Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 72, Ayat: 8-10)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عن الجن حين بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن ، وكان من حفظه له أن السماء ملئت حرساً شديداً ، وحفت من سائر أرجائها ، وطردت الشياطين عن مقاعدها التي كانت تقعد فيها قبل ذلك لئلا يسترقوا شيئاً من القرآن ، فيلقوه على ألسنة الكهنة ، فيلتبس الأمر ويختلط ، ولا يدرى من الصادق ، وهذا من لطف الله تعالى بخلقه ، ورحمته بعباده ، وحفظه لكتابه العزيز ، ولهذا قال الجن { وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَـٰهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَـٰعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلأَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } أي من يروم أن يسترق السمع ، يجد له شهاباً مرصداً له ، لا يتخطاه ولا يتعداه ، بل يمحقه ويهلكه . { وَأَنَّا لاَ نَدْرِىۤ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِى ٱلأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً } أي ما ندري هذا الأمر الذي قد حدث في السماء ، لا ندري أشر أريد بمن في الأرض ، أم أراد بهم ربهم رشداً ؟ وهذا من أدبهم في العبارة ، حيث أسندوا الشر إلى غير فاعل ، والخير أضافوه إلى الله عزّ وجل . وقد ورد في الصحيح " والشر ليس إليك " وقد كانت الكواكب يرمى بها قبل ذلك ، ولكن ليس بكثير ، بل في الأحيان بعد الأحيان ، كما في حديث ابن عباس بينما نحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ رمي بنجم فاستنار ، فقال " ما كنتم تقولون في هذا ؟ " فقلنا كنا نقول يولد عظيم ، يموت عظيم ، فقال " ليس كذلك ، ولكن الله إذا قضى الأمر في السماء " وذكر تمام الحديث ، وقد أوردناه في سورة سبأ بتمامه ، وهذا هو السبب الذي حملهم على تطلب السبب في ذلك ، فأخذوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها ، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بأصحابه في الصلاة ، فعرفوا أن هذا هو الذي حفظت من أجله السماء ، فآمن من آمن منهم ، وتمرّد في طغيانه من بقي كما تقدم حديث ابن عباس في ذلك عند قوله في سورة الأحقاف { وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْءَانَ } الآية الأحقاف 29 . ولا شك أنه لما حدث هذا الأمر ، وهو كثرة الشهب في السماء والرمي بها ، هال ذلك الإنس والجن ، وانزعجوا له ، وارتاعوا لذلك ، وظنوا أن ذلك لخراب العالم ، كما قال السدي لم تكن السماء تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي ، أو دين لله ظاهر ، فكانت الشياطين قبل محمد صلى الله عليه وسلم قد اتخذت المقاعد في السماء الدنيا ، يستمعون ما يحدث في السماء من أمر ، فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً ، رجموا ليلة من الليالي ، ففزع لذلك أهل الطائف ، فقالوا هلك أهل السماء لما رأوا من شدة النار في السماء واختلاف الشهب ، فجعلوا يعتقون أرقاءهم ، ويسيبون مواشيهم ، فقال لهم عبد ياليل بن عمرو بن عمير ويحكم يا معشر أهل الطائف أمسكوا عن أموالكم ، وانظروا إلى معالم النجوم ، فإن رأيتموها مستقرة في أمكنتها ، فلم يهلك أهل السماء ، إنما هذا من أجل ابن أبي كبشة ، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ، وإن نظرتم فلم تروها ، فقد هلك أهل السماء ، فنظروا فرأوها ، فكفوا عن أقوالهم ، ففزعت الشياطين في تلك الليلة ، فأتوا إبليس فحدثوه بالذي كان من أمرهم ، فقال ائتوني من كل أرض بقبضة من تراب أشمها ، فأتوه فشم ، فقال صاحبكم بمكة ، فبعث سبعة نفر من جن نصيبين ، فقدموا مكة ، فوجدوا نبي الله صلى الله عليه وسلم قائماً يصلي في المسجد الحرام يقرأ القرآن ، فدنوا منه حرصاً على القرآن ، حتى كادت كلاكلهم تصيبه ، ثم أسلموا ، فأنزل الله تعالى أمرهم على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكرنا هذا الفصل مستقصى في أول البعث من كتاب السيرة المطول ، والله أعلم ، ولله الحمد والمنة .