Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 70, Ayat: 19-35)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مخبراً عن الإنسان وما هو مجبول عليه من الأخلاق الدنيئة { إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ خُلِقَ هَلُوعاً } ثم فسره بقوله { إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً } أي إذا مسه الضر ، فزع وجزع وانخلع قلبه من شدة الرعب ، وأيس أن يحصل له بعد ذلك خير ، { وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً } أي إذا حصلت له نعمة من الله ، بخل بها على غيره ، ومنع حق الله تعالى فيها . وقال الإمام أحمد حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا موسى بن علي بن رباح ، سمعت أبي يحدث عن عبد العزيز بن مروان بن الحكم قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " شر ما في رجل شح هالع وجبن خالع " ورواه أبو داود عن عبد الله بن الجراح عن أبي عبد الرحمن المقري به ، وليس لعبد العزيز عنده سواه ، ثم قال تعالى { إِلاَّ ٱلْمُصَلِّينَ } أي الإنسان من حيث هو متصف بصفات الذم ، إلا من عصمه الله ، ووفقه وهداه إلى الخير ، ويسّر له أسبابه ، وهم المصلون . { ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ } قيل معناه يحافظون على أوقاتها وواجباتها ، قاله ابن مسعود ومسروق وإبراهيم النخعي ، وقيل المراد بالدوام ههنا السكون والخشوع كقوله تعالى { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ } المؤمنون 1 ــــ 2 قاله عقبة بن عامر ، ومنه الماء الدائم وهو الساكن الراكد ، وهذا يدل على وجوب الطمأنينة في الصلاة فإن الذي لا يطمئن في ركوعه وسجوده ليس بدائم على صلاته لأنه لم يسكن فيها ، ولم يدم ، بل ينقرها نقر الغراب ، فلا يفلح في صلاته ، وقيل المراد بذلك الذين إذا عملوا عملاً ، داوموا عليه ، وأثبتوه كما جاء في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ " وفي لفظ " ما دام عليه صاحبه " قالت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً ، داوم عليه ، وفي لفظ أثبته ، وقال قتادة في قوله تعالى { ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ } ذكر لنا أن دانيال عليه السلام نعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال يصلون صلاة ، لو صلاَّها قوم نوح ، ما غرقوا ، أو قوم عاد ، ما أرسلت عليهم الريح العقيم ، أو ثمود ، ما أخذتهم الصيحة ، فعليكم بالصلاة فإنها خلق للمؤمنين حسن . وقوله تعالى { وَٱلَّذِينَ فِىۤ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } أي في أموالهم نصيب مقرر لذوي الحاجات ، وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة الذاريات . وقوله تعالى { وَٱلَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } أي يوقنون بالمعاد والحساب والجزاء ، فهم يعملون عمل من يرجو الثواب ويخاف العقاب . ولهذا قال تعالى { وَٱلَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ } أي خائفون وجلون { إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ } أي لا يأمنه أحد ممن عقل عن الله أمره ، إلا بأمان من الله تبارك وتعالى . وقوله تعالى { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ } أي يكفونها عن الحرام ، ويمنعونها أن توضع في غير ما أذن الله فيه ، ولهذا قال تعالى { إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ } أي من الإماء { فَأِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } وقد تقدم تفسير هذا في أول سورة { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } المؤمنون 1 بما أغنى عن إعادته ههنا . وقوله تعالى { وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَٰعُونَ } أي إذا اؤتمنوا لم يخونوا ، وإذا عاهدوا لم يغدروا ، وهذه صفات المؤمنين ، وضدها صفات المنافقين كما ورد في الحديث الصحيح " آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان " وفي رواية " إذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر " وقوله تعالى { وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَـٰدَٰتِهِم قَائِمُونَ } أي محافظون عليها ، لا يزيدون فيها ولا ينقصون منها ، ولا يكتمونها { وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ ءَاثِمٌ قَلْبُهُ } البقرة 283 . ثم قال تعالى { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } أي على مواقيتها وأركانها وواجباتها ومستحباتها ، فافتتح الكلام بذكر الصلاة ، واختتمه بذكرها ، فدلّ على الاعتناء بها والتنويه بشرفها كما تقدم في أول سورة { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } المؤمنون 1 سواء ، ولهذا قال هناك { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَٰرِثُونَ ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } المؤمنون 10 ــــ 11 وقال ههنا { أُوْلَـٰئِكَ فِى جَنَّـٰتٍ مُّكْرَمُونَ } أي مكرمون بأنواع الملاذ والمسار .