Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 28-29)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أمر تعالى عباده المؤمنين الطاهرين ديناً وذاتاً بنفي المشركين الذين هم نجس ديناً عن المسجد الحرام ، وأن لا يقربوه بعد نزول هذه الآية ، وكان نزولها في سنة تسع ، ولهذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً صحبة أبي بكر رضي الله عنهما عامئذ ، وأمره أن ينادي في المشركين أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان . فأتم الله ذلك ، وحكم به شرعاً وقدراً . وقال عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في قوله تعالى { إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } إلا أن يكون عبداً ، أو أحداً من أهل الذمة . وقد روي مرفوعاً من وجه آخر ، فقال الإمام أحمد حدثنا حسين ، حدثنا شريك عن الأشعث ، يعني ابن سوار ، عن الحسن عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يدخل مسجدنا بعد عامنا هذا مشرك ، إلا أهل العهد وخدمهم " تفرد به الإمام أحمد مرفوعاً ، والموقوف أصح إسناداً . وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعي كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أن امنعوا اليهود والنصارى من دخول مساجد المسلمين ، وأتبع نهيه قول الله تعالى { إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } وقال عطاء الحرم كله مسجد لقوله تعالى { فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } ودلت هذه الآية الكريمة على نجاسة المشرك كما دلت على طهارة المؤمن ولما ورد في الصحيح " المؤمن لا ينجس " وأما نجاسة بدنه ، فالجمهور على أنه ليس بنجس البدن والذات لأن الله تعالى أحل طعام أهل الكتاب ، وذهب بعض الظاهرية إلى نجاسة أبدانهم ، وقال أشعث عن الحسن من صافحهم فليتوضأ . رواه ابن جرير . وقوله { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } قال محمد بن إسحاق وذلك أن الناس قالوا لتقطعن عنا الأسواق ، ولتهلكن التجارة ، وليذهبن عنا ما كنا نصيب فيها من المرافق ، فأنزل الله { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } من وجه غير ذلك { إِن شَآءَ } ، إلى قوله { وَهُمْ صَـٰغِرُونَ } أي هذا عوض ما تخوفتم من قطع تلك الأسواق ، فعوضهم الله مما قطع عنهم من أمر الشرك ما أعطاهم من أعناق أهل الكتاب من الجزية ، وهكذا روي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك وغيرهم ، { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ } أي بما يصلحكم { حَكِيمٌ } أي فيما يأمر به وينهى عنه لأنه الكامل في أفعاله وأقواله ، العادل في خلقه وأمره ، تبارك وتعالى ، ولهذا عوضهم عن تلك المكاسب بأموال الجزية التي يأخذونها من أهل الذمة . وقوله تعالى { قَـٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَـٰغِرُونَ } فهم في نفس الأمر لما كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم لم يبق لهم إيمان صحيح بأحد من الرسل ، ولا بما جاؤوا به ، وإنما يتبعون آراءهم وأهواءهم وآباءهم فيما هم فيه ، لا لأنه شرع الله ودينه لأنهم لوكانوا مؤمنين بما بأيديهم إيماناً صحيحاً ، لقادهم ذلك إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم لأن جميع الأنبياء بشروا به ، وأمروا باتباعه ، فلما جاء ، وكفروا به ، وهو أشرف الرسل ، علم أنهم ليسوا متمسكين بشرع الأنبياء الأقدمين لأنه من عند الله ، بل لحظوظهم وأهوائهم ، فلهذا لا ينفعهم إيمانهم ببقية الأنبياء وقد كفروا بسيدهم وأفضلهم وخاتمهم وأكملهم ، ولهذا قال { قَـٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ } وهذه الآية الكريمة نزلت أول الأمر بقتال أهل الكتاب ، بعدما تمهدت أمور المشركين ، ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، واستقامت جزيرة العرب ، أمر الله ورسوله بقتال أهل الكتابين اليهود والنصارى ، وكان ذلك في سنة تسع ، ولهذا تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتال الروم ، ودعا الناس إلى ذلك ، وأظهره لهم ، وبعث إلى أحياء العرب حول المدينة ، فندبهم ، فأوعبوا معه ، واجتمع من المقاتلة نحو من ثلاثين ألفاً ، وتخلف بعض الناس من أهل المدينة ومن حولها من المنافقين وغيرهم ، وكان ذلك في عام جدب ووقت قيظ وحر ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الشام لقتال الروم ، فبلغ تبوك ، فنزل بها وأقام على مائها قريباً من عشرين يوماً ، ثم استخار الله في الرجوع ، فرجع عامه ذلك لضيق الحال وضعف الناس كما سيأتي بيانه بعد إن شاء الله تعالى . وقد استدل بهذه الآية الكريمة من يرى أنه لا تؤخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، أو من أشبههم كالمجوس ، لما صح فيهم الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر ، وهذا مذهب الشافعي وأحمد في المشهور عنه ، وقال أبو حنيفة رحمه الله بل تؤخذ من جميع الأعاجم ، سواء كانوا من أهل الكتاب ، أو من المشركين ، ولا تؤخذ من العرب إلا من أهل الكتاب . وقال الإمام مالك بل يجوز أن تضرب الجزية على جميع الكفار من كتابي ومجوسي ووثني وغير ذلك . ولمأخذ هذه المذاهب وذكر أدلتها مكان غير هذا ، والله أعلم . وقوله { حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ } أي إن لم يسلموا { عَن يَدٍ } أي عن قهر لهم وغلبة { وَهُمْ صَـٰغِرُونَ } أي ذليلون حقيرون مهانون ، فلهذا لا يجوز إعزاز أهل الذمة ، ولا رفعهم على المسلمين ، بل هم أذلاء صغرة أشقياء كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإذا لقيتم أحدهم في طريق ، فاضطروه إلى أضيقه " ولهذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلك الشروط المعروفة في إذلالهم وتصغيرهم وتحقيرهم ، وذلك مما رواه الأئمة الحفاظ من رواية عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال كتبت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى من أهل الشام بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا ، إنكم لما قدمتم علينا ، سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا ، وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسة ، ولا قلاية ولا صومعة راهب ، ولا نجدد ما خرب منها ، ولا نحيي منها ما كان خططاً للمسلمين ، وألا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل ولا نهار ، وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل ، وأن ننزل من مر بنا من المسلمين ثلاثة أيام نطعمهم ، ولا نؤوي في كنائسنا ولا منازلنا جاسوساً ، ولا نكتم غشاً للمسلمين ، ولا نعلم أولادنا القرآن ، ولا نظهر شركاً ، ولا ندعو إليه أحداً ، ولا نمنع أحداً من ذوي قرابتنا الدخول في الإسلام إن أرادوه ، وأن نوقر المسلمين ، وأن نقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا الجلوس ، ولا نتشبه بهم في شيء من ملابسهم في قلنسوة ولا عمامة ، ولا نعلين ولا فرق شعر ، ولا نتكلم بكلامهم ، ولانكتني بكناهم ، لا نركب السروج ، ولا نتقلد السيوف ، ولا نتخذ شيئاً من السلاح ، ولا نحمله معنا ، ولا ننقش خواتيمنا بالعربية ، ولا نبيع الخمور ، وأن نجز مقاديم رؤوسنا ، وأن نلزم زينا حيثما كنا ، وأن نشد الزنانير على أوساطنا ، وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا ، وأن لا نظهر صلبنا ولا كتبنا في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم ، ولا نضرب نواقيسنا في كنائسنا إلا ضرباً خفيفاً ، وأن لا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا في شيء من حضرة المسلمين ، ولا نخرج شعانين ولا باعوثاً ، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا ، ولا نظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم ، ولا نجاورهم بموتانا ، ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين ، وأن نرشد المسلمين ، ولا نطلع عليهم في منازلهم . قال فلما أتيت عمر بالكتاب ، زاد فيه ولا نضرب أحداً من المسلمين ، شرطنا لكم ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا ، وقبلنا عليه الأمان ، فإن نحن خالفنا في شيء مما شرطناه لكم ، ووظفنا على أنفسنا ، فلا ذمة لنا ، وقد حل لكم منا ما يحل من أهل المعاندة والشقاق .