Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 55-59)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى وكما بيّنا ما تقدم بيانه من الحجج والدلائل ، على طريق الهداية والرشاد وذم المجادلة والعناد ، { وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَـٰتِ } أي التي يحتاج المخاطبون إلى بيانها ، { وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي ولتظهر طريق المجرمين المخالفين للرسل ، وقرىء وليستبينَ سبيلَ المجرمين أي ولتستبين يا محمد أو يا مخاطب سبيل المجرمين ، وقوله { قُلْ إِنِّى عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّى } أي على بصيرة من شريعة الله التي أوحاها الله إلي { وَكَذَّبْتُم بِهِ } أي بالحق الذي جاءني من الله { مَا عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ } أي من العذاب { إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ } أي إنما يرجع أمر ذلك إلى الله ، إن شاء عجل لكم ما سألتموه من ذلك ، وإن شاء أنظركم وأجلكم لما له في ذلك من الحكمة العظيمة ، ولهذا قال { يَقُصُّ ٱلْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَـٰصِلِينَ } أي وهو خير من فصل القضايا ، وخير الفاتحين في الحكم بين عباده ، وقوله { قُل لَّوْ أَنَّ عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِىَ ٱلأَمْرُ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ } أي لو كان مرجع ذلك إلي ، لأوقعت لكم ما تستحقونه من ذلك ، والله أعلم بالظالمين ، فإن قيل فما الجمع بين هذه الآية وبين ما ثبت في الصحيحين ، من طريق ابن وهب ، عن يونس ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ فقال " لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منه يوم العقبة ، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال ، فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب ، فرفعت رأسي ، فإذا أنا بسحابة قد ظللتني ، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام ، فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، قال فناداني ملك الجبال ، وسلم علي ، ثم قال يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك ، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت ، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم ، من يعبد الله لا يشرك به شيئاً " وهذا لفظ مسلم ، فقد عرض عليه عذابهم واستئصالهم ، فاستأنى بهم ، وسأل لهم التأخير لعل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك به شيئاً ، فما الجمع بين هذا وبين قوله تعالى في هذه الآية الكريمة ، { قُل لَّوْ أَنَّ عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِىَ ٱلأَمْرُ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّـٰلِمِينَ } فالجواب والله أعلم ، أن هذه الآية دلت على أنه لوكان إليه وقوع العذاب ، الذي يطلبونه حال طلبهم له ، لأوقعه بهم ، وأما الحديث فليس فيه أنهم سألوه وقوع العذاب بهم ، بل عرض عليه ملك الجبال أنه إن شاء أطبق عليهم الأخشبين ، وهما جبلا مكة اللذان يكتنفانها جنوباً وشمالاً ، فلهذا استأنى بهم ، وسأل الرفق لهم . وقوله تعالى { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ } قال البخاري حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ } " لقمان 34 وفي حديث عمر أن جبريل حين تبدى له في صورة أعرابي ، فسأل عن الإيمان والإسلام والإحسان ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فيما قاله له " خمس لا يعلمهن إلا الله " ثم قرأ { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } لقمان 34 الآية . وقوله { وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } أي يحيط علمه الكريم بجميع الموجودات بريها وبحريها ، لا يخفى عليه من ذلك شيء ، ولا مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، وما أحسن ما قال الصرصري @ فَلا يَخْفى عليه الذَّرُّ إِمَّا تراءى لِلنَّواظِرِ أَوْ تَوارى @@ وقوله { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا } أي ويعلم الحركات حتى من الجمادات ، فما ظنك بالحيوانات ، ولا سيما المكلفون منهم من جنهم وإنسهم ؟ كما قال تعالى { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ } غافر 19 . وقال ابن أبي حاتم ، حدثنا أبي ، حدثنا الحسن بن الربيع ، حدثنا أبو الأحوص ، عن سعيد ابن مسروق ، حدثنا حسان النمري ، عن ابن عباس ، في قوله { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا } قال ما من شجرة في بر ولا بحر ، إلا وملك موكل بها ، يكتب ما يسقط منها ، رواه ابن أبي حاتم ، وقوله { وَلاَ حَبَّةٍ فِى ظُلُمَـٰتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ } قال ابن أبي حاتم حدثنا عبد الله ابن محمد بن عبد الرحمن بن المسور الزهري ، حدثنا مالك بن سعير ، حدثنا الأعمش ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث ، قال ما في الأرض من شجرة ولا مغرز إبرة ، إلا وعليها ملك موكل ، يأتي الله بعلمها ، رطوبتها إذا رطبت ، ويبوستها إذا يبست ، وكذا رواه ابن جرير عن أبي الخطاب زياد ابن عبد الله الحساني ، عن مالك بن سعير به . ثم قال ابن أبي حاتم ذكر عن أبي حذيفة ، حدثنا سفيان عن عمرو بن قيس ، عن رجل ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال خلق الله النون ، وهي الدواة ، وخلق الألواح ، فكتب فيها أمر الدنيا حتى ينقضي ما كان من خلق مخلوق ، أو رزق حلال أو حرام ، أو عمل بر أو فجور ، وقرأ هذه الآية { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا } إلى آخر الآية ، قال محمد بن إسحاق عن يحيى بن النضر ، عن أبيه ، سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص ، يقول إن تحت الأرض الثالثة وفوق الرابعة من الجن ، مالو أنهم ظهروا ، يعني لكم ، لم تروا معهم نوراً ، على كل زاوية من زوايا الأرض خاتم من خواتيم الله عز وجل ، على كل خاتم ملك من الملائكة ، يبعث الله عز وجل إليه في كل يوم ملكاً من عنده أن احتفظ بما عندك .