Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 71-87)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ } اقرأ يا محمد على أهل مكة { نَبَأَ } خبر { نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } ولد وأهل { يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ } عظُم وثقل وشق { عَلَيْكُمْ مَّقَامِي } فلو شق مكثي بين أظهركم { وَتَذْكِيرِي } ووعظي إياكم { بِآيَاتِ ٱللَّهِ } بحججه وبيناته فعزمتم على قتلي أو طردي { فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ } فبالله وثقت { فَأَجْمِعُوۤاْ } قرأه العامة بقطع الألف وكسر الميم أي فأعدوا وأبرموا وأحكموا { أَمْرَكُمْ } فاعزموا عليه . قال المؤرخ : أجمعت الأمر أفصح من أجمعت عليه ، وأنشد : @ يا ليت شعري والمنى لا تنفع هل أغدون يوماً وأمري مجمع @@ وقرأ الأعرج والجحدري موصولة مفتوحة الميم من الجمع اعتباراً بقوله فجمع كيده ، وقال أبو معاذ : ويجوز أن يكون بمعنى وأجمعوا أي فأجمعوا واحد يقال : جمعت وأجمعت بمعنى واحد . قال أبو ذؤيب : [ عزم عليه كأنه جمع نفسه له ، والأمر مجمع ] { وَشُرَكَآءَكُمْ } فيه إضمار أي : وادعوا شركاءكم أي آلهتكم فاستعينوا ، وكذلك في مصحف أُبي ؛ وادعوا شركاءكم ، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وعيسى وسلام ويعقوب : وشركاؤكم رفعاً على معنى : فأجمعوا أمركم أنتم وشركاؤكم ، أي وليجمع معكم شركاؤكم ، واختار أبو عبيد وأبو حاتم النصب لموافقة الكتاب وذلك أنه ليس فيه واو . { ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً } أي خفياً مظلماً ملتبساً مبهماً من قولهم : غمّ الهلال على الناس إذا أشكل عليهم فلم يتبيّنوه ، قال طرفة : @ لعمرك ما أمري عليّ بغمّة نهاري وما ليلي عليَّ بسرمد @@ وقيل : هو من الغمّ لأن الصدر يضيق فلا يتبين صاحبه لأمره مصدراً ينفرج عنه ما بقلبه ، قالت الخنساء : @ وذي كربة راخى ابن عمرو خناقه وغمته عن وجهه فتجلت @@ { ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ } أي آمنوا إلى ما في أنفسكم أو افرغوا منه ، يقال : قضى فلان إذا مات ومضى وقضى منه إذا فرغ منه . وقال الضحاك : يعني انهضوا إليَّ ، وحكى الفراء عن بعض القرّاء : افضوا إليَّ بالفاء ، أي توجهوا حتى تصلوا إليَّ ، كما يقال أنصت [ الخلائق ] إلى فلان وأفضى إلى الوجه { وَلاَ تُنظِرُونَ } ولا تؤمرون ، وهذا إخبار من الله تعالى عن نبيه نوح ( عليه السلام ) أنه كان من نصر الله واثقاً ومن كيد قومه وبوائقهم غير خائف علماً منه بأنهم وآلهتهم لا تنفع ولا تضر شيئاً إلاّ أن يشاء الله ، وتعزية لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وتقوية لقلبه { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ } أعرضتم عن قولي وأبيتم أن تقبلوا نصحي { فَمَا سَأَلْتُكُمْ } على الدعوة وتبليغ الرسالة من أجل جعل وعوض { مِّنْ أَجْرٍ } ما جزائي وثوابي { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ * فَكَذَّبُوهُ } يعني نوحاً { فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ } سكان الأرض خلفاً عن الهالكين { وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنْذَرِينَ } يعني [ أخزى ] من الذين أنذرتهم الرسل ولم يؤمنوا { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ } أي من بعد نوح { رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ } بالآيات والأمر والنهي { فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ } ليصدقوا { بِمَا كَذَّبُواْ } بما كذبت { بِهِ } وأنّهم { مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ } نختم { عَلَىٰ قُلوبِ ٱلْمُعْتَدِينَ } المجاوزين الحلال إلى الحرام { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ } أي من بعد نوح { وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } يعني أفراد قومه { بِآيَاتِنَا فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ * فَلَمَّا جَآءَهُمُ } يعني فرعون وقومه { ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ * قَالَ مُوسَىٰ أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ أَسِحْرٌ هَـٰذَا } تقدير الكلام : أتقولون للحق لما جاءكم سحراً سحر هذا الحذف السحر الأول ، فدلالة الكلام عليه كقوله : { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ } [ الإسراء : 7 ] المعنى : يغشاكم ليسوؤا وجوهكم . وقال ذو الرمّة : @ فلما لبسن الليل أو حين نصبت له من خذا آذانها وهو جانح @@ أي : أو حين أقبل { وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُونَ * قَالُوۤاْ } يعني فرعون وقومه { أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا } لتلوينا وتصرفنا { عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } من الدين { وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ } الملك والسلطان { فِي ٱلأَرْضِ } أرض ( مصر ) { وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ * وَقَالَ فِرْعَوْنُ ٱئْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ * فَلَمَّآ أَلْقُواْ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ } أي الذي جئتم به السحر . وقراءة مجاهد وأبو عمر وأبو جعفر : السحر بالمد على الإستفهام ، ودليل قراءة العامة قراءة ابن مسعود : ما جئتم به السحر وقراءة أُبيّ : ما أتيتم به سحر { إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ * فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىٰ } لم يصدق موسى مهما آتاهم من الحجج { إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ } فقال قوم : هي راجعة إلى موسى وأراد بهم مؤمني بني سرائيل . قال ابن عباس : كانوا ستمائة ألف وذلك أن يعقوب ( عليه السلام ) دخل مصر في اثني وسبعين إنساناً فتوالدوا بمصر حتى بلغوا ستمائة ألف . وقال مجاهد : أراد بهم أولاد الذين أرسل إليهم موسى إلى بني إسرائيل لطول الزمان هلك الآباء وبقي الأبناء ، وقال آخرون : الهاء راجعة إلى فرعون . روى عطية عن ابن عباس : هم ناس يسير من قوم فرعون آمنوا منهم امرأة فرعون ، ومؤمن آل فرعون وخازن فرعون وامرأة خازنه وماشطته . وروي عن ابن عباس من وجه آخر : أنهم سبعون أهل بيت من القبط من آل فرعون وأمهاتهم من بني إسرائيل فجعل الرجل يتبع أمه وأخواله . قال الفراء : وإنما سموا ذرية لأن آباءهم كانوا من القبط وأمهاتهم من بني إسرائيل ، كما يقال لأولاد أهل فارس الذين انتقلوا إلى اليمن الأبناء ، لأن أمهاتهم من غير جنس آبائهم والذرية العقب من الصغار والكبار { عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ } يريد الكناية في قومه إلى فرعون ، ردّ الكناية في قوله : وملائهم ، إلى الذرية ، ومن رد الكناية إلى موسى يكون : إلى ملأ فرعون . قال الفراء : وإنما قال : { وَمَلَئِهِمْ } بالجمع وفرعون واحد لأن الملك إذا ذكر ذهب الوهم إليه وإلى أصحابه . [ فيكون من باب حذف المضاف ] وذكر وهب بن منبه ، [ أنه ] إليه وإلى عصابته كما يقال : قدم الخليفة تريد والذين معه ، ويجوز أن يكون أراد بفرعون آل فرعون [ كقوله تعالى ] : { وسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] و { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ } [ الطلاق : 1 ] { أَن يَفْتِنَهُمْ } بصرفهم عن دينهم ، ولم يقل : يفتنوهم ؛ لأنّه أخبر أنّ فرعون وقومه كانوا على [ الضلال ] . { وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلْمُسْرِفِينَ } [ من المجاوزين الحدّ في العصيان والكفر ] لأنّه كان قد ادّعى الربوبية { وَقَالَ مُوسَىٰ } لمؤمني قومه : { يٰقَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِٱللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ } { فَقَالُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا } . ثم دعوا فقالوا : { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } قال أبو مجلز : [ ربّنا لا تظهر فرعون وقومه ] علينا فيروا أنّهم خير منا فيزدادوا طغياناً . وقال عطية : لا تسلّطهم علينا فيسيئون ويقتلون . وقال مجاهد : لا تعذّبنا بأيدي قوم [ ظالمين ولا تعذّبنا ] بعذاب من عندك ، فيقول قوم فرعون : لو كانوا على حق لما عُذّبوا ، ولا تسلّطنا عليهم فيفتتنوا { وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ * وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ } [ أمرناهما ] { أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً } يقال : تبوّأ فلان لنفسه بيتاً [ والمبوأ المنزل ومنه بوّأه الله منزلا ] إذا اتخذه له . { وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً } قال أكثر المفسّرين : كانت بنو إسرائيل لا يصلّون إلاّ في كنائسهم وبيعهم ، وكانت ظاهرة ، فلما أُرسل موسى أَمرَ فرعون بمساجد بني إسرائيل فخرّبت ، ومنعهم من الصلاة ، فأُمروا أن يتّخذوا مساجد لهم يصلّون فيها خوفاً من فرعون ، وهذا قول إبراهيم وابن زيد والربيع وهي كذلك ، ورواية عكرمة عن ابن عباس . قال مجاهد وخلف : [ قال موسى ] لمن معه من قوم فرعون أن صلّوا إلى الكنائس الجامعة ، فأُمروا أن يجعلوا بيوتهم مساجد مستقبلة للكعبة فيصلّون فيها سرّاً . ومعنى البيوت هنا [ يكون ] المساجد . وتقدير الآية : واجعلوا بيوتكم إلى القبلة . وهذا رواية ابن جريج عن ابن عباس ، قال : كانت الكعبة قبلة موسى ومن معه . قال سعيد بن جبير : معناه : واجعلوا بيوتكم يقابل بعضها بعضاً ، والقبلة الوجهة . { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يا محمد .