Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 1-3)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الله تعالى مادحاً نفسه الكريمة ، وحامداً لها على خلقه السموات والأرض قراراً لعباده ، وجعل الظلمات والنور منفعة لعباده في ليلهم ونهارهم ، فجمع لفظ الظلمات ووحد لفظ النور ، لكونه أشرف ، كقوله تعالى { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ } النحل 48 وكما قال في آخر هذه السورة { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } الأنعام 153 ثم قال تعالى { ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } ، أي ومع هذا كلِّه كَفَر به بعضُ عباده ، وجعلوا له شريكاً وعِدْلاً ، واتخذوا له صاحبةً وولداً ، تعالى الله عز وجل عن ذلك عُلُوّاً كبيراً . وقولهُ تعالى { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ } يعني أباهم آدم الذي هو أصلُهم ومنه خرجوا فانتشروا في المشارق والمغارب . وقولُه { ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ } قال سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس { ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً } ، يعني الموت ، { وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ } يعني الآخرة ، وهكذا رُوِي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جُبَير ، والحسن وقَتادَة والضحَّاكِ ، وزيد بن أسلَم وعَطِيَّة والسدي ، ومقاتل بن حيان وغيرهم . وقولُ الحسن في رواية عنه { ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً } وهو ما بين أن يخلق إلى أن يموت { وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ } وهو ما بين أن يموت إلى أن يبعث ، هو يرجع إلى ما تقدم ، وهو تقدير الأجل الخاص ، وهو عمر كل إنسان ، وتقدير الأجل العام ، وهو عمر الدنيا بكمالها ، ثم انتهائها وانقضائها وزوالها ، ! وانتقالها والمصير إلى الدار الآخرة . وعن ابن عباس ومجاهد { ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً } يعني مدة الدنيا ، { وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ } يعني عمر الإنسان إلى حين موته ، وكأنه مأخوذ من قوله تعالى بعد هذا { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ } الأنعام 60 الآية . وقال عطية عن ابن عباس { ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً } يعني النوم ، يقبض فيه الروح ، ثم يرجع إلى صاحبه عند اليقظة ، { وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ } يعني أجل موت الإنسان ، وهذا قول غريب . ومعنى قوله { عِندَهُ } أي لا يعلمه إلا هو ، كقوله { إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ } الأعراف 178 وكقوله { ٱيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَـٰهَا فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَـٰهَآ } النازعات42 - 44 وقوله تعالى { ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ } قال السدي وغيره يعني تشكون في أمر الساعة . وقوله تعالى { وَهُوَ ٱللَّهُ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَفِى ٱلأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ } اختلف مفسرو هذه الآية على أقوال ، بعد اتفاقهم على إنكار قول الجهمية الأول القائلين - تعالى عن قولهم علواً كبيراً - بأنه في كل مكان ، حيث حملوا الآية على ذلك ، فالأصح من الأقوال أنه المدعو الله في السموات وفي الأرض ، أي يعبده ويوحده ويقرّ له بالإلهية من في السموات ومن في الأرض ، ويسمونه الله ويدعونه رغباً ورهباً ، إلا من كفر من الجن والإنس ، وهذه الآية على هذا القول ، كقوله تعالى { وَهُوَ ٱلَّذِى فِى ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِى ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ } أي هو إله من في السماء ، وإله من في الأرض ، وعلى هذا فيكون قوله { يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ } خبراً ، أو حالاً . والقول الثاني أن المراد أنه الله الذي يعلم ما في السموات وما في الأرض ، من سر وجهر ، فيكون قوله يعلم ، متعلقاً بقوله { فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَفِى ٱلأَرْضِ } تقديره وهو الله يعلم سركم وجهركم ، في السموات وفي الأرض ، ويعلم ما تكسبون ، والقول الثالث أن قوله { وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ } وقف تام ، ثم استأنف الخبر ، فقال { وَفِي ٱلأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ } وهذا اختيار ابن جرير ، وقوله { وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ } أي جميع أعمالكم خيرها وشرها .