Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 84-109)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ } يعني وأرسلنا إلى قوم مدين بن إبراهيم ، { أَخَاهُمْ شُعَيْباً } بن شرون بن أيوب بن مدين بن إبراهيم . { قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ } وكانوا يطفِّفون { إِنِّيۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ } قال ابن عباس ( رضي الله عنه ) : موسرين في نعمة ، الحسن : الغنى ورخص السعر ، قتادة : المال وزينة الدنيا ، الضحاك : رغد العيش وكثرة المال ، مجاهد : خصب وسعة ، وغيرهم في غلاء السعر وزوال النعمة وحلول النقمة إن لم يتوبوا { وَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } محيط بكم فلا يفلت منكم أحد . { وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ } اكتالوا بالقسط { وَلاَ تَبْخَسُواْ } ولا تنقصوا { ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّةُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } قال ابن عباس : ما أبقى الله لكم من الحلال ، وإيفاء الكيل والوزن خير من البخس والتطفيف ، قال مجاهد : الطاعة ، سفيان : رزق الله ، قتادة : حظكم من ربكم ، ابن زيد : الهلاك في العذاب والبقية : الرحمة ، الفرّاء : مراقبة الله { وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } وإنما قال هذا لأن شعيباً لم يؤمر بالقتال . { قَالُواْ يٰشُعَيْبُ أَصَلَٰوتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ } من الأوثان ، قال ابن عباس : كان شعيب كثير الصلاة لذلك قالوا هذا ، قال الأعمش : يعني قراءتك { أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ } يعني أو أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء ، وقرأ بعضهم : تفعل وتشاء بالتاء يعني : تأمرك أن تفعل في أموالنا ما تشاء فيكون راجعاً إلى الأمر لا إلى الترك . قال أهل التفسير : كان هذا نهياً لهم عنه وعذبوا لأجله قطع الدنانير والدراهم . فلذلك قالوا : وأن نفعل ما نشاء { إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ } قال ابن عباس : السفية الغاوي . قال القاضي : والعرب تصف الشيء بضده ، للتطير والفأل كما قيل للدّيغ : سليم ، وللفأرة : مفازة . وقيل : هو على الاستهزاء ، كقولهم للحبشي : أبو البيضاء ، وللأبيض : أبو الجون ، ومنه قول خزنة النار لأبي جهل : { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } [ الدخان : 49 ] . وقيل : معناه الحليم الرشيد بزعمك وعندكن ومثله في صفة أبي جهل ، وقال ابن كيسان : هو على الصحة أي أنّك يا شعيب لنا حليم رشيد ، فليس يجمل بك شق عصا قومك ولا مخالفة دينهم ، كقول قوم صالح له : { يٰصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً } . { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ } حجّة وبصيرة وبيان وبرهان { مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً } حلالا طيباً من غير بخس ولا تطفيف ، وقيل : علماً ومعرفة { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ } ما أريد أن أنهاكم عن أمر وأرتكبه { إِنْ أُرِيدُ } ما أريد فيما آمركم به وأنهاكم عنه { إِلاَّ ٱلإِصْلاَحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِيۤ إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } أي أرجع فيما ينزل بي من النوائب ، وقيل : إليه أرجع في الآخرة . { وَيٰقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ } لا يحملنكم { شِقَاقِيۤ } خلافي وفراقي { أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ } من العذاب { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ } وذلك أنهم كانوا حديثي عهد بهلاك قوم لوط ، وقيل : ما دارُ قوم لوط منكم ببعيد { وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ } محبّ المؤمنين ، وقيل : مودود للمؤمنين ومحبوبهم . { قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً } وذلك أنه كان ضريراً ، قال سفيان : كان ضعيف البصر ، وكان يقال له خطيب الأنبياء { وَلَوْلاَ رَهْطُكَ } عشيرتك وكان في عزة ومنعة من قومه { لَرَجَمْنَاكَ } لقتلناك { وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ * قَالَ يٰقَوْمِ أَرَهْطِيۤ أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَٱتَّخَذْتُمُوهُ وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً } قيل : الهاء راجعة إلى الله وقيل : إلى أمر الله وما جاء به شعيب ، أي نبذتموه وراء ظهوركم وتركتموه ، يقال : جعلت أمري بظهر إذا قصر في أمره وأخلّ بحقه . { إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ * وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } أي تؤدتكم ومكانكم ، يقال : فلان يعمل على مكانته ومكنته إذا عمل على تؤدّهُ تمكن . ويقال : مُكن يمكن مكناً مكاناً ومكانة ، { إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } أيّنا الجاني على نفسه ، والأخطى في فعله ، وذلك قوله { مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ } قيل : { مَن } في محل النصب أي فسوف تعلمون من هو كاذب ، وقيل : ويخزي من هو كاذب ، وقيل : محله رفع تقديره : ومن هو كاذب فيعلم كذبه ويذوق وبال أمره { وَٱرْتَقِبُوۤاْ } وانتظروا العذاب { إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ } منتظر . { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ } صيحة من السماء أخذتهم وأهلكتهم ، ويقال : إن جبريل صاح بهم صيحة فخرجت أرواحهم من أجسادهم . { فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } ميتين ساقطين هلكى صرعى { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ } يكونوا { فِيهَآ أَلاَ بُعْداً } هلاكاً وغضباً { لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ } هلكت { ثَمُودُ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } حجة بيّنة { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ } وخالفوا أمر موسى { وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ * يَقْدُمُ قَوْمَهُ } أي يتقدمهم ويقودهم إلى النار يوم القيامة { فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ } وبئس المدخل المدخول فيه . { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ بِئْسَ ٱلرِّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ } العون المعان ، وذلك أنه ترادفت عليهم اللعنات ، لعنة في الدنيا ، ولعنة في الآخرة . { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ } خراب ، ابن عباس : قائم ينظرون إليه ، وحصيد قد خرب وهلك أهله ، مقاتل : قائم يعني له أثر ، وحصيد لا أثر له ، مجاهد : قائم : خاوية على عروشها وحصيد : مستأصل يعني محصوداً كالزرع إذا حصد ، قال قتادة : القائم منها لم يذهب أصلا ، ومنها حصيد قد ذهب أصلا ، القرضي : منها قائم بجدرانهاوحيطانها ، وحصيد : ساقط ، محمد بن إسحاق : منها قائم يعني [ . … ] وأمثالها من القرى التي لم تهلك ، وحصيد يعني التي قد أهلكت . { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ } بالعذاب والأهلاك { وَلَـٰكِن ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } بالكفر والمعصية يظلمون { فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ } عذاب { رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } غير تخسير . { وَكَذٰلِكَ } وهكذا أخذ ربك { أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } نظير قوله : { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } [ البروج : 12 ] . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } لعبرة وعظة { لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ ذٰلِكَ } يعني يوم القيامة { يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ } قال عبد الله بن مسعود لأصحابه : إنكم مجموعون يوم القيامة في صعيد واحد تسمعون الداعي [ … ] { وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } يشهده أهل السماء وأهل الأرض . { وَمَا نُؤَخِّرُهُ } يعني وما نؤخّر ذلك اليوم ولا نقيم عليكم القيامة { إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ } أي مؤقّت لا يتقدم ولا يتأخر { يَوْمَ يَأْتِ } وقرئ بإثبات الياء وحذفه ، وهما لغتان وحذف الياء له طريقان كالكسرة عن الياء والضمة من الواو ، كقول الشاعر : @ كفاك كفّ ما تليق ودرهما جوداً وأخرى تُعط بالسيف الدما @@ { لاَ تَكَلَّمُ } أي : لا تتكلم { نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } نظير { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } [ القدر : 4 ] أي : تتنزل . قال لبيد : @ والعين ساكبة على أطلائها عوذا تأجّل بالفضاء بهامها @@ ( أي تتأجل ) . { فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } قال ابن عباس : فمنهم شقي كتبت عليه السعادة ، وروى عبد الله ابن دينار عن ابن عمر " عن عمر ، قال : لمّا نزلت هذه الآية سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا نبي الله فعلى ما عملنا ، على شيء قد فرغ منه أو على شيء لم يفرغ منه ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : على شيء قد فرغ منه يا عمر ، وجرت به الأقلام ولكن كلٌّ ميسّر لما خلق له " . وروي عنه ( عليه السلام ) : " الشقي من شقي في بطن أُمّه ، والسعيد من سعد في بطن أُمّه " . { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيق } قال ابن عباس : الزفير : الصوت الشديد ، والشهيق : الصوت الضعيف ، الضحّاك ومقاتل : الزفير : أول نهيق الحمار ، والشهيق آخره حين يفرغ من صوته إذا ردّده في الجوف . أبو العالية : الزفير في الحلق ، والشهيق في الصدر { خَالِدِينَ } لابثين ومقيمين { فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ } يسمى هنا { مَا } الوقت . قال ابن عباس : ما دامت السماوات والأرض من ابتدائها إلى وقت فنائها ، قال الضحّاك : ما دامت سماوات الجنة والنار وأرضهما ، وكل ما علاك فأظلَّك فهو سماء ، وكل ما استقرت عليه قدمك فهو أرض . قال الحسين : أراد ما دامت الآخرة كدوام السماء والأرض في الدنيا