Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 70, Ayat: 1-7)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } فيه تضمين دلّ عليه حرف الباء ، كأنه مقدر استعجل سائل بعذاب واقع كقوله تعالى { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } الحج 47 أي وعذابه واقع لا محالة . قال النسائي حدثنا بشر بن خالد ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا سفيان عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } قال النضر بن الحارث بن كلدة . وقال العوفي عن ابن عباس { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } قال ذلك سؤال الكفار عن عذاب الله ، وهو واقع بهم ، وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى { سَأَلَ سَآئِلٌ } دعا داع بعذاب واقع يقع في الآخرة ، قال وهو قولهم { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } الأنفال 32 وقال ابن زيد وغيره { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } أي وادٍ في جهنم يسيل يوم القيامة بالعذاب ، وهذا القول ضعيف بعيد عن المراد ، والصحيح الأول لدلالة السياق عليه . وقوله تعالى { وَاقِعٍ لِّلْكَـٰفِرِينَ } أي مرصد معد للكافرين ، وقال ابن عباس واقع جاءٍ { لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } أي لا دافع له إذا أراد الله كونه ، ولهذا قال تعالى { مِّنَ ٱللَّهِ ذِي ٱلْمَعَارِجِ } قال الثوري عن الأعمش عن رجل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى { ذِي ٱلْمَعَارِجِ } قال ذو الدرجات . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ذي المعارج ، يعني العلوّ والفواضل . وقال مجاهد ذي المعارج معارج السماء . وقال قتادة ذي الفواضل والنعم . وقوله تعالى { تَعْرُجُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ } قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة تعرج تصعد ، وأمّا الروح ، فقال أبو صالح هم خلق من خلق الله يشبهون الناس ، وليسوا ناساً ، قلت ويحتمل أن يكون المراد به جبريل ، ويكون من باب عطف الخاص على العام ، ويحتمل أن يكون اسم جنس لأرواح بني آدم فإنها إذا قبضت ، يصعد بها إلى السماء كما دلّ عليه حديث البراء ، وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث المنهال عن زاذان عن البراء مرفوعاً ، الحديث بطوله في قبض الروح الطيبة ، قال فيه " فلا يزال يصعد بها من سماء إلى سماء حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله " والله أعلم بصحته ، فقد تكلم في بعض رواته ، ولكنه مشهور ، وله شاهد في حديث أبي هريرة فيما تقدم من رواية الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه من طريق ابن أبي الدنيا ، عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عنه ، وهذا إسناد رجاله على شرط الجماعة ، وقد بسطنا لفظه عند قوله تعالى { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلأَخِرَةِ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّـٰلِمِينَ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ } إبراهيم 27 . وقوله تعالى { فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } فيه أربعة أقوال أحدها أن المراد بذلك مسافة ما بين العرش العظيم إلى أسفل السافلين ، وهو قرار الأرض السابعة ، وذلك مسيرة خمسين ألف سنة ، هذا ارتفاع العرش عن المركز الذي في وسط الأرض السابعة ، وكذلك اتّساع العرش من قطر إلى قطر مسيرة خمسين ألف سنة ، وإنه من ياقوتة حمراء كما ذكره ابن أبي شيبة في كتاب صفة العرش . وقد قال ابن أبي حاتم عند هذه الآية حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا حكام عن عمرو بن معمر بن معروف عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى { فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } قال منتهى أمره من أسفل الأرضين إلى منتهى أمره من فوق السموات خمسين ألف سنة { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ } السجدة5 يعني بذلك حين ينزل الأمر من السماء إلى الأرض ، ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد ، فذلك مقداره ألف سنة لأن ما بين السماء والأرض مقدار مسيرة خمسمئة عام . وقد رواه ابن جرير عن ابن حميد عن حكام بن سلم عن عمرو بن معروف عن ليث عن مجاهد قوله ، لم يذكر ابن عباس . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا إسحاق بن منصور ، حدثنا نوح المؤدب عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس قال غلظ كل أرض خمسمئة عام ، وبين كل أرض إلى أرض خمسمئة عام ، فذلك سبعة آلاف عام ، وغلظ كل سماء خمسمئة عام ، وبين السماء إلى السماء خمسمئة عام ، فذلك أربعة عشر ألف عام ، وبين السماء السابعة وبين العرش مسيرة ستة وثلاثين ألف عام ، فذلك قوله تعالى { فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } . القول الثاني أن المراد بذلك مدة بقاء الدنيا منذ خلق الله هذا العالم إلى قيام الساعة ، قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة ، أخبرنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا ابن أبي زائدة عن ابن جريج عن مجاهد في قوله تعالى { فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } قال الدنيا عمرها خمسون ألف سنة ، وذلك عمرها يوم سماها الله عزّ وجلّ يوماً { تَعْرُجُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ } قال اليوم الدنيا . وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن الحكم بن أبان عن عكرمة { فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } قال الدنيا من أولها إلى آخرها مقدار خمسين ألف سنة ، لا يدري أحد كم مضى ، ولا كم بقي ، إلا الله عزّ وجلّ . القول الثالث أنه اليوم الفاصل بين الدنيا والآخرة ، وهو قول غريب جداً . قال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا بهلول بن المورق ، حدثنا موسى بن عبيدة ، أخبرني محمد بن كعب { فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } قال هو يوم الفصل بين الدنيا والآخرة . القول الرابع أن المراد بذلك يوم القيامة . قال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس { فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } قال يوم القيامة . وإسناده صحيح ، ورواه الثوري عن سماك بن حرب عن عكرمة في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة يوم القيامة . وكذا قال الضحاك وابن زيد . