Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 189-190)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ينبه تعالى على أنه خلق جميع الناس من آدم عليه السلام . وأنه خلق منه زوجته حواء ، ثم انتشر الناس منهما كما قال تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ } الحجرات 13 وقال تعالى { يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } النساء 1 الآية ، وقال في هذا الآية الكريمة { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } أي ليألفها ويسكن بها كقوله تعالى { وَمِنْ ءايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } الروم 21 فلا ألفة بين روحين أعظم مما بين الزوجين ، ولهذا ذكر تعالى أن الساحر ربما توصل بكيده إلى التفرقة بين المرء وزوجه { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا } أي وطئها { حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا } وذلك أول الحمل لا تجد المرأة له ألماً ، إنما هي النطفة ثم العلقة ثم المضغة . وقوله { فَمَرَّتْ بِهِ } قال مجاهد استمرت بحمله ، وروي عن الحسن وإبراهيم النخعي والسدي نحوه ، وقال ميمون بن مهران عن أبيه استخفته . وقال أيوب سألت الحسن عن قوله { فَمَرَّتْ بِهِ } قال لو كنت رجلاً عربياً ، لعرفت ما هي ؟ إنما هي فاستمرت به ، وقال قتادة { فَمَرَّتْ بِهِ } استبان حملها . وقال ابن جرير معناه استمرت بالماء ، قامت به وقعدت . وقال العوفي عن ابن عباس استمرت به ، فشكت أحملت أم لا ؟ { فَلَمَّآ أَثْقَلَت } أي صارت ذات ثقل بحملها . وقال السدي كبر الولد في بطنها { دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ ءَاتَيْتَنَا صَـٰلِحاً } أي بشراً سوياً كما قال الضحاك عن ابن عباس أشفقا أن يكون بهيمة ، وكذلك قال أبو البختري وأبو مالك أشفقا أن لا يكون إنساناً . وقال الحسن البصري لئن آتيتنا غلاماً { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ فَلَمَّآ ءَاتَـٰهُمَا صَـٰلِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَـٰهُمَا فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } يذكر المفسرون ههنا آثاراً وأحاديث سأوردها وأبين ما فيها ، ثم نتبع ذلك ببيان الصحيح في ذلك إن شاء الله وبه الثقة ، قال الإمام أحمد في مسنده حدثنا عبد الصمد حدثنا عمر بن إبراهيم ، حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لما ولدت حواء ، طاف بها إبليس ، وكان لا يعيش لها ولد ، فقال سميه عبد الحارث ، فإنه يعيش ، فسمته عبد الحارث ، فعاش ، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره " وهكذا رواه ابن جرير عن محمد بن بشار عن بندار عن عبد الصمد بن عبد الوارث به ، ورواه الترمذي في تفسير هذه الآية عن محمد بن المثنى عن عبد الصمد به ، وقال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم ، ورواه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه ، ورواه الحاكم في مستدركه من حديث عبد الصمد مرفوعاً ، ثم قال هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه . ورواه الإمام أبو محمد بن أبي حاتم في تفسيره عن أبي زرعة الرازي عن هلال بن فياض عن عمر بن إبراهيم به مرفوعاً . وكذا رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره من حديث شاذ بن فياض عن عمر بن إبراهيم به مرفوعاً ، قلت وشاذ هو هلال ، وشاذ لقبه ، والغرض أن هذا الحديث معلول من ثلاثة أوجه أحدها أن عمر بن إبراهيم هذا هو البصري ، وقد وثقه ابن معين ، ولكن قال أبو حاتم الرازي لا يحتج به ، ولكن رواه ابن مردويه من حديث المعتمر عن أبيه عن الحسن عن سمرة مرفوعاً ، فالله أعلم . الثاني أنه قد روي من قول سمرة نفسه ليس مرفوعاً ، كما قال ابن جرير حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر عن أبيه ، حدثنا بكر بن عبد الله بن سليمان التيمي عن أبي العلاء بن الشخير عن سمرة بن جندب قال سمى آدم ابنه عبد الحارث . الثالث أن الحسن نفسه فسر الآية بغير هذا ، فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعاً ، لما عدل عنه . قال ابن جرير حدثنا ابن وكيع حدثنا سهل بن يوسف عن عمرو عن الحسن { جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَـٰهُمَا } قال كان هذا في بعض أهل الملل ، ولم يكن بآدم . وحدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن ثور عن معمر قال قال الحسن عنى بها ذرية آدم ومن أشرك منهم بعده ، يعني { جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَـٰهُمَا } . وحدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد عن قتادة قال كان الحسن يقول هم اليهود ، والنصارى ، رزقهم الله أولاداً ، فهودوا ونصروا ، وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن رضي الله عنه أنه فسر الآية بذلك ، وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية ، ولو كان هذا الحديث عنده محفوظاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عدل