Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 80, Ayat: 17-32)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذاماً لمن أنكر البعث والنشور من بني آدم { قُتِلَ ٱلإِنسَـٰنُ مَآ أَكْفَرَهُ } قال الضحاك عن ابن عباس { قُتِلَ ٱلإِنسَـٰنُ } لعن الإنسان ، وكذا قال أبو مالك . وهذا لجنس الإنسان المكذب لكثرة تكذيبه بلا مستند ، بل بمجرد الاستبعاد وعدم العلم ، قال ابن جريج { مَآ أَكْفَرَهُ } أي ما أشد كفره وقال ابن جرير ويحتمل أن يكون المراد أي شيء جعله كافراً ؟ أي ما حمله على التكذيب بالمعاد ؟ وقد حكاه البغوي عن مقاتل والكلبي . وقال قتادة { مَآ أَكْفَرَهُ } ما ألعنه ثم بين تعالى له كيف خلقه من الشيء الحقير ، وأنه قادر على إعادته كما بدأه ، فقال تعالى { مِنْ أَىِّ شَىْءٍ خَلَقَهُ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } أي قدر أجله ورزقه وعمله ، وشقي أو سعيد ، { ثُمَّ ٱلسَّبِيلَ يَسَّرَهُ } قال العوفي عن ابن عباس ثم يسر عليه خروجه من بطن أمه ، وكذا قال عكرمة والضحاك وأبو صالح وقتادة والسدي ، واختاره ابن جرير . وقال مجاهد هذه كقوله تعالى { إِنَّا هَدَيْنَـٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } الإنسان 3 أي بيناه له ، وأوضحناه ، وسهلنا عليه عمله ، وكذا قال الحسن وابن زيد ، وهذا هو الأرجح ، والله أعلم . وقوله تعالى { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } أي إنه بعد خلقه له أماته فأقبره ، أي جعله ذا قبر ، والعرب تقول قبرت الرجل ، إذا ولى ذلك منه ، وأقبره الله ، وعضبت قرن الثور ، وأعضبه الله ، وبترت ذنب البعير ، وأبتره الله ، وطردت عني فلاناً ، وأطرده الله ، أي جعله طريداً ، قال الأعشى @ لَوْ أَسْنَدَتْ مَيْتاً إلى صَدْرِها عاشَ ولَمْ يُنْقَلْ إلى قابِرِ @@ وقوله تعالى { ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } أي بعثه بعد موته ، ومنه يقال البعث والنشور { وَمِنْ ءَايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ } الروم 20 ، { وَٱنظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا } البقرة 259 وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا أصبغ بن الفرج ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث أن دراجاً أبا السمح أخبره عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " يأكل التراب كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه " قيل وما هو يا رسول الله ؟ قال " مثل حبة خردل ، منه تنشؤون " وهذا الحديث ثابت في الصحيحين من رواية الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بدون هذه الزيادة ، ولفظه " كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب ، منه خلق ، وفيه يركب " . وقوله تعالى { كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ } قال ابن جرير يقول جل ثناؤه كلا ، ليس الأمر كما يقول هذا الإنسان الكافر من أنه قد أدى حق الله عليه في نفسه وماله { لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ } يقول لم يؤدِّ ما فرض عليه من الفرائض لربه عز وجل . ثم روى هو وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله تعالى { كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ } قال لا يقضي أحد أبداً كل ما افترض عليه ، وحكاه البغوي عن الحسن البصري بنحو من هذا ، ولم أجد للمتقدمين فيه كلاماً سوى هذا ، والذي يقع لي في معنى ذلك ، والله أعلم ، أن المعنى { ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } أي بعثه { كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ } أي لا يفعله الآن حتى تنقضي المدة ، ويفرغ القدر من بني آدم ممن كتب الله أن سيوجد منهم ، ويخرج إلى الدنيا ، وقد أمر به تعالى كوناً وقدراً ، فإذا تناهى ذلك عند الله ، أنشر الله الخلائق ، وأعادهم كما بدأهم . وقد روى ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال قال عزير عليه السلام قال الملك الذي جاءني فإن القبور هي بطن الأرض ، وإن الأرض هي أم الخلق ، فإذا خلق الله ما أراد أن يخلق ، وتمت هذه القبور التي مد الله لها ، انقطعت