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى { تَعْرُجُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } قال هو يوم القيامة ، جعله الله تعالى على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة ، وقد وردت أحاديث في معنى ذلك . قال الإمام أحمد حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم { فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } ما أطول هذا اليوم فقال رسول الله " والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن ، حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا " ورواه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج به ، إلا أن دراجاً وشيخه أبا الهيثم ضعيفان ، والله أعلم . وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي عمر العداني قال كنت عند أبي هريرة ، فمر رجل من بني عامر بن صعصعة ، فقيل له هذا أكثر عامري مالاً ، فقال أبو هريرة ردوه إلي ، فردوه ، فقال نبئت أنك ذو مال كثير ، فقال العامري إي والله إن لي لمئة حمراً ، ومئة أدماً ، حتى عدّ من ألوان الإبل وأفنان الرقيق ورباط الخيل ، فقال أبو هريرة إياك وأخفاف الإبل ، وأظلاف النعم ، يردد ذلك عليه ، حتى جعل لون العامري يتغير ، فقال ما ذاك يا أبا هريرة ؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من كانت له إبل لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها " قلنا يا رسول الله ما نجدتها ورسلها ؟ قال " في عسرها ويسرها ، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت ، وأكثره وأسمنه وآشره ، حتى يبطح لها بقاع قرقر ، فتطؤه بأخفاقها ، فإذا جاوزته أخراها ، أعيدت عليه أولاها ، في يوم كام مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين الناس ، فيرى سبيله ، وإذا كانت له بقر لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها ، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت ، وأكثره وأسمنه وآشره ، ثم يبطح لها بقاع قرقر ، فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها ، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها ، ليس فيها عقصاء ولا عضباء ، إذا جاوزته أخراها ، أعيدت عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين الناس ، فيرى سبيله ، وإذا كانت له غنم ، لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها ، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأسمنه وآشره ، حتى يبطح لها بقاع قرقر ، فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها ، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها ، ليس فيها عقصاء ولا عضباء ، إذا جاوزته أخراها ، أعيدت عليه أولاها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين الناس ، فيرى سبيله " فقال العامري وما حق الإبل يا أبا هريرة ؟ قال أن تعطي الكريمة ، وتمنح الغزيرة ، وتفقر الظهر ، وتسقي الإبل ، وتطرق الفحل . وقد رواه أبو داود من حديث شعبة ، والنسائي من حديث سعيد بن أبي عروبة ، كلاهما عن قتادة به . طريق أخرى لهذا الحديث قال الإمام أحمد حدثنا أبو كامل ، حدثنا حماد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه ، إلا جعل صفائح يحمى عليها في نار جهنم ، فتكوى بها جبهته وجنبه وظهره ، حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ، ثم يرى سبيله ، إما إلى الجنّة ، وإما إلى النار " وذكر بقية الحديث في الغنم والإبل كما تقدم ، وفيه " الخيل لثلاثة لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر " إلى آخره . ورواه مسلم في صحيحه بتمامه منفرداً به دون البخاري من حديث سهيل عن أبيه عن أبي هريرة ، وموضع استقصاء طرقه وألفاظه في كتاب الزكاة من كتاب الأحكام ، والغرض من إيراده ههنا قوله " حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة " وقد روى ابن جرير عن يعقوب عن ابن علية ، وعبد الوهاب عن أيوب عن ابن أبي مليكة قال سأل رجل ابن عباس عن قوله { فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } فقال ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ؟ قال فاتهمه ، فقال إنما سألتك لتحدثني ، قال هما يومان ذكرهما الله ، والله أعلم بهما ، وأكره أن أقول في كتاب الله بما لا أعلم . وقوله تعالى { فَٱصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً } أي اصبر يا محمد على تكذيب قومك لك ، واستعجالهم العذاب استبعاداً لوقوعه كقوله { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ } الشورى 18 ولهذا قال { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً } أي وقوع العذاب ، وقيام الساعة ، يراه الكفرة بعيد الوقوع ، بمعنى مستحيل الوقوع { وَنَرَاهُ قَرِيباً } أي المؤمنون يعتقدون كونه قريباً ، وإن كان له أمد لا يعلمه إلا الله عزّ وجلّ ، لكن كل ما هوآت فهو قريب ، وواقع لا محالة .