المبارك ، حدثنا موسى بن عبد العزيز ، حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة عن ابن عباس ، قال لما نزلت { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } أرسلت فارس إلى قريش ، أن خاصموا محمداً ، وقولوا له فما تذبح أنت بيدك بسكين فهو حلال ، وما ذبح الله عز وجل بشمشير من ذهب ، يعني الميتة ، فهو حرام ؟ فنزلت هذه الآية { وَإِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ } أي وإن الشياطين من فارس ، ليوحون إلى أوليائهم من قريش . وقال أبو داود حدثنا محمد ابن كثير ، أخبرنا إسرائيل ، حدثنا سماك عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله { وَإِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰۤ أَوْلِيَآئِهِمْ } يقولون ما ذبح الله فلا تأكلوه ، وما ذبحتم أنتم فكلوه ، فأنزل الله { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } ورواه ابن ماجه وابن أبي حاتم ، عن عمرو بن عبد الله ، عن وكيع ، عن إسرائيل به ، وهذا إسناد صحيح ، ورواه ابن جرير من طرق متعددة ، عن ابن عباس ، وليس فيه ذكر اليهود ، فهذا هو المحفوظ لأن الآية مكية ، واليهود لا يحبون الميتة ، وقال ابن جرير حدثنا ابن وكيع ، حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } إلى قوله { لِيُجَـٰدِلُوكُمْ } قال يوحي الشياطين إلى أوليائهم تأكلون مما قتلتم ، ولا تأكلون مما قتل الله ؟ وفي بعض ألفاظه ، عن ابن عباس أن الذي قتلتم ذكر اسم الله عليه ، وأن الذي قد مات ، لم يذكر اسم الله عليه . وقال ابن جريج قال عمرو بن دينار عن عكرمة إن مشركي قريش كاتبوا فارس على الروم ، وكاتبتهم فارس ، فكتبت فارس إليهم إن محمداً وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله ، فما ذبح الله بسكين من ذهب ، فلا يأكلونه ، وما ذبحوه هم ، يأكلونه ، فكتب بذلك المشركون إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء ، فأنزل الله { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَـٰدِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } ونزلت { يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً } الأنعام 112 وقال السدي في تفسير هذه الآية إن المشركين قالوا للمسلمين كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضاة الله ، فما قتل الله فلا تأكلونه ، وما ذبحتم أنتم تأكلونه ؟ فقال الله تعالى { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ } في أكل الميتة { إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } وهكذا قاله مجاهد ، والضحاك ، وغير واحد من علماء السلف . وقوله تعالى { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } أي حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره ، فقدمتم عليه غيره ، فهذا هو الشرك ، كقوله تعالى { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَـٰرَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } التوبة 31 الآية ، وقد روى الترمذي في تفسيرها عن عدي بن حاتم ، أنه قال يا رسول الله ما عبدوهم ، فقال " بلى ، إنهم أحلوا لهم الحرام ، وحرموا عليهم الحلال ، فاتبعوهم ، فذلك عبادتهم إياهم " .