الدنيا ، ومات من عليها ، ولفظت الأرض ما في جوفها ، وأخرجت القبور ما فيها . وهذا شبيه بما قلناه من معنى الآية ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب . وقوله تعالى { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَـٰنُ إِلَىٰ طَعَامِهِ } فيه امتنان ، وفيه استدلال بإحياء النبات من الأرض الهامدة على إحياء الأجسام بعدما كانت عظاماً بالية وتراباً متمزقاً { أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً } أي أنزلناه من السماء على الأرض { ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً } أي أسكناه فيها ، فدخل في تخومها ، وتخلل في أجزاء الحب المودع فيها ، فنبت وارتفع ، وظهر على وجه الأرض { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً } فالحب كل ما يذكر من الحبوب ، والعنب معروف ، والقضب هو الفصفصة التي تأكلها الدواب رطبة ، ويقال لها القت أيضاً ، وقال ذلك ابن عباس ، وقتادة والضحاك والسدي ، وقال الحسن البصري القضب العلف { وَزَيْتُوناً } وهو معروف ، وهو أدم ، وعصيره أدم ، ويستصبح به ويدهن به ، { وَنَخْلاً } يؤكل بلحاً وبسراً ورطباً وتمراً ، ونيئاً ومطبوخاً ، ويعتصر منه رب وخل { وَحَدَآئِقَ غُلْباً } أي بساتين ، قال الحسن وقتادة غلباً نخل غلاظ كرام ، وقال ابن عباس ومجاهد كل ما التف واجتمع . وقال ابن عباس أيضاً غلباً الشجر الذي يستظل به ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { وَحَدَآئِقَ غُلْباً } أي طوال ، وقال عكرمة غلباً أي غلاظ الأوساط . وفي رواية غلاظ الرقاب ، ألم تر إلى الرجل إذا كان غليظ الرقبة قيل والله إنه لأغلب ، رواه ابن أبي حاتم ، وأنشد ابن جرير للفرزدق @ عَوى فأَثأر أَغْلَبَ ضَيْغَمِيّاً فَوَيْلُ ابنِ المَراغَةِ ما اسْتَثَارَا @@ وقوله تعالى { وَفَـٰكِهَةً وَأَبّاً } أما الفاكهة ، فكل ما يتفكه به من الثمار ، قال ابن عباس الفاكهة كل ما أكل رطباً ، والأبُّ ما أنبتت الأرض مما تأكله الدواب ، ولا يأكله الناس ، وفي رواية عنه هو الحشيش للبهائم . وقال مجاهد وسعيد بن جبير وأبو مالك الأبُّ الكلأ ، وعن مجاهد والحسن وقتادة وابن زيد الأبُّ للبهائم كالفاكهة لبني آدم ، وعن عطاء كل شيء نبت على وجه الأرض فهو أبٌّ . وقال الضحاك كل شيء أنبتته الأرض سوى الفاكهة فهو الأبُّ . وقال ابن إدريس عن عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس الأبُّ نبت الأرض مما تأكله الدواب ، ولا يأكله الناس . ورواه ابن جرير من ثلاث طرق عن ابن إدريس ، ثم قال حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس ، حدثنا عبد الملك عن سعيد بن جبير قال عدّ ابن عباس وقال الأبُّ ما أنبتت الأرض للأنعام . وهذا لفظ حديث أبي كريب . وقال أبو السائب في حديثه ما أنبتت الأرض مما يأكل الناس وتأكل الأنعام ، وقال العوفي عن ابن عباس الأبُّ الكلأ والمرعى ، وكذا قال مجاهد والحسن وقتادة وابن زيد وغير واحد . وقال أبو عبيد القاسم بن سلام حدثنا محمد بن يزيد ، حدثنا العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي قال سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن قوله تعالى { وَفَـٰكِهَةً وَأَبّاً } فقال أيّ سماء تظلني ، وأي أرض تقلني ، إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم ؟ وهذا منقطع بين إبراهيم التيمي والصديق رضي الله عنه . فأما ما رواه ابن جرير حيث قال حدثنا ابن بشار ، حدثنا ابن أبي عدي ، حدثنا حميد عن أنس قال قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } فلما أتى على هذه الآية { وَفَـٰكِهَةً وَأَبّاً } قال قد عرفنا الفاكهة ، فما الأب ؟ فقال لعمرك يابن الخطاب إن هذا لهو التكلف . فهو إسناد صحيح ، وقد رواه غير واحد عن أنس به ، وهذا محمول على أنه أراد أن يعرف شكله وجنسه وعينه ، وإلا فهو وكل من قرأ هذه الآية يعلم أنه من نبات الأرض لقوله { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدَآئِقَ غُلْباً وَفَـٰكِهَةً وَأَبّاً } وقوله تعالى { مَّتَـٰعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَـٰمِكُمْ } أي عيشة لكم ولأنعامكم في هذه الدار إلى يوم القيامة .