Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 78, Ayat: 37-40)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عن عظمته وجلاله ، وأنه رب السموات والأرض وما فيهما وما بينهما ، وأنه الرحمن الذي شملت رحمته كل شيء ، وقوله تعالى { لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً } أي لا يقدر أحد على ابتداء مخاطبته إلا بإذنه كقوله تعالى { مَن ذَا ٱلَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } البقرة 255 وكقوله تعالى { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } وقوله تعالى { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ } اختلف المفسرون في المراد بالروح ههنا ما هو ؟ على أقوال أحدها ما رواه العوفي عن ابن عباس أنهم أرواح بني آدم . الثاني هم بنو آدم ، قاله الحسن وقتادة . وقال قتادة هذا مما كان ابن عباس يكتمه . الثالث أنهم خلق من خلق الله على صور بني آدم ، وليسوا بملائكة ولا ببشر ، وهم يأكلون ويشربون ، قاله ابن عباس ومجاهد وأبو صالح والأعمش . الرابع هو جبريل ، قاله الشعبي وسعيد بن جبير والضحاك ، ويستشهد لهذا القول بقوله عز وجل { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ } الشعراء 193 ــــ 194 وقال مقاتل بن حيان الروح هو أشرف الملائكة ، وأقرب إلى الرب عز وجل ، وصاحب الوحي . الخامس أنه القرآن ، قاله ابن زيد كقوله { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } الآية الشورى 52 . والسادس أنه ملك من الملائكة بقدر جميع المخلوقات ، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ } قال هو ملك عظيم من أعظم الملائكة خلقاً . وقال ابن جرير حدثني محمد بن خلف العسقلاني ، حدثنا رواد بن الجراح عن أبي حمزة عن الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود قال الروح في السماء الرابعة هو أعظم من السموات ومن الجبال ومن الملائكة ، يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة ، يخلق الله تعالى من كل تسبيحة ملكاً من الملائكة يجيء يوم القيامة صفاً وحده . وهذا قول غريب جداً . وقد قال الطبراني حدثنا محمد بن عبد الله بن عرس المصري ، حدثنا وهب الله بن رزق أبو هريرة ، حدثنا بشر بن بكر ، حدثنا الأوزاعي ، حدثني عطاء عن عبد الله بن عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن لله ملكاً لو قيل له التقم السموات السبع والأرضين بلقمة واحدة ، لفعل . تسبيحه سبحانك حيث كنت " وهذا حديث غريب جداً ، وفي رفعه نظر ، وقد يكون موقوفاً على ابن عباس ، ويكون مما تلقاه من الإسرائيليات ، والله أعلم . وتوقف ابن جرير فلم يقطع بواحد من هذه الأقوال كلها ، والأشبه عندي ــــ والله أعلم ــــ أنهم بنو آدم . وقوله تعالى { إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } كقوله { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } هود 105 وكما ثبت في الصحيح " ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل " وقوله تعالى { وَقَالَ صَوَاباً } أي حقاً ، ومن الحق لا إله إلا الله كما قاله أبو صالح وعكرمة ، وقوله تعالى { ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ } أي الكائن لا محالة { فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَـئَاباً } أي مرجعاً وطريقاً يهتدي إليه ، ومنهجاً يمر به عليه . وقوله تعالى { إِنَّآ أَنذَرْنَـٰكُمْ عَذَاباً قَرِيباً } يعني يوم القيامة لتأكد وقوعه صار قريباً لأن كل ما هو آت آت { يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } أي يعرض عليه جميع أعماله خيرها وشرها ، قديمها وحديثها كقوله تعالى { وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا } الكهف 49 وكقوله تعالى { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَـٰنُ يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } القيامة 13 { وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يَـٰلَيْتَنِى كُنتُ تُرَٰباً } أي يود الكافر يومئذ أنه كان في الدار الدنيا تراباً ، ولم يكن خلق ، ولا خرج إلى الوجود ، وذلك حين عاين عذاب الله ، ونظر إلى أعماله الفاسدة قد سطرت عليه بأيدي الملائكة السفرة الكرام البررة ، وقيل إنما يود ذلك حين يحكم الله بين الحيوانات التي كانت في الدنيا ، فيفصل بينها بحكمه العدل الذي لا يجور ، حتى إنه ليقتص للشاة الجماء من القرناء ، فإذا فرغ من الحكم بينها ، قال لها كوني تراباً ، فتصير تراباً ، فعند ذلك يقول الكافر { يَـٰلَيْتَنِى كُنتُ تُرَٰباً } أي كنت حيواناً ، فأرجع إلى التراب ، وقد ورد معنى هذا في حديث الصور المشهور ، وورد فيه آثار عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وغيرهما . آخر تفسير سورة النبأ . ولله الحمد والمنة . وبه التوفيق والعصمة .