Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 60-62)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى إنه يتوفى عباده في منامهم بالليل ، وهذا هو التوفي الأصغر ، كما قال تعالى { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ } آل عمران 55 وقال تعالى { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا وَٱلَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِـهَا فَيُمْسِكُ ٱلَّتِى قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } الزمر 42 فذكر في هذه الآية الوفاتين الكبرى والصغرى ، وهكذا ذكر في هذا المقام حكم الوفاتين الصغرى ثم الكبرى ، فقال { وَهُوَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ } أي ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنهار ، وهذه جملة معترضة دلت على إحاطة علمه تعالى بخلقه في ليلهم ونهارهم ، في حال سكونهم وحال حركتهم ، كما قال { سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيْلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } الرعد 10 وكما قال تعالى { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } أي في الليل ، { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } أي في النهار كما قال { وَجَعَلْنَا ٱلَّيْلَ لِبَاساً وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً } النبأ10 - 11 ولهذا قال تعالى ههنا { وَهُوَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ } أي ما كسبتم من الأعمال فيه { ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ } أي في النهار ، قاله مجاهد وقتادة والسدي ، وقال ابن جريج عن عبد الله بن كثير ، أي في المنام ، والأول أظهر ، وقد روى ابن مردويه بسند عن الضحاك ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " مع كل إنسان ملك إذا نام أخذ نفسه وُيَردّ إليه ، فإن أذن الله في قبض روحه ، قبضه ، وإلا رد إليه " فذلك قوله { وَهُوَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْلِ } . وقوله { لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مّسَمًّى } يعني به أجل كل واحد من الناس ، { ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ } أي يوم القيامة ، { ثُمَّ يُنَبِّئُكُم } أي فيخبركم { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي ويجزيكم على ذلك ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر . وقوله { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } أي وهو الذي قهر كل شيء ، وخضع لجلاله وعظمته وكبريائه كل شيء ، { وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً } أي من الملائكة يحفظون بدن الإنسان كقوله { لَهُ مُعَقِّبَـٰتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } الرعد 11 وحفظة يحفظون عمله ويحصونه كقوله { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَـٰفِظِينَ } الانفطار 10 الآية ، وكقوله { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ق 17 - 18 ، وقوله { إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ } ق 17 الآية . وقوله { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ } أي احتضر ، وحان أجله ، { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } أي ملائكة موكلون بذلك ، قال ابن عباس وغير واحد لملك الموت أعوان من الملائكة ، يخرجون الروح من الجسد ، فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم ، وسيأتي عند قوله تعالى { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ } إبراهيم 27 الأحاديث المتعلقة بذلك الشاهدة لهذا المروي عن ابن عباس وغيره بالصحة ، وقوله { وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ } أي في حفظ روح المتوفى ، بل يحفظونها ، وينزلونها حيث شاء الله عز وجل ، إن كان من الأبرار ، ففي عليين ، وإن كان من الفجار ، ففي سجين ، عياذاً بالله من ذلك . وقوله { ثُمَّ رُدُّوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلَـٰهُمُ ٱلْحَقِّ } قال ابن جرير { ثُمَّ رُدُّوۤاْ } يعني الملائكة { إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلَـٰهُمُ ٱلْحَقِّ } ونذكر هاهنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا ابن أبي ذئب ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن سعيد بن يسار ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الميت تحضره الملائكة ، فإذا كان الرجل الصالح ، قالوا اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، اخرجي حميدة ، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان ، فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج ، ثم يعرج بها إلى السماء ، فيستفتح لها ، فيقال من هذا ؟ فيقال فلان ، فيقال مرحباً بالنفس الطيبة ، كانت في الجسد الطيب ، ادخلي حميدة ، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان ، فلا تزال يقال لها ذلك حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل ، وإذا كان الرجل السوء ، قالوا اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ، اخرجي ذميمة ، وأبشري بحميم وغساق ، وآخر من شكله أزواج ، فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج ، ثم يعرج بها إلى السماء ، فيستفتح لها فيقال من هذا ؟ فيقال فلان ، فيقال لا مرحباً بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ، ارجعي ذميمة فإنه لا يفتح لك أبواب السماء ، فترسل من السماء ثم تصير إلى القبر ، فيجلس الرجل الصالح ، فيقال له مثل ما قيل في الحديث الأول ، ويجلس الرجل السوء ، فيقال له مثل ما قيل في الحديث الثاني " هذا حديث غريب ، ويحتمل أن يكون المراد بقوله { ثُمَّ رُدُّوۤاْ } يعني الخلائق كلهم إلى الله يوم القيامة ، فيحكم فيهم بعدله ، كما قال { قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَـٰتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } الواقعة49 - 50 وقال { وَحَشَرْنَـٰهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } الكهف 47 إلى قوله { وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } ولهذا قال { مَوْلَـٰهُمُ ٱلْحَقِّ أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَـٰسِبِينَ } .