Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 80, Ayat: 1-16)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوماً يخاطب بعض عظماء قريش ، وقد طمع في إسلامه ، فبينما هو يخاطبه ويناجيه ، إذ أقبل ابن أم مكتوم ، وكان ممن أسلم قديماً ، فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ويلح عليه ، وود النبي صلى الله عليه وسلم أن لوكف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل طمعاً ورغبة في هدايته ، وعبس في وجه ابن أم مكتوم ، وأعرض عنه ، وأقبل على الآخر ، فأنزل الله تعالى { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } أي يحصل له زكاة وطهارة في نفسه { أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } أي يحصل له اتعاظ وانزجار عن المحارم { أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ } أي أما الغني ، فأنت تتعرض له لعله يهتدي { وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّىٰ } أي ما أنت بمطالب به إذا لم يحصل له زكاة { وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ وَهُوَ يَخْشَىٰ } أي يقصدك ويؤمك ليهتدي بما تقول له { فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ } أي تتشاغل ، ومن ههنا أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يخص بالإنذار أحداً ، بل يساوي فيه بين الشريف والضعيف ، والفقير والغني ، والسادة والعبيد ، والرجال والنساء ، والصغار والكبار ، ثم الله تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة . قال الحافظ أيو يعلى في مسنده حدثنا محمد بن مهدي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس رضي الله عنه في قوله تعالى { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يكلم أبي بن خلف ، فأعرض عنه ، فأنزل الله عز وجل { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ } فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه . قال قتادة أخبرني أنس بن مالك قال رأيته يوم القادسية وعليه درع ، ومعه راية سوداء ، يعني ابن أم مكتوم . وقال أبو يعلى وابن جرير حدثنا سعيد بن يحيى الأموي ، حدثني أبي قال هذا ما عرضنا على هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت أنزلت { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } في ابن أم مكتوم الأعمى ، أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل يقول أرشدني ، قالت وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين ، قالت فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ، ويقبل على الآخر ، ويقول " أترى بما أقول بأساً ؟ " فيقول لا ! ففي هذا أنزلت { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } . وقد روى الترمذي هذا الحديث عن سعيد بن يحيى الأموي بإسناده مثله ، ثم قال وقد رواه بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه قال أنزلت عبس وتولى في ابن أم مكتوم ، ولم يذكر فيه عن عائشة . { قُلْتَ } كذلك هو في الموطأ . ثم روى ابن جرير وابن أبي حاتم أيضاً من طريق العوفي عن ابن عباس قوله { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ } قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عتبة بن ربيعة ، وأبا جهل بن هشام ، والعباس بن عبد المطلب ، وكان يتصدى لهم كثيراً ، ويحرص عليهم أن يؤمنوا ، فأقبل إليه رجل أعمى ، يقال له عبد الله بن أم مكتوم يمشي ، وهو يناجيهم ، فجعل عبد الله يستقرىء النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن ، وقال يا رسول الله علمني مما علمك الله ، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعبس في وجهه وتولى ، وكره كلامه ، وأقبل على الآخرين ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نجواه ، وأخذ ينقلب إلى أهله ، أمسك الله بعض بصره ، وخفق برأسه ، ثم أنزل الله تعالى { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } . فلما نزل فيه ما نزل ، أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه ، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما حاجتك ؟ هل تريد من شيء ؟ ــــ وإذا ذهب من عنده قال ــــ هل لك حاجة في شيء ؟ " وذلك لما أنزل الله تعالى { أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّىٰ } فيه غرابة ونكارة ، وقد تكلم في إسناده . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا الليث ، حدثني يونس عن ابن شهاب قال قال سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم " وهو الأعمى الذي أنزل الله تعالى فيه { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ } وكان يؤذن مع بلال ، قال سالم وكان رجلاً ضرير البصر ، فلم يك يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر أذن . وهكذا ذكر عروة بن الزبير ومجاهد وأبو مالك وقتادة والضحاك وابن زيد وغير واحد من السلف والخلف أنها نزلت في ابن أم مكتوم ، والمشهور أن اسمه عبد الله ، ويقال عمرو ، والله أعلم . وقوله تعالى { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } أي هذه السورة ، أو الوصية بالمساواة بين الناس في إبلاغ العلم بين شريفهم ووضيعهم . وقال قتادة والسدي { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } يعني القرآن { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } أي فمن شاء ذكر الله تعالى في جميع أموره . ويحتمل عود الضمير إلى الوحي لدلالة الكلام عليه . وقوله تعالى { فَى صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ } أي هذه السورة ، أو العظة ، وكلاهما متلازم ، بل جميع القرآن في صحف مكرمة ، أي معظمة موقرة { مَّرْفُوعَةٍ } أي عالية القدر { مُّطَهَّرَةٍ } أي من الدنس والزيادة والنقص . وقوله تعالى { بِأَيْدِى سَفَرَةٍ } قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وابن زيد هي الملائكة . وقال وهب بن منبه هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال قتادة هم القراء . وقال ابن جريج عن ابن عباس السفرة بالنبطية القراء ، وقال ابن جرير والصحيح أن السفرة الملائكة ، والسفرة يعني بين الله تعالى وبين خلقه ، ومنه يقال السفير الذي يسعى بين الناس في الصلح والخير كما قال الشاعر @ وما أَدَعُ السِّفارَةَ بينَ قَومي وما أَمْشي بِغِشَ إنْ مَشَيْتُ @@ وقال البخاري سفرة الملائكة ، سفرت أصلحت بينهم ، وجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله تعالى وتأديته كالسفير الذي يصلح بين القوم . وقوله تعالى { كِرَامٍ بَرَرَةٍ } أي خلقهم كريم حسن شريف ، وأخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة كاملة . ومن ههنا ينبغي لحامل القرآن أن يكون في أفعاله وأقواله على السداد والرشاد . قال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل ، حدثنا هشام عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الذي يقرأ القرآن ، وهو ماهر به ، مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرؤه ، وهو عليه شاق ، له أجران " أخرجه الجماعة من طريق قتادة به .