Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 88-92)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً } من متاع الدنيا وأثاثها . مقاتل : شارة حسنة ، لقوله : { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ } [ القصص : 79 ] { وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ } . اختلفوا في هذه اللام فقال بعضهم هي لام ( كي ) ومعناه [ أعطيتهم لكي يضلّوا ويبطروا ويتكبّروا ] لتفتنهم بها فيضلّوا ويُضلّوا إملاءً منك ، وهذا كقوله تعالى : { لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً * لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } [ الجن : 16 - 17 ] ، وقيل : هي لام العاقبة ولام الصيرورة يعني أعطاهم ليضلّوا [ … ] آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً ، وقيل : هي لام أي آتيتهم لأجل ضلالهم عقوبة لهم كقوله : { سَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ إِذَا ٱنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ } [ التوبة : 95 ] أي لأجل إعراضكم عنهم ، ولم يحلفوا لتعرض عنهم . { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ } ، قال عطية ومجاهد : أعفها ، فالطمس : المحو والتعفية ، وقال أكثر المفسرين : امسخها وغيّرها عن هيئتها ، قال محمد بن كعب القرضي : جعل سكّتهم حجارة ، وقال قتادة : بلغنا أن زروعهم صارت حجارة ، وقال ابن عباس : إن الدراهم والدنانير صارت حجارة منقوشة كهيئتها صحاحاً وأثلاثاً وأنصافاً . قال ابن زيد : صارت حجارة ذهبهم ، ودراهمهم وعدسهم وكل شيء ، وقال السدّي : مسخ الله أموالهم حجارة ، النخل والثمار والدقيق والأطعمة ، وكانت احدى الآيات التسع . { وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } يعني : واطبع عليها حتى لا تلين ولا تنشرح للإيمان . { فَلاَ يُؤْمِنُواْ } قيل : هو نصب جواب الدعاء بالفاء ، وقيل : عطف على قوله : [ ليُضلوا ] . قال الفراء : هو دعاء ومحله جزم كأنه : اللهم فلا يؤمنوا وقيل : معناه فلا آمنوا . { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا } [ وقرأ علي والسملي : « دعواتكما » بالجمع وقرأ ابن السميقع : قد أجبت دعوتكما ] خبراً عن الله تعالى . كقول الأعشى : @ فقلت لصاحبي لا تعجلانا بنزع أصوله واجتز شيحاً @@ { فَٱسْتَقِيمَا } على الرسالة والدعوة ، وامضيا لأمري إلى أن يأتيهم عقاب الله . قال ابن جريج : مكث فرعون بعد هذا الدعاء أربعين سنة . { وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ } نهي بالنون الثقيلة ومحله جزم ويقال في الواحد لا تتبعَنْ ، فيفتح النون لالتقاء الساكنين ، وتكسر في التثنية لهذه العلة . وقرأ ابن عامر بتخفيف النون لأن نون التوكيد تُثقّل وتخفف . { سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } يعني : ولا تسلكا طريق الذين يجهلون حقيقة وعدي فتستعجلان قضائي ؛ فإن قضائي ووعدي لا خلف لهما ، ووعيدي نازل بفرعون وقومه . { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ } الآية ، وذلك أنّ الله تعالى أمر موسى ( عليه السلام ) أن يخرج ببني إسرائيل من مصر و [ تَبَعا ] بنو إسرائيل من القبط [ فأخرجهم ] بعلة عرس لهم وسرى بهم موسى وهم ستمائة ألف وعشرون ألفاً لا يُعدّ فيهم ابن سبعين سنة ولا ابن عشرين سنة ، [ إلى البحر وقال لكما ] القبط تلك الليلة ، فتتبعوا بني إسرائيل حتى أصبحوا وهو قوله : { فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ } [ الشعراء : 60 ] بعدما دفنوا أولادهم ، فلمّا بلغ فرعون ركب [ البحر ] ومعه ألف ألف وستمائة ألف . قال محمد بن كعب : كان في عسكر فرعون مائة ألف حصان أدهم سوى سائر الشهبان ، وكان [ … ] وكان هارون على مقدمة بني إسرائيل وموسى في الساقة ، فلمّا انتهوا إلى البحر وقربت منهم مقدمة فرعون مائة ألف رجل ، كلٌ قد غطّى أعلى رأسه ببيضة وبيده حربة ، وفرعون خلفهم في الدميم ، فقالت بنو إسرائيل لموسى : أين ما وعدتنا ؟ هذا البحر أمامنا [ إن عبرناه ] غَرِقنا وفرعون خلفنا إن أدركنا قتلنا ، ولقد أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا . فقال موسى : عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعلمون ، وقال : كلا إنّ معي ربي سيهدين ، فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر فضربه فلم ينفلق وقال : أنا أقدم منك وأشد خلقاً ، فأوحى الله تعالى إلى موسى أن كنه وقل : انفلق أبا خالد بإذن الله عزّ وجل ، ففعل ذلك فانفلق البحر وصار اثنا عشر طريقاً لكل سبط طريق . وكشف الله عن وجه الأرض فصارت يابسة وارتفع بين كل طريقين جبل . وكانوا بني عمّ لا يرى بعضهم بعضاً ولا يسمع بعضهم كلام بعض ، فقال كل فريق : قد غرق أصحابنا فأوحى الله تعالى إلى الجبال من الماء تشبّكي فتشبكت وصارت فيه شبه الخروق فجعل ينظر بعضهم إلى بعض . فلمّا وصل فرعون بجنوده إلى البحر ورأوا البحر بتلك الهيئة قال فرعون : هابني البحر ، وهابوا دخول البحر ، وكان فرعون على حصان أدهم ولم يكن في خيل فرعون فرس أنثى ، فجاء جبرئيل على فرس وديق وخاض البحر وميكائيل يسوقهم ، لا يشذ رجل منهم إلاّ ضمّه إليهم . فلما شمّ أدهم فرعون ريح فرس جبرئيل ، وفرعون لا يراه انْسَلّ خلف فرس جبريل ولم يملك فرعون من أمره شيئاً واقتضمت الخيول في الماء ، فلما دخل آخرهم البحر وهمّ أولهم أن يخرج انطبق الماء عليهم ، فلمّا أدرك فرعون الغرق : { قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ } فدسّ جبرئيل في فيه من حمأة البحر ، وقال : { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ } . قال أبو بكر الوراق : قال الله لموسى وهارون : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } [ طه : 44 ] حين لم ينفعْه تذكّره وخشيته . قال كعب : لمّا أمسك نيل مصر عن الجري قالت القبط لفرعون : [ إن كنت ربّنا فأجرِ لنا الماء ] ، فركب وأمر جنوده بالركوب وكان مناديه ينادي كل ساعة : ليقف فلان بجنوده قائداً قائداً فجعلوا يقفون على درجاتهم [ وقفز ] حتى بقي هو وخاصته ، فأمرهم بالوقوف حتى بقي في حُجّابه وخُدّامه ، فأمرهم بالوقوف وتقدّم وحده بحيث لا يرونه [ ونزل عن دابته ] ولبس ثياباً أُخر وسجد وتضرع إلى الله ، فأجرى الله تعالى له الماء فأتاه جبرئيل وحده في هيئة مستفت وقال : ما يقول الأمير في رجل له عبد قد نشأ في نعمته لا سيد له غيره ، فكفر نعمته وجحد حقّه وادعى السيادة دونه ؟ [ فكتب فرعون : جزاؤه أن يغرق في البحر ] . فلمّا أخبر موسى قومه بهلاك فرعون وقومه قالت بنو إسرائيل : ما مات فرعون ولا يموت أبداً ، فأمر الله تعالى بالبحر فألقى فرعون على الساحل أحمر قصير كأنه ثور فتراءاه بنو إسرائيل ، فمن ذلك الوقت لا يقبل الماء ميتاً أبداً ، فذلك قوله تعالى : { وَجَاوَزْنَا } أي قطعنا ببني إسرائيل البحر حتى جازوه ، وقرأ الحسن [ وجوزنا ، وهما لغتان ] . { فَأَتْبَعَهُمْ } فأدركهم ، يقال : تبعه وأتبعه إذا أدركه ولحقه ، واتّبعه بالتشديد إذا سار خلفه [ واقتدى به ] { فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ } . { بَغْياً وَعَدْواً } ظلماً واعتداءً ، يقال : عدا يعدو عدواً مثل : غزا يغزو غزواً ، وقرأ الحسن [ عُدوّاً ] بضم العين وتشديد الواو مثل : علا يعلو عُلوّاً . قال المفسرون : بغياً في القول وعدواً في الفعل . { حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ } أي أحاط به { قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ } قرأ حمزة والكسائي وخلف إنّه بالكسر أي آمنت وقلت : إنّه ، وهي قراءة عبد الله . وقرأ الآخرون : أنّ بالفتح لوقوع آمنت عليها ، وهي اختيار أبو عبيد وأبي حاتم . { لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } قال جبرئيل { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال لي جبرئيل : ما أبغضت أحداً من عباد الله إلاّ أنا أبغضت عبدين أحدهما من الجنّ والآخر من الأنس ، فأما من الجنّ فإبليس حين أبى بالسجود لآدم وأما من الإنس ففرعون حين قال : أنا ربكم الأعلى ، ولو رأيتني يا محمد وأنا أدسّ الطين في فيه مخافة أن تدركه الرحمة " . { فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ } أي نجعلك على نجوة من الأرض وهي النجو : المكان المرتفع ، قال أوس بن حجر : @ فمن بعقوته كمن بنجوته والمستكنّ كمن يمشي بقرواح @@ { بِبَدَنِكَ } بجسدك لا روح فيك . وقال مجاهد والكسائي : البدن هاهنا الدرع وكان دارعاً . قال الأعشى : @ وبيضاء كالنهى موضونة لها قونس فوق جيب البدى @@ وقرأ عبد الله : فاليوم ننجيك ببدنك ، أي نلقيك على ناحية البحر . وقيل : شعرك . { لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً } عبرة وعظة . وقرأ علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) : لمن خلقك ( بالقاف ) ، أي تكون آية لخالقك . { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ } قال مقاتل : يعني أهل مكة ، قال الحسن : هي عامة . { عَنْ آيَاتِنَا } عن الإيمان بآياتنا { لَغَافِلُونَ } .