Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 67-69)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال الإمام أحمد حدثنا علي بن هاشم ، عن حميد ، عن أنس رضي الله عنه ، قال استشار النبي صلى الله عليه وسلم الناس في الأسارى يوم بدر ، فقال " إن الله قد أمكنكم منهم " فقام عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم ، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " يا أيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم ، وإنما هم إخوانكم بالأمس " فقام عمر فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم ، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ثم عاد النبي صلى الله عليه وسلم فقال للناس مثل ذلك ، فقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، فقال يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم ، وأن تقبل منهم الفداء ، قال فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم ، فعفا عنهم ، وقبل منهم الفداء ، قال وأنزل الله عز وجل { لَّوْلاَ كِتَـٰبٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } وقد سبق في أول السورة حديث ابن عباس في صحيح مسلم بنحو ذلك ، وقال الأعمش عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال لما كان يوم بدر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما تقولون في هؤلاء الأسارى ؟ " فقال أبو بكر يا رسول الله قومك وأهلك ، استبقهم ، واستتبهم ، لعل الله أن يتوب عليهم ، وقال عمر « يا رسول الله كذبوك وأخرجوك ، فقدمهم فاضرب أعناقهم ، وقال عبد الله بن رواحة يا رسول الله أنت في واد كثير الحطب ، أضرم الوادي عليهم ناراً ، ثم ألقهم فيه ، قال فقال العباس قطعت رحمك قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئاً ، ثم قام فدخل ، فقال ناس يأخذ بقول أبي بكر ، وقال ناس يأخذ بقول عمر ، وقال ناس يأخذ بقول عبد الله بن رواحة ، ثم خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن ، وإن الله ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة ، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم عليه السلام ، قال { فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنِّى وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى عليه السلام ، قال { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } وإن مثلك يا عمر ، كمثل موسى عليه السلام ، قال { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَٰلِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } وإن مثلك يا عمر ، كمثل نوح عليه السلام ، قال { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ دَيَّاراً } أنتم عالة ، فلا ينفلتن أحد منهم إلا بفداء ، أو ضربة عنق " قال ابن مسعود قلت يا رسول الله إلا سهيل بن بيضاء ، فإنه يذكر الإسلام ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيتني في يوم أخوف من أن تقع علي حجارة من السماء مني في ذلك اليوم ، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إلا سهيل بن بيضاء " فأنزل الله عز وجل { مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ } إلى آخر الآية ، رواه الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي معاوية عن الأعمش به ، والحاكم في مستدركه ، وقال صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه عن عبد الله بن عمر ، وأبي هريرة رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه . وفي الباب عن أبي أيوب الأنصاري . وروى ابن مردويه أيضاً ، واللفظ له ، والحاكم في مستدركه ، من حديث عبيد الله بن موسى حدثنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد عن ابن عمر ، قال لما أسر الأسارى يوم بدر ، أسر العباس فيمن أسر ، أسره رجل من الأنصار ، قال وقد أوعدته الأنصار أن يقتلوه ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني لم أنم الليلة من أجل عمي العباس ، وقد زعمت الأنصار أنهم قاتلوه " فقال له عمر أفآتهم ؟ فقال " نعم " ، فأتى عمر الأنصار ، فقال لهم أرسلوا العباس ، فقالوا لا ، والله لا نرسله ، فقال لهم عمر فإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم رضى ؟ قالوا فإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم رضى ، فخذه ، فأخذه عمر ، فلما صار في يده ، قال له يا عباس أسلم ، فو الله لأن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب ، وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه إسلامك ، قال واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فيهم ، فقال أبو بكر عشيرتك ، فأرسلهم ، فاستشار عمر فقال اقتلهم ، ففاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله { مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ } الآية ، قال الحاكم صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه . وقال سفيان الثوري عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة ، عن علي رضي الله عنه ، قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، فقال خير أصحابك في الأسارى ، إن شاؤوا الفداء ، وإن شاؤوا القتل ، على أن يقتل عاماً مقبلاً منهم مثلهم ، قالوا الفداء ، ويقتل منا ، رواه الترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه من حديث الثوري به ، وهذا حديث غريب جداً ، وقال ابن عون عن عبيدة عن علي ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى يوم بدر " إن شئتم قتلتموهم ، وإن شئتم فاديتموهم ، واستمتعتم بالفداء ، واستشهد منكم بعدتهم " قال فكان آخر السبعين ثابت بن قيس ، قتل يوم اليمامة رضي الله عنه ، ومنهم من روى هذا الحديث عن عبيدة مرسلاً ، فالله أعلم ، وقال محمد بن إسحاق عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء عن ابن عباس { مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ } فقرأ حتى بلغ { عَذَابٌ عَظِيمٌ } ، قال غنائم بدر قبل أن يحلها لهم ، يقول لولا أني لا أعذب من عصاني حتى أتقدم إليه ، لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ، وكذا روى ابن أبي نجيح عن مجاهد ، وقال الأعمش سبق منه أن لا يعذب أحداً شهد بدراً ، وروي نحوه عن سعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، وقال شعبة عن أبي هاشم عن مجاهد { لَّوْلاَ كِتَـٰبٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ } أي لهم بالمغفرة . ونحوه عن سفيان الثوري رحمه الله . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { لَّوْلاَ كِتَـٰبٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ } يعني في أم الكتاب الأول أن المغانم والأسارى حلال لكم { لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ } من الأسارى { عَذَابٌ عَظِيمٌ } قال الله تعالى { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَـٰلاً طَيِّباً } الآية . وكذا روى العوفي عن ابن عباس ، وروي مثله عن أبي هريرة ، وابن مسعود ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، والحسن البصري ، وقتادة والأعمش أيضاً أن المراد { لَّوْلاَ كِتَـٰبٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ } لهذه الأمة بإحلال الغنائم . وهو اختيار ابن جرير رحمه الله . ويستشهد لهذا القول ، بما أخرجاه في الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه ، وبعثت إلى الناس عامة " وقال الأعمش عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لم تحل الغنائم لسود الرؤوس غيرنا " ولهذا قال الله تعالى { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَـٰلاً طَيِّباً } الآية ، فعند ذلك أخذوا من الأسارى الفداء ، وقد روى الإمام أبو داود في سننه حدثنا عبد الرحمن بن المبارك العيشي ، حدثنا سفيان بن حبيب ، حدثنا شعبة عن أبي العنبس ، عن أبي الشعثاء ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة ، وقد استمر الحكم في الأسرى عند جمهور العلماء أن الإمام مخير فيهم ، إن شاء قتل كما فعل ببني قريظة ، وإن شاء فادى بمال كما فعل بأسرى بدر ، أو بمن أسر من المسلمين كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الجارية وابنتها ، اللتين كانتا في سبي سلمة بن الأكوع ، حيث ردهما ، وأخذ في مقابلتهما من المسلمين الذين كانوا عند المشركين ، وإن شاء استرق من أسر . هذا مذهب الإمام الشافعي وطائفة من العلماء ، وفي المسألة خلاف آخر بين الأئمة مقرر في موضعه من كتب الفقه .