قدر مدة بقائها ، قال أهل المعاني : العرب [ … ] في معنى التأبيد والخلود ، يقولون : هو باق ما [ . … ] وأطت الإبل ، وأينع الثمر ، وأورق الشجر ، ومجن الليل وسال سيل ، وطرق طارق ، وذرّ شارقن ونطق ناطق ، وما اختلف الليل والنهار ، وما اختلف الذرة والجمرة ، وما دام عسيب ، وما لألأت العفراء ونابها ، وما دامت السماوات والأرض ، فخاطبهم الله تعالى بما تعارفوا بينهم . ثم استثنى فقال : { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } اختلف العلماء في هذين الاستثناءين ، من أهل الشقاوة أو من أهل السعادة ، فقال بعضهم هو في أهل التوحيد الذين يخرجهم الله من النار . قال ابن عباس : وما شاء ربك أن يخرج أهل التوحيد منها ، وقال في قوله في وصف السعداء : ألا ما شاء ربك أن يخلدهم في الجنة ، وقال قتادة : في هذه الآية الله أعلم بها ، وذكر لنا أن ما أقوله سيصيبهم سفع من النار بذنوب اقترفوها ثم يخرجهم الله منها ، وعلى هذا القول يكون استثناء من غير جنسه لأن الأشقياء في الحقيقة هم الكافرون ، والسعداء في الحقيقة هم المؤمنون . وقال أبو مجلز : هو جزاؤه إلاّ أن يشاء ربك أن يتجاوز عنهم ، ولا يدخلهم النار ، وفي وصف السعداء إلاّ ما شاء ربك بقاءهم في الجنة . قال ابن مسعود : خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ، لا يموتون فيها ولا يخرجون منها إلاّ ما شاء ربك . وهو أن يأمر النار أن تأكلهم وتفنيهم ثم يجدّد خلقهم . قال : وليأتين على جهنم زمان تغلق أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعدما يلبثون فيها أحقاباً ، وقال الشعبي : جهنم أسرع الدارين عمراً أسرعهما خراباً ، وقال ابن زيد : في هذه الآية أخبرنا بالذي أنشأ لأهل الجنة فقال : هذا غير مجذوذ ، ولم يخبرنا بالذي أنشأ لأهل النار ، وقال ابن كيسان : إلاّ ما شاء ربك من الفريقين من تعميرهم في الدنيا قبل مصيرهم إلى الجنة والنار ، وقيل : ما شاء ربك من احتباس الفريقين في البرزخ ما بين الموت والبعث . الزجّاج : في هذه الآية أربعة أقوال : قولان منها لأهل اللغة ، وقولان لأهل المعاني ، فأمّا أحد قولي أهل اللغة فإنهم قالوا : { إِلاَّ } ههنا بمعنى سوى كما يقال في الكلام : ما كان معنا رجل إلاّ زيد ، ولي عليك ألف درهم إلاّ الألفان التي لي عليك ، فالمعنى ما دامت السماوات والأرض سوى ما شاء ربك من الخلود ، والقول الثاني : إنّه استثنى من الاخراج وهو لا يريد أن يخرجهم منها ، كما يقول في الكلام : أردت أن أفعل كذا إلاّ أن أشاء غيره ، وأنت مقيم على ذلك الفعل ، والمعنى أنّه لو شاء أن يخرجهم لأخرجهم ، ولكنّه أعلمهم أنهم خالدون فيها ، قال الزجّاج : هذان مذهبا أهل اللغة . وأما قولا أهل المعاني ، فإنهم قالوا : خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلاّ ما شاء ربك من مقدار مواقفهم على رأس قبورهم للمحاسبة إلاّ ما شاء ربك من زيادة النعيم لأهل النعيم ، وزيادة العذاب لأهل الجحيم ، وقال الفراء : معناه : وقد شاء ربك خلود هؤلاء في النار وهؤلاء في الجنة ، و { إِلا } بمعنى الواو سائغ جائز في اللغة ، قال الله تعالى { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } [ البقرة : 150 ] ومعناه ، ولا الذين ظلموا ، وأنشدني أبو ثروان : @ من كان أشرك في تفرّق فالج فلبونه جربت معاً وأغدت إلاّ كناشرة الذي ضيعتم كالغصن في غلوائه المثبت @@ معناه ، لكن هنا كناشرة ، وهي كاسم قبيلة ، وقال : معناه كما شاء ربك كقوله { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } [ النساء : 22 ] معناه كما قد سلف . { أَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ } قرأ أهل الكوفة : ( سُعدوا ) بضم السين أي رُزقوا السعادة ، وسعد وأُسعد بمعنى واحد ، وقرأ الباقون بفتح السين قياساً على الذين شقوا ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم { فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } . الضحّاك : إلاّ ما مكثوا في النار حتى أُدخلوا الجنة ، أبو سنان : إلاّ ما شاء ربك من الزيادة على قدر مدة دوام السماء والأرض ، وذلك هو الخلود فيها ، قال الله { عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } غير مقطوع . وكيع بن الجراح : كفرت الجهمية بأربع آيات من كتاب الله ، قال الله تعالى في وصف نعيم الجنة { لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } [ الواقعة : 33 ] وقالت الجهمية : يقطع فيمنع عنهم ، وقال الله { أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا } [ الرعد : 35 ] وقالوا : لا يدوم ، وقال الله و { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ } [ النحل : 96 ] وقالوا : لا يبقى ، وقال الله { عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } وقالوا : يُجذ ويُقطع . { فَلاَ تَكُ } يا محمد { فِي مِرْيَةٍ } في شك { مِّمَّا يَعْبُدُ هَـٰؤُلاۤءِ } فهم ضُلاّل . { مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ } فيه إضمار أي : ( كعبادة ) { آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ } حظهم من الجزاء { غَيْرَ مَنقُوصٍ } .