Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 72, Ayat: 1-7)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبر قومه أن الجن استمعوا القرآن ، فآمنوا به وصدقوه وانقادوا له ، فقال تعالى { قُلْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانَاً عَجَباً يَهْدِىۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ } أي إلى السداد والنجاح ، { فَـآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً } وهذا المقام شبيه بقوله تعالى { وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْءَانَ } وقد قدمنا الأحاديث الواردة في ذلك بما أغنى عن إعادتها ههنا . وقوله تعالى { وَأَنَّهُ تَعَـٰلَىٰ جَدُّ رَبِّنَا } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى { جَدُّ رَبِّنَا } أي فعله وأمره وقدرته . وقال الضحاك عن ابن عباس جد الله آلاؤه وقدرته ونعمته على خلقه ، وروي عن مجاهد وعكرمة جلال ربنا ، وقال قتادة تعالى جلاله وعظمته وأمره ، وقال السدي تعالى أمر ربنا . وعن أبي الدرداء ومجاهد أيضاً وابن جريج تعالى ذكره . وقال سعيد بن جبير { تَعَـٰلَىٰ جَدُّ رَبِّنَا } أي تعالى ربنا ، فأما ما رواه ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري ، حدثنا سفيان عن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال الجد أب ، ولو علمت الجن أن في الإنس جداً ، ما قالوا تعالى جد ربنا ، فهذا إسناد جيد ، ولكن لست أفهم ما معنى هذا الكلام ، ولعله قد سقط شيء ، والله أعلم . وقوله تعالى { مَا ٱتَّخَذَ صَـٰحِبَةً وَلاَ وَلَداً } أي تعالى عن اتخاذ الصاحبة والأولاد ، أي قالت الجن تنزّه الرب جل جلاله حين أسلموا وآمنوا بالقرآن عن اتخاذ الصاحبة والولد ، ثم قالوا { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً } قال مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي { سَفِيهُنَا } يعنون إبليس { شَطَطاً } قال السدي عن أبي مالك { شَطَطاً } أي جوراً ، وقال ابن زيد أي ظلماً كبيراً ، ويحتمل أن يكون المراد بقولهم سفيهنا ، اسم جنس لكل من زعم أن لله صاحبة أو ولداً ، ولهذا قالوا { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا } أي قبل إسلامه { عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً } أي باطلاً وزوراً ، ولهذا قالوا { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } أي ما حسبنا أن الإنس والجن يتمالؤون على الكذب على الله تعالى في نسبة الصاحبة والولد إليه ، فلما سمعنا هذا القرآن وآمنا به ، علمنا أنهم كانوا يكذّبون على الله في ذلك . وقوله تعالى { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادوهُمْ رَهَقاً } أي كنا نرى أن لنا فضلاً على الإنس لأنهم كانوا يعوذون بنا إذا نزلوا وادياً أو مكاناً موحشاً من البراري وغيرها ، كما كانت عادة العرب في جاهليتها يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان أن يصيبهم بشيء يسوءُهم ، كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته ، فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم ، زادوهم رهقاً ، أي خوفاً وإرهاباً وذعراً ، حتى بقوا أشد منهم مخافة ، وأكثر تعوّذاً بهم ، كما قال قتادة { فَزَادوهُمْ رَهَقاً } أي إثماً ، وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة ، وقال الثوري عن منصور عن إبراهيم { فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } أي ازدادت الجن عليهم جرأة . وقال السدي كان الرجل يخرج بأهله ، فيأتي الأرض فينزلها فيقول أعوذ بسيد هذا الوادي من الجن أن أضر أنا فيه ، أو مالي أو ولدي أو ماشيتي ، قال قتادة فإذا عاذ بهم من دون الله ، رهقتهم الجن الأذى عند ذلك . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا أبي ، حدثنا الزبير بن الخريت عن عكرمة قال كان الجن يفرقون من الإنس كما يفرق الإنس منهم أو أشد ، فكان الإنس إذا نزلوا وادياً ، هرب الجن ، فيقول سيد القوم نعوذ بسيد أهل هذا الوادي ، فقال الجن نراهم يفرقون منا كما نفرق منهم ، فدنوا من الإنس فأصابوهم بالخبل والجنون ، فذلك قول الله عز وجل { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } أي إثماً . وقال أبو العالية والربيع وزيد بن أسلم { رَهَقاً } أي خوفاً . وقال العوفي عن ابن عباس { فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } أي إثماً ، وكذا قال قتادة . وقال مجاهد زاد الكفار طغياناً . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا فروة بن المغراء الكندي ، حدثنا القاسم بن مالك ــــ يعني المزني ــــ عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبيه عن كردم بن أبي السائب الأنصاري قال خرجت مع أبي من المدينة في حاجة ، وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فآوانا المبيت إلى راعي غنم ، فلما انتصف الليل ، جاء ذئب فأخذ حملاً من الغنم ، فوثب الراعي فقال يا عامر الوادي جارك ، فنادى مناد لا نراه يقول يا سرحان أرسله . فأتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة . وأنزل الله تعالى على رسوله بمكة { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } ثم قال وروي عن عبيد بن عمير ومجاهد وأبي العالية والحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي نحوه ، وقد يكون هذا الذئب الذي أخذ الحمل ، وهو ولد الشاة ، كان جنياً حتى يرهب الإنسي ويخاف منه ، ثم رده عليه لما استجار به ليضله ويهينه ويخرجه عن دينه ، والله أعلم . وقوله تعالى { وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً } أي لن يبعث الله بعد هذه المدة رسولاً ، قاله الكلبي وابن جرير .