عنه هو ولا غيره ، ولا سيما مع تقواه لله وورعه ، فهذا يدلك على أنه موقوف على الصحابي ، ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهل الكتاب ممن آمن منهم مثل كعب أو وهب بن منبه وغيرهما ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله ، إلا أننا برئنا من عهدة المرفوع ، والله أعلم . فأما الآثار ، فقال محمد بن إسحاق بن يسار عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال كانت حواء تلد لآدم عليه السلام أولاداً ، فيعبدهم لله ، ويسميهم عبد الله ، وعبيد الله ، ونحو ذلك ، فيصيبهم الموت ، فأتاهما إبليس ، فقال إنكما لو سميتماه بغير الذي تسميانه به ، لعاش ، قال فولدت له رجلاً ، فسماه عبد الحارث ، ففيه أنزل الله يقول { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ } - إلى قوله - { جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَـٰهُمَا } إلى آخر الآية ، وقال العوفي عن ابن عباس قوله في آدم { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ } شكت أحملت أم لا ؟ { فَلَمَّآ أَثْقَلَت دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ ءَاتَيْتَنَا صَـٰلِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ } فأتاهما الشيطان ، فقال هل تدريان ما يولد لكم ؟ أم هل تدريان ما يكون ، أبهيمة أم لا ؟ وزين لهما الباطل ، إنه غوي مبين ، وقد كانت قبل ذلك ولدت ولدين فماتا ، فقال لهما الشيطان إنكما إن لم تسمياه بي لم يخرج سوياً ، ومات كما مات الأول ، فسميا ولدهما عبد الحارث ، فذلك قول الله تعالى { فَلَمَّآ ءَاتَـٰهُمَا صَـٰلِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَـٰهُمَا } الآية . وقال عبد الله بن المبارك عن شريك عن خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله { فَلَمَّآ ءَاتَـٰهُمَا صَـٰلِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَـٰهُمَا } قال قال الله تعالى { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا } آدم { حَمَلَتْ } فأتاهما إبليس لعنه الله فقال إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة لتطيعاني ، أو لأجعلن له قرني أيل فيخرج من بطنك فيشقه ، ولأفعلن ولأفعلن يخوفهما ، فسمِّياه عبد الحارث ، فأبيا أن يطيعاه ، فخرج ميتاً ، ثم حملت الثانية ، فأتاهما أيضاً فقال أنا صاحبكما الذي فعلت ما فعلت ، لتفعلن أو لأفعلن - يخوفهما - فأبيا أن يطيعاه ، فخرج ميتاً ، ثم حملت الثالثة ، فأتاهما أيضاً ، فذكر لهما ، فأدركهما حب الولد ، فسمَّياه عبد الحارث ، فذلك قوله تعالى { جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَـٰهُمَا } رواه ابن أبي حاتم . وقد تلقى هذا الأثر عن ابن عباس جماعة من أصحابه كمجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة ، ومن الطبقة الثانية قتادة والسدي وغير واحد من السلف ، وجماعة من الخلف ، ومن المفسرين من المتأخرين جماعات لا يحصون كثرة ، وكأنه - والله أعلم - أصله مأخوذ من أهل الكتاب ، فإن ابن عباس رواه عن أبي بن كعب ، كما رواه ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا أبو الجماهر ، حدثنا سعيد ، يعني ابن بشير ، عن عقبة عن قتادة عن مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال لما حملت حواء ، أتاها الشيطان فقال لها أتطيعيني ويسلم لك ولدك ؟ سميه عبد الحارث ، فلم تفعل ، فولد فمات ، ثم حملت ، فقال لها مثل ذلك ، فلم تفعل ، ثم حملت الثالثة ، فجاءها فقال إن تطيعيني يسلم ، وإلا فإنه يكون بهيمة ، فهيبهما ، فأطاعا . وهذه الآثار يظهر عليها - والله أعلم - أنها من آثار أهل الكتاب ، وقد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا حدثكم أهل الكتاب ، فلا تصدقوهم ، ولا تكذبوهم " ثم أخبارهم على ثلاثة أقسام ، فمنها ما علمنا صحته بما دل عليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسوله ، ومنها ما علمنا كذبه بما دل على خلافه من الكتاب والسنة أيضاً ، ومنها ما هو مسكوت عنه ، فهو المأذون في روايته بقوله عليه السلام " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " وهو الذي لا يصدق ولا يكذب لقوله " فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم " وهذا الأثر هو من القسم الثاني ، أو الثالث ، فيه نظر ، فأما من حدث به من صحابي أو تابعي ، فإنه يراه من القسم الثالث ، وأما نحن ، فعلى مذهب الحسن البصري رحمه الله في هذا ، وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء ، وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته ، وهو كالاستطراد من ذكر الشخص إلى الجنس ، كقوله { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَـٰبِيحَ } الملك 5 الآية ، ومعلوم أن المصابيح ، وهي النجوم التي زينت بها السماء ، ليست هي التي يرمى بها ، وإنما هذا استطراد من شخص المصابيح إلى جنسها ، ولهذا نظائر في القرآن ، والله أعلم .