Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 61-63)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى إذا خفت من قوم خيانة ، فانبذ إليهم عهدهم على سواء ، فإن استمروا على حربك ومنابذتك ، فقاتلهم { وَإِن جَنَحُواْ } أي مالوا { لِلسَّلْمِ } أي المسالمة والمصالحة والمهادنة ، { فَٱجْنَحْ لَهَا } أي فمل إليها ، واقبل منهم ذلك ، ولهذا لما طلب المشركون ، عام الحديبية الصلح ، ووضع الحرب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين ، أجابهم إلى ذلك مع ما اشترطوا من الشروط الأخر . وقال عبد الله بن الإمام أحمد حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، حدثني فضيل بن سليمان ، يعني النميري ، حدثنا محمد بن أبي يحيى ، عن إياس بن عمرو الأسلمي ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنه سيكون بعدي اختلاف أو أمر ، فإن استطعت أن يكون السلم ، فافعل " وقال مجاهد نزلت في بني قريظة ، وهذا فيه نظر لأن السياق كله في وقعة بدر ، وذكرها مكتنف لهذا كله . وقال ابن عباس ومجاهد وزيد بن أسلم وعطاء الخراساني وعكرمة والحسن وقتادة إن هذه الآية منسوخة بآية السيف في براءة { قَـٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ } الآية ، وفيه نظر أيضاً لأن آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك ، فأما إن كان العدو كثيفاً ، فإنه يجوز مهادنتهم كما دلت عليه هذه الآية الكريمة ، وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ، فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص ، والله أعلم . وقوله { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } أي صالحهم ، وتوكل على الله ، فإن الله كافيك وناصرك ، ولو كانوا يريدون بالصلح خديعة ليتقووا ويستعدوا ، { فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ } أي كافيك وحده . ثم ذكر نعمته عليه مما أيده به من المؤمنين المهاجرين والأنصار ، فقال { هُوَ ٱلَّذِىۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } أي جمعها على الإيمان بك ، وعلى طاعتك ومناصرتك وموازرتك ، { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } أي لما كان بينهم من العداوة والبغضاء فإن الأنصار كانت بينهم حروب كثيرة في الجاهلية ، بين الأوس والخزرج ، وأمور يلزم منها التسلسل في الشر ، حتى قطع الله ذلك بنور الإيمان كما قال تعالى { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَـٰتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } آل عمران 103 . وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطب الأنصار ، في شأن غنائم حنين ، قال لهم " يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً ، فهداكم الله بي ، وعالة فأغناكم الله بي ، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟ " كلما قال شيئاً ، قالوا الله ورسوله أمنّ ، ولهذا قال تعالى { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي عزيز الجناب ، فلا يخيب رجاء من توكل عليه ، حكيم في أفعاله وأحكامه . وقال الحافظ أبو بكر البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنبأنا علي بن بشر الصيرفي القزويني في منزلنا ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن الحسين القنديلي الاستراباذي ، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن النعمان الصفار ، حدثنا ميمون بن الحكم ، حدثنا بكر بن الشرود ، عن محمد بن مسلم الطائفي ، عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس ، عن ابن عباس ، قال قرابة الرحم تقطع ، ومنة النعمة تكفر ، ولم ير مثل تقارب القلوب ، يقول الله تعالى { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } وذلك موجود في الشعر @ إذا مَتَّ ذو القُربى إليكَ برَحْمِهِ فَغَشَّكَ واستَغْنى فليس بذي رَحْمِ ولكنَّ ذا القربى الذي إنْ دعوتَهُ أجابَ ومَنْ يرمي العَدُوَّ الذي تَرْمي @@ قال ومن ذلك قول القائل @ ولَقَدْ صَحِبْتُ الناسَ ثُمَّ سَبَرْتُهُمْ وبَلَوْتُ ما وَصلُوا منَ الأسبابِ فإذا القَرابَةُ لا تُقَرِّبُ قاطِعاً وإذا المَوَدَّةُ أقربُ الأسبابِ @@ قال البيهقي لا أدري هذا موصول بكلام ابن عباس ، أو هو من قول من دونه من الرواة ؟ وقال أبو إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، سمعته يقول { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } الآية ، قال هم المتحابون في الله . وفي رواية نزلت في المتحابين في الله . رواه النسائي والحاكم في مستدركه ، وقال صحيح ، وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال إن الرحم لتقطع ، وإن النعمة لتكفر ، وإن الله إذا قارب بين القلوب ، لم يزحزحها شيء ، ثم قرأ { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } رواه الحاكم أيضاً ، وقال أبو عمرو الأوزاعي حدثني عبدة بن أبي لبابة عن مجاهد ، ولقيته فأخذ بيدي فقال إذا التقى المتحابان في الله ، فأخذ أحدهما بيد صاحبه ، وضحك إليه ، تحاتت خطاياهما كما يتحاتُّ ورق الشجر ، قال عبدة فقلت له إن هذا ليسير ، فقال لا تقل ذلك فإن الله يقول { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } قال عبدة فعرفت أنه أفقه مني . وقال ابن جرير حدثنا أبو كريب ، حدثنا ابن يمان ، عن إبراهيم الخوزي عن الوليد بن أبي مغيث ، عن مجاهد ، قال إذا التقى المسلمان فتصافحا غفر لهما ، قال قلت لمجاهد بمصافحة يغفر لهما ؟ قال مجاهد أما سمعته يقول { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } فقال الوليد لمجاهد أنت أعلم مني ، وكذا روى طلحة بن مصرف عن مجاهد ، وقال ابن عون عن عمير بن إسحاق ، قال كنا نتحدث أن أول ما يرفع من الناس - أو قال عن الناس - الألفة ، وقال الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني رحمه الله حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ، حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، حدثنا سالم بن غيلان ، سمعت جعداً أبا عثمان ، حدثني أبو عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن المسلم إذا لقي أخاه المسلم ، فأخذ بيده ، تحاتت عنهما ذنوبهما ، كما تَحاتُّ الورق عن الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصف ، وإلا غفر لهما ذنوبهما ، ولو كانت مثل زبد البحار " .