Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 95-97)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى أنه فالق الحب والنوى ، أي يشقه في الثرى ، فتنبت منه الزروع على اختلاف أصنافها من الحبوب والثمار على اختلاف ألوانها وأشكالها وطعومها ، من النوى ، ولهذا فسر قوله { فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ } بقوله { يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَىِّ } أي يخرج النبات الحي من الحب والنوى ، الذي هو كالجماد الميت كقوله { وَءَايَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَـٰهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ } يس 33 إلى قوله { وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } يس 36 وقوله { وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَىِّ } معطوف على { فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ } ثم فسره ، ثم عطف عليه قوله { وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَىِّ } وقد عبروا عن هذا وهذا بعبارات كلها متقاربة مؤدية للمعنى ، فمن قائل يخرج الدجاجة من البيضة ، وعكسه ، ومن قائل يخرج الولد الصالح من الفاجر ، وعكسه ، وغير ذلك من العبارات التي تنتظمها الآية وتشملها . ثم قال تعالى { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ } أي فاعل هذا هو الله وحده لا شريك له { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } أي كيف تصرفون عن الحق ، وتعدلون عنه إلى الباطل ، فتعبدون معه غيره ؟ وقوله { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلَّيْلَ سَكَناً } أي خالق الضياء والظلام ، كما قال في أول السورة { وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَـٰتِ وَٱلنُّورَ } الأنعام 1 أي فهو سبحانه يفلق ظلام الليل عن غرة الصباح ، فيضيء الوجود ، ويستنير الأفق ، ويضمحل الظلام ، ويذهب الليل بسواده وظلام رواقه ، ويجيء النهار بضيائه وإشراقه كقوله { يُغْشِي ٱلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا } الأعراف 54 فبين تعالى قدرته على خلق الأشياء المتضادة المختلفة ، الدالة على كمال عظمته وعظيم سلطانه ، فذكر أنه فالق الإصباح ، وقابل ذلك بقوله { وَجَعَلَ ٱلَّيْلَ سَكَناً } أي ساجياً مظلماً لتسكن فيه الأشياء ، كما قال { وَٱلضُّحَىٰ وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } الضحى 1 - 2 وقال { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } وقال الليل1 - 2 وقال { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّـٰهَا وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَـٰهَا } الشمس3 - 4 وقال صهيب الرومي رضي الله عنه لامرأته ، وقد عاتبته في كثرة سهره إن الله جعل الليل سكناً إلا لصهيب ، إن صهيباً إذا ذكر الجنة ، طال شوقه ، وإذا ذكر النار ، طار نومه ، رواه ابن أبي حاتم . وقوله { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً } أي يجريان بحساب مقنن مقدر ، لا يتغير ولا يضطرب ، بل لكل منهما منازل يسلكها في الصيف والشتاء ، فيترتب على ذلك اختلاف الليل والنهار طولاً وقصراً ، كما قال { هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ } يونس 5 الآية ، وكما قال { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَآ أَن تدْرِك ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلْلَّيْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } يس40 وقال { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَٰتٍ بِأَمْرِهِ } الأعراف 54 . وقوله { ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } أي الجميع جار بتقدير العزيز الذي لا يمانع ولا يخالف ، العليم بكل شيء ، فلا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، وكثيراً ما إذا ذكر الله تعالى خلق الليل والنهار ، والشمس والقمر ، يختم الكلام بالعزة والعلم كما ذكر في هذه الآية ، وكما في قوله { وَءَايَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ وَٱلشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } يس37 - 38 . ولما ذكر خلق السموات والأرض وما فيهن ، في أول سورة حم السجدة ، قال { وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَـٰبِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } فصلت 12 وقوله تعالى { وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِى ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } قال بعض السلف من اعتقد في هذه النجوم غير ثلاث ، فقد أخطأ ، وكذب على الله سبحانه أن الله جعلها زينة للسماء ، ورجوماً للشياطين ، ويهتدى بها في الظلمات البر والبحر . وقوله { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَـٰتِ } أي قد بيناها ووضحناها { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي يعقلون ، ويعرفون الحق ، ويتجنبون الباطل .