Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 41-41)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال سفيان الثوري عن أبيه عن أبي الضحى مسلم بن صبيح هذه الآية { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } أول ما نزل من سورة براءة ، وقال معتمر بن سليمان عن أبيه قال زعم حضرمي أنه ذكر له أن ناساً كانوا عسى أن يكون أحدهم عليلاً وكبيراً فيقول إني لا آثم ، فأنزل الله { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } الآية ، أمر الله تعالى بالنفير العام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك لقتال أعداء الله من الروم الكفرة من أهل الكتاب ، وحتم على المؤمنين في الخروج معه على كل حال في المنشط والمكره ، والعسر واليسر ، فقال { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } . وقال علي بن زيد عن أنس عن أبي طلحة كهولاً وشباباً ، ما سمع الله عذر أحد ، ثم خرج إلى الشام ، فقاتل حتى قتل . وفي رواية قرأ أبو طلحة سورة براءة ، فأتى على هذه الآية { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَـٰهِدُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } فقال أرى ربنا استنفرنا شيوخاً وشباناً ، جهزوني يا بني ، فقال بنوه يرحمك الله قد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات ، ومع أبي بكر حتى مات ، ومع عمر حتى مات ، فنحن نغزو عنك ، فأبى ، فركب البحر فمات ، فلم يجدوا له جزيرة يدفنوه فيها إلا بعد تسعة أيام ، فلم يتغير ، فدفنوه فيها . وهكذا روي عن ابن عباس وعكرمة وأبي صالح والحسن البصري وسهيل بن عطية ومقاتل بن حيان والشعبي وزيد بن أسلم أنهم قالوا في تفسير هذه الآية { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } كهولاً وشباناً . وكذا قال عكرمة والضحاك ومقاتل بن حيان وغيرواحد ، وقال مجاهد شباناً وشيوخاً ، وأغنياء ومساكين . وكذا قال أبو صالح وغيره . وقال الحكم بن عتيبة مشاغيل وغير مشاغيل ، وقال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } يقول انفروا نشاطاً وغير نشاط ، وكذا قال قتادة . وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } قالوا فإن فينا الثقيل ، وذا الحاجة والضيعة والشغل والمتيسر به أمره ، فأنزل الله ، وأبى أن يعذرهم دون أن ينفروا { خِفَافًا وَثِقَالاً } أي على ما كان منهم . وقال الحسن بن أبي الحسن البصري أيضاً في العسر واليسر . وهذا كله من مقتضيات العموم في الآية ، وهذا اختيار ابن جرير . وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعي إذا كان النفير إلى دروب الروم ، نفر الناس إليها خفافاً وركباناً ، وإذا كان النفير إلى هذه السواحل نفروا إليها خفافاً وثقالاً ، وركباناً ومشاة ، وهذا تفصيل في المسألة . وقد روي عن ابن عباس ومحمد بن كعب وعطاء الخراساني وغيرهم أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ } التوبة 122 وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله ، وقال السدي قوله { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } يقول غنياً وفقيراً ، وقوياً وضعيفاً ، فجاءه رجل يومئذ - زعموا أنه المقداد وكان عظيماً سميناً - فشكا إليه ، وسأله أن يأذن له ، فأبى ، فنزلت يومئذ { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } فلما نزلت هذه الآية ، اشتد على الناس ، فنسخها الله فقال { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } التوبة 91 . وقال ابن جرير حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، حدثنا أيوب عن محمد قال شهد أبو أيوب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً ، ثم لم يتخلف عن غزاة للمسلمين إلا عاماً واحداً ، قال وكان أبو أيوب يقول قال الله تعالى { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } فلا أجدني إلا خفيفاً أو ثقيلاً . وقال ابن جرير حدثني سعيد بن عمرو السكوني ، حدثنا بقية ، حدثنا جرير ، حدثني عبد الرحمن بن ميسرة ، حدثني أبو راشد الحبراني قال وافيت المقداد بن الأسود فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص ، وقد فصل عنها من عظْمه يريد الغزو ، فقلت له قد أعذر الله إليك فقال أتت علينا سورة البعوث { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } . وقال ابن جرير حدثني حيان بن زيد الشرْعَبِي قال نفرنا مع صفوان بن عمرو ، وكان والياً على حمص ، قِبَل الأفسوس إلى الجراجمة ، فرأيت شيخاً كبيراً هِمّاً ، قد سقط حاجباه على عينيه من أهل دمشق ، على راحلته فيمن أغار ، فأقبلت إليه فقلت يا عم لقد أعذر الله إليك ، قال فرفع حاجبيه فقال يا بن أخي استنفرنا الله خفافاً وثقالاً ، ألا إنه من يحبه الله يبتليه ، ثم يعيده الله فيبقيه ، وإنما يبتلي الله من عباده من شكر وصبر وذكر ولم يعبد إلا الله عز وجل . ثم رغب تعالى في النفقة في سبيله وبذل المهج في مرضاته ومرضاة رسوله فقال { وَجَـٰهِدُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي هذا خير لكم في الدنيا والآخرة لأنكم تغرمون في النفقة قليلاً ، فيغنمكم الله أموال عدوكم في الدنيا ، مع ما يدخر لكم من الكرامة في الآخرة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " تكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة ، أو يرده إلى منزله بما نال من أجر أو غنيمة " ولهذا قال الله تعالى { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } البقرة 216 ومن هذا القبيل ما رواه الإمام أحمد حدثنا محمد بن أبي عدي عن حميد عن أنس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل " أسلم " قال أجدني كارهاً ، قال " أسلم وإن كنت كارهاً " .