Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 168-170)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يذكر تعالى أنه فرقهم في الأرض أمماً ، أي طوائف وفرقاً كما قال { وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِى إِسْرَٰءِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلأَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا } الإسراء 104 { مِّنْهُمُ ٱلصَّـٰلِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ } أي فيهم الصالح وغير ذلك كقول الجن { وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّـٰلِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } الجن 11 { وَبَلَوْنَـٰهُمْ } أي اختبرناهم { بِٱلْحَسَنَـٰتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ } أي بالرخاء والشدة ، والرغبة والرهبة ، والعافية والبلاء { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } ثم قال تعالى { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } الآية ، يقول تعالى فخلف من بعد ذلك الجيل الذين فيهم الصالح والطالح خلف آخر لا خير فيهم ، وقد ورثوا دراسة الكتاب ، وهو التوراة . وقال مجاهد هم النصارى ، وقد يكون أعم من ذلك { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } أي يعتاضون عن بذل الحق ونشره بعرض الحياة الدنيا ، ويسوفون أنفسهم ، ويعدونها بالتوبة ، وكلما لاح لهم مثل الأول وقعوا فيه ، ولهذا قال { وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ } وكما قال سعيد بن جبير يعملون الذنب ، ثم يستغفرون الله منه ، ويعترفون لله ، فإن عرض ذلك الذنب أخذوه . وقال مجاهد في قوله تعالى { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } قال لا يشرف لهم شيء من الدنيا إلا أخذوه ، حلالاً كان أو حراماً ، ويتمنون المغفرة { وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ } ، وقال قتادة في الآية إي والله لخلف سوء { وَرِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } بعد أنبيائهم ورسلهم ، أورثهم الله ، وعهد إليهم ، وقال الله تعالى في آية أخرى { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَـوٰةَ } الآية ، قال { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } تمنوا على الله أماني وغرة يغترون بها { وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ } لا يشغلهم شيء ، ولا ينهاهم شيء عن ذلك ، كلما هف لهم شيء من الدنيا أكلوه ، لا يبالون حلالاً كان أو حراماً ، وقال السدي قوله { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } إلى قوله { وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ } قال كانت بنو إسرائيل لا يستقضون قاضياً إلا ارتشى في الحكم ، وإن خيارهم اجتمعوا ، فأخذ بعضهم على بعض العهود أن لا يفعلوا ولا يرتشوا ، فجعل الرجل منهم إذا استقضى ارتشى ، فيقال له ما شأنك ترتشي في الحكم ؟ فيقول سيغفر لي ، فتطعن عليه البقية الآخرون من بني إسرائيل فيما صنع ، فإذا مات أو نزع وجعل مكانه رجل ممن كان يطعن عليه فيرتشي ، يقول وإن يأت الآخرين عرض الدنيا يأخذوه ، قال الله تعالى { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ ٱلْكِتَـٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } الآية ، يقول تعالى منكراً عليهم في صنيعهم هذا ، مع ما أخذ عليهم من الميثاق ليبينن الحق للناس ولا يكتمونه كقوله { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } آل عمران 187 وقال ابن جريج قال ابن عباس { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ ٱلْكِتَـٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } قال فيما يتمنون على الله من غفران ذنوبهم التي لا يزالون يعودون فيها ، ولا يتوبون منها ، وقوله تعالى { وَٱلدَّارُ ٱلأَخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } يرغبهم في جزيل ثوابه ، ويحذرهم من وبيل عقابه ، أي وثوابي وما عندي خير لمن اتقى المحارم ، وترك هوى نفسه ، وأقبل على طاعة ربه { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } يقول أفليس لهؤلاء الذين اعتاضوا بعرض الدنيا عما عندي عقل يردعهم عما هم فيه من السفه والتبذير ؟ ثم أثنى تعالى على من تمسك بكتابه الذي يقوده إلى اتباع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم كما هو مكتوب فيه ، فقال تعالى { وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَـٰبِ } أي اعتصموا به ، واقتدوا بأوامره ، وتركوا زواجره { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ } .