Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 70, Ayat: 36-44)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى منكراً على الكفار الذين كانوا في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وهم مشاهدون له ، ولما أرسله الله به من الهدى ، وما أيّده الله به من المعجزات الباهرات ، ثم هم مع هذا كله فارون منه ، متفرقون عنه ، شاردون يميناً وشمالاً فرقاً فرقاً ، وشيعاً شيعاً ، كما قال تعالى { فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } الآية المدثر 49 ــــ 51 . وهذه مثلها فإنه قال تعالى { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } أي فما لهؤلاء الكفار الذين عندك يا محمد مهطعين ؟ أي مسرعين نافرين منك ، كما قال الحسن البصري مهطعين ، أي منطلقين ، { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } واحدها عزة ، أي متفرقين ، وهو حال من مهطعين ، أي في حال تفرّقهم واختلافهم كما قال الإمام أحمد في أهل الأهواء فهم مخالفون للكتاب ، مختلفون في الكتاب ، متفقون على مخالفة الكتاب . وقال العوفي عن ابن عباس { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } ، قال قبلك ينظرون ، { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } قال العزين العصب من الناس ، عن يمين وشمال معرضين يستهزئون به ، وقال ابن جرير حدثنا ابن بشار حدثنا أبو عامر ، حدثنا قرة عن الحسن في قوله { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } أي متفرقين يأخذون يميناً وشمالاً يقولون ما قال هذا الرجل ؟ وقال قتادة { مُهْطِعِينَ } عامدين { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } أي فرقاً حول النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يرغبون في كتاب الله ، ولا في نبيه صلى الله عليه وسلم . وقال الثوري وشعبة وعبثر بن القاسم وعيسى بن يونس ومحمد بن فضيل ووكيع ويحيى القطان وأبو معاوية ، كلهم عن الأعمش ، عن المسيب بن رافع ، عن تميم بن طرفة ، عن جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم حلق ، فقال " ما لي أراكم عزين ؟ " رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير من حديث الأعمش به ، وقال ابن جرير حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا مؤمل ، حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم حلق فقال " ما لي أراكم عزين ؟ " وهذا إسناده جيد ، ولم أره في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه . وقوله تعالى { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلاَّ } أي أيطمع هؤلاء والحالة هذه من فرارهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفارهم عن الحق أن يدخلوا جنات النعيم ؟ كلا بل مأواهم جهنم . ثم قال تعالى مقرّراً لوقوع المعاد والعذاب بهم ، الذي أنكروا كونه ، واستبعدوا وجوده ، مستدلاً عليهم بالبداءة التي الإعادة أهون منها ، وهم معترفون بها ، فقال تعالى { إِنَّا خَلَقْنَـٰهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } أي من المني الضعيف كما قال تعالى { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } المرسلات 20 وقال { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَـٰنُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ } الطارق 5 ــــ 10 ثم قال تعالى { فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَـٰرِقِ وَٱلْمَغَـٰرِبِ } أي الذي خلق السموات والأرض ، وجعل مشرقاً ومغرباً ، وسخر الكواكب تبدو من مشارقها وتغيب في مغاربها . وتقدير الكلام ليس الأمر كما تزعمون أن لا معاد ولا حساب ، ولا بعث ولا نشور ، بل كل ذلك واقع وكائن لا محالة ، ولهذا أتى بلا في ابتداء القسم ليدلّ على أن المقسم عليه نفي ، وهو مضمون الكلام ، وهو الرد على زعمهم الفاسد في نفي يوم القيامة . وقد شاهدوا من عظيم قدرة الله تعالى ما هو أبلغ من إقامة القيامة ، وهو خلق السموات والأرض ، وتسخير ما فيهما من المخلوقات من الحيوانات والجمادات وسائر صنوف الموجودات ، ولهذا قال تعالى { لَخَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } غافر 57 . وقال تعالى { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } الأحقاف 33 وقال تعالى في الآية الأخرى { أَوَلَـيْسَ ٱلَذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ بِقَـٰدِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ ٱلْخَلَّـٰقُ ٱلْعَلِيمُ إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } يس 81 ــــ 82 وقال ههنا { فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَـٰرِقِ وَٱلْمَغَـٰرِبِ إِنَّا لَقَـٰدِرُونَ عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ } أي يوم القيامة نعيدهم بأبدان خير من هذه فإن قدرته صالحة لذلك ، { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } أي بعاجزين كما قال تعالى { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَـٰنُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَىٰ قَـٰدِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّىَ بَنَانَهُ } القيامة 3 ــــ 4 وقال تعالى { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَـٰلَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِى مَا لاَ تَعْلَمُونَ } الواقعة 60 ــــ 61 واختار ابن جرير { عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ } أي أمة تطيعنا ولا تعصينا ، وجعلها كقوله { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } محمد 38 والمعنى الأول أظهر لدلالة الآيات الأخر عليه ، والله سبحانه وتعالى أعلم . ثم قال تعالى { فَذَرْهُمْ } أي يا محمد { يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ } أي دعهم في تكذيبهم وكفرهم وعنادهم { حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِى يُوعَدُونَ } أي فسيعلمون غب ذلك ، ويذوقون وباله { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ } أي يقومون من القبور إذا دعاهم الرب تبارك وتعالى لموقف الحساب ينهضون سراعاً ، كأنهم إلى نصب يوفضون ، قال ابن عباس ومجاهد والضحاك إلى علم يسعون ، وقال أبو العالية ويحيى بن أبي كثير إلى غاية يسعون إليها ، وقد قرأ الجمهور " إلى نَصْب " بفتح النون وإسكان الصاد ، وهو مصدر بمعنى المنصوب ، وقرأ الحسن البصري " نُصُب " بضم النون والصاد ، وهو الصنم ، أي كأنهم في إسراعهم إلى الموقف كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النصب إذا عاينوه ، يوفضون يبتدرون أيهم يستلمه أول . وهذا مروي عن مجاهد ويحيى بن أبي كثير ومسلم البطين وقتادة والضحاك والربيع بن أنس وأبي صالح وعاصم بن بهدلة وابن زيد وغيرهم ، وقوله تعالى { خَـٰشِعَةً أَبْصَـٰرُهُمْ } أي خاضعة { تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } أي في مقابلة ما استكبروا في الدنيا عن الطاعة { ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِى كَانُواْ يُوعَدُونَ } . آخر تفسير سورة سأل سائل ، ولله الحمد والمنة .