Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 91, Ayat: 1-10)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال مجاهد { وَٱلشَّمْسِ وَضُحَـٰهَا } أي وضوئها . وقال قتادة { وَضُحَـٰهَا } النهار كله . قال ابن جرير والصواب أن يقال أقسم الله بالشمس ونهارها لأن ضوء الشمس الظاهر هو النهار { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلـٰهَا } قال مجاهد تبعها ، وقال العوفي عن ابن عباس { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلـٰهَا } قال يتلو النهار ، وقال قتادة إذا تلاها ليلة الهلال ، إذا سقطت الشمس ، رؤي الهلال ، وقال ابن زيد هو يتلوها في النصف الأول من الشهر ، ثم هي تتلوه ، وهو يتقدمها في النصف الأخير من الشهر ، وقال مالك عن زيد بن أسلم إذا تلاها ليلة القدر . وقوله تعالى { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّـٰهَا } قال مجاهد أضاء . وقال قتادة { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّـٰهَا } إذا غشيها النهار ، وقال ابن جرير وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك بمعنى والنهار إذا جلا الظلمة لدلالة الكلام عليها . قلت ولو أن هذا القائل تأول ذلك بمعنى { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّـٰهَا } أي البسيطة ، لكان أولى ، ولصح تأويله في قوله تعالى { وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَـٰهَا } فكان أجود وأقوى ، والله أعلم . ولهذا قال مجاهد { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّـٰهَا } إنه كقوله تعالى { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } الليل 2 وأما ابن جرير فاختار عود الضمير في ذلك كله على الشمس لجريان ذكرها ، وقالوا في قوله تعالى { وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَـٰهَا } يعني إذا يغشى الشمس حين تغيب ، فتظلم الآفاق . وقال بقية بن الوليد عن صفوان حدثني يزيد بن ذي حمامة قال إذا جاء الليل ، قال الرب جل جلاله غشى عبادي خلقي العظيم ، فالليل يهابه ، والذي خلقه أحق أن يهاب . رواه ابن أبي حاتم ، وقوله تعالى { وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَـٰهَا } يحتمل أن تكون ما ههنا مصدرية بمعنى والسماء وبنائها ، وهو قول قتادة ، ويحتمل أن تكون بمعنى من يعني والسماء وبانيها ، وهو قول مجاهد ، وكلاهما متلازم ، والبناء هو الرفع كقوله تعالى { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَـٰهَا بِأَيْدٍ } ــــ أي بقوة ــــ { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } الذاريات 47 ــــ 48 وهكذا قوله تعالى { وَٱلأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا } قال مجاهد طحاها دحاها ، وقال العوفي عن ابن عباس { وَمَا طَحَـٰهَا } أي خلق فيها . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { طَحَاهَا } قسمها . وقال مجاهد وقتادة والضحاك والسدي والثوري وأبو صالح وابن زيد { طَحَـٰهَا } بسطها ، وهذا أشهر الأقوال ، وعليه الأكثر من المفسرين ، وهو المعروف عند أهل اللغة ، قال الجوهري طحوته مثل دحوته ، أي بسطته . وقوله تعالى { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } أي خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة كما قال تعالى { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ } الروم 30 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء ؟ " أخرجاه من رواية أبي هريرة ، وفي صحيح مسلم من رواية عياض بن حمار المجاشعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يقول الله عز وجل إني خلقت عبادي حنفاء ، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم " ، وقوله تعالى { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } أي فأرشدها إلى فجورها وتقواها ، أي بين ذلك لها وهداها إلى ما قدر لها . قال ابن عباس { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } بين لها الخير والشر ، وكذا قال مجاهد وقتادة والضحاك والثوري ، وقال سعيد بن جبير ألهمها الخير والشر ، وقال ابن زيد جعل فيها فجورها وتقواها ، وقال ابن جرير حدثنا ابن بشار ، حدثنا صفوان بن عيسى وأبو عاصم النبيل قالا حدثنا عزرة بن ثابت ، حدثني يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلي قال قال لي عمران بن حصين أرأيت ما يعمل الناس فيه ، ويتكادحون فيه ، أشيء قضي عليهم ، ومضى عليهم من قدر قد سبق ، أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وأكدت عليهم الحجة ؟ قلت بل شيء قضي عليهم ، قال فهل يكون ذلك ظلماً ؟ قال ففزعت منه فزعاً شديداً ، قال قلت له ليس شيء إلا وهو خلقه وملك يده ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، قال سددك الله ، إنما سألتك لأخبر عقلك ، إن رجلاً من مزينة أو جهينة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون ، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق ، أم شيء مما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وأكدت به عليهم الحجة ؟ قال " بل شيء قد قضي عليهم " قال ففيم نعمل ؟ قال " من كان الله خلقه لإحدى المنزلتين ، يهيئه لها ، وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } " رواه أحمد ومسلم من حديث عزرة بن ثابت به . وقوله تعالى { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـٰهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـٰهَا } يحتمل أن يكون المعنى قد أفلح من زكى نفسه ، أي بطاعة الله ، كما قال قتادة وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل ، ويروى نحوه عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ، وكقوله تعالى { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } الأعلى 14 ــــ 15 { وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـٰهَا } أي دسسها ، أي أخملها ، ووضع منها بخذلانه إياها عن الهدى حتى ركب المعاصي ، وترك طاعة الله عز وجل ، وقد يحتمل أن يكون المعنى قد أفلح من زكى الله نفسه ، وقد خاب من دسى الله نفسه كما قال العوفي وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي وأبو زرعة قالا حدثنا سهل بن عثمان ، حدثنا أبو مالك ، يعني عمرو بن الحارث عن عمرو ابن هشام عن جويبر ، عن الضحاك عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قول الله عز وجل { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـٰهَا } قال النبي صلى الله عليه وسلم " أفلحت نفس زكاها الله عز وجل " ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي مالك به ، وجويبر هذا هو ابن سعيد ، متروك الحديث ، والضحاك لم يلق ابن عباس ، وقال الطبراني حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، حدثنا أبي ، حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بهذه الآية { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } وقف ثم قال " اللهم آت نفسي تقواها ، أنت وليها ومولاها ، وخير من زكاها " . حديث آخر قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يعقوب بن حميد المدني ، حدثنا عبد الله بن عبدالله الأموي ، حدثنا معن بن محمد الغفاري عن حنظلة بن علي الأسلمي عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } ، قال " اللهم آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها " لم يخرجوه من هذا الوجه ، وقال الإمام أحمد حدثنا وكيع عن نافع عن ابن عمر عن صالح بن سعيد عن عائشة أنها فقدت النبي صلى الله عليه وسلم من مضجعه ، فلمسته بيدها ، فوقعت عليه وهو ساجد وهو يقول " رب أعط نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها " تفرد به . حديث آخر قال الإمام أحمد حدثنا عفان ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا عاصم الأحول عن عبد الله بن الحارث عن زيد بن أرقم ، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل ، والهرم والجبن والبخل وعذاب القبر . اللهم آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها . اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، وعلم لا ينفع ، ودعوة لا يستجاب لها " قال زيد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمناهن ونحن نعلمكموهن ، رواه مسلم من حديث أبي معاوية عن عاصم الأحول ، عن عبد الله بن الحارث وأبي عثمان النهدي عن زيد بن أرقم به .