Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 66, Ayat: 11-12)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذا مثل ضربه الله للمؤمنين أنهم لا تضرهم مخالطة الكافرين إذا كانوا محتاجين إليهم كما قال تعالى { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَىْءٍ إِلاَ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً } آل عمران 28 قال قتادة كان فرعون أعتى أهل الأرض وأكفرهم ، فوالله ما ضرّ امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربها ليعلموا أن الله تعالى حكم عدل لا يؤاخذ أحداً إلا بذنبه . وقال ابن جرير حدثنا إسماعيل بن حفص الأبُلّيّ ، حدثنا محمد بن جعفر عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان قال كانت امرأة فرعون تعذب في الشمس ، فإذا انصرف عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها ، وكانت ترى بيتها في الجنة ، ثم رواه عن محمد بن عبيد المحاربي عن أسباط بن محمد عن سليمان التيمي به . ثم قال ابن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية عن هشام الدستوائي ، حدثنا القاسم بن أبي بزة قال كانت امرأة فرعون تسأل من غلب ؟ فيقال غلب موسى وهارون ، فتقول آمنت برب موسى وهارون ، فأرسل إليها فرعون ، فقال انظروا أعظم صخرة تجدونها ، فإن مضت على قولها فألقوها عليها ، وإن رجعت عن قولها فهي امرأتي ، فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء فأبصرت بيتها في الجنة ، فمضت على قولها وانتزعت روحها ، وألقيت الصخرة على جسد ليس فيه روح ، فقولها { رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ } قالت العلماء اختارت الجار قبل الدار ، وقد ورد شيء من ذلك في حديث مرفوع { وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ } أي خلصني منه فإني أبرأ إليك من عمله { وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } وهذه المرأة هي آسية بنت مزاحم رضي الله عنها . وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال كان إيمان امرأة فرعون من قِبَل إيمان امرأة خازن فرعون ، وذلك أنها جلست تمشط ابنة فرعون فوقع المشط من يدها ، فقالت تعس من كفر بالله ! فقالت لها بنت فرعون ولك رب غير أبي ؟ قالت ربي ورب أبيك ورب كل شيء الله ، فلطمتها بنت فرعون وضربتها وأخبرت أباها ، فأرسل فرعون إليها فقال تعبدين رباً غيري ؟ قالت نعم ، ربي وربك ورب كل شيء الله ، وإياه أعبد ، فعذّبها فرعون وأوتد لها أوتاداً فشد يديها ورجليها ، وأرسل عليها الحيات ، فكانت كذلك ، فأتى عليها يوماً ، فقال لها ما أنت منتهية ؟ فقالت له ربي وربك ورب كل شيء الله . فقال لها إني ذابح ابنك في فيك إن لم تفعلي ، فقالت له اقض ما أنت قاض فذبح ابنها في فيها ، وإن روح ابنها بشرها فقال لها أبشري يا أمّه فإن لك عند الله من الثواب كذا وكذا ، فصبرت ، ثم أتى عليها فرعون يوماً آخر فقال لها مثل ذلك ، فقالت له مثل ذلك ، فذبح ابنها الآخر في فيها ، فبشرها روحه أيضاً وقال لها اصبري يا أمه فإن لك عند الله من الثواب كذا وكذا ، قال وسمعت امرأة فرعون كلام روح ابنها الأكبر ثم الأصغر ، فآمنت امرأة فرعون ، وقبض الله روح امرأة خازن فرعون ، وكشف الغطاء عن ثوابها ومنزلتها وكرامتها في الجنّة لامرأة فرعون حتى رأت ، فازدادت إيماناً ويقيناً وتصديقاً ، فأطلع الله فرعون على إيمانها ، فقال للملأ ما تعلمون من آسية بنت مزاحم ؟ فأثنوا عليها ، فقال لهم إنها تعبد غيري ، فقالوا له اقتلها ، فأوتد لها أوتاداً ، فشدّ يديها ورجليها ، فدعت آسية ربها فقالت { رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ } ، فوافق ذلك أن حضرها فرعون ، فضحكت حين رأت بيتها في الجنة ، فقال فرعون ألا تعجبون من جنونها ؟ إنا نعذبها وهي تضحك ، فقبض الله روحها في الجنة رضي الله عنها . وقوله تعالى { وَمَرْيَمَ ٱبْنَةَ عِمْرَانَ ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } أي حفظته وصانته ، والإحصان هو العفاف والحرية ، { فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا } أي بواسطة الملك ، وهو جبريل فإن الله بعثه إليها فتمثل لها في صورة بشر سويّ ، وأمره الله تعالى أن ينفخ بفيه في جيب درعها ، فنزلت النفخة فولجت في فرجها ، فكان منه الحمل بعيسى عليه السلام ، ولهذا قال تعالى { فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَـٰتِ رَبَّهَا وَكُتُبِهِ } أي بقدره وشرعه { وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَـٰنِتِينَ } . قال الإمام أحمد حدثنا يونس ، حدثنا داود بن أبي الفرات عن علباء عن عكرمة عن ابن عباس قال خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعة خطوط ، وقال " أتدرون ما هذا ؟ " قالوا الله ورسوله أعلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ، ومريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون " وقد ثبت في الصحيحين من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن مرة الهمداني عن أبي موسى الأشعري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال " كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد ، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " وقد ذكرنا طرق هذه الأحاديث وألفاظها والكلام عليها في قصة عيسى بن مريم عليهما السلام في كتابنا البداية والنهاية ولله الحمد والمنّة ، وذكرنا ما ورد من الحديث من أنها تكون هي وآسية بنت مزاحم من أزواجه عليه السلام في الجنة عند قوله تعالى { ثَيِّبَـٰتٍ وَأَبْكَاراً } آخر تفسير سورة التحريم ، ولله الحمد والمنّة .