Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 110-115)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا } أعطينا { مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } ممّن صدف عنه وكذبّ به ، كما فعل قومك بالقرآن يُعزّي نبيه صلى الله عليه وسلم { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ } في تأخير العذاب { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } أُفرغ من عقابهم وإهلاكهم ، يعني المختلفين المخالفين . { وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ } موقع في الريب والتهمة ، يقال : أراب الرجل ، أي جاء بريبة ، وألام إذا أتى بما يُلام عليه ، قال الشاعر : @ تعد معاذراً لا عذر فيها ومن يخذل أخاه فقد ألاما @@ { وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا } اختلف فيه القُرّاء ، فقرأ ابن عامر وأبو جعفر وحمزة { وَأنَ } بتخفيف النون وَ { لَمَّا } بتشديد الميم على معنى فأنّ كلاً لمّا { لَيُوَفِّيَنَّهُمْ } ، ولكن لما اجتمعت الميمات حذفت واحدة ، كقول الشاعر : @ كان من أخرها لقادم مخرم نجد فارع المحارم @@ أراد إلى القادم ، فحذف اللام عند اللام وتكون { مَآ } بمعنى من تقديره لممّن يوفينّهم ، كقول الشاعر : @ وأنّيَ لمّا أصدر الأمر وجهه إذا هو أعيا بالسبيل مصادره @@ وقيل : أراد وأن كلا لمّاً بالتنوين والتشديد ، قرأها الزهري بالتنوين أي وإن كلاً شديداً وحقاً ليوفينّهم { رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ } من قوله تعالى : كلاّ لمّا ، أي شديداً فحذفوا التنوين وأخرجوه على هذا فعلى ، كما فعلوا في قوله : ثم أرسلنا رسلنا تترى ، وقرأ نافع وابن كثير بتخفيف النون والميم على معنى إن الثقيلة مخفّف ، وأنشد أبو زيد : @ ووجه مشرق النحر كأنْ ثدييه حُقّان @@ أراد كان فخفّف ونصب به ، و { مَآ } صلة تقديره وإن كلا ليوفينّهم . وقرأ أبو عمرو والكسائي ويعقوب وحفص وأيوب وخلف بتشديد النون وتخفيف الميم على معنى وأن كُلاً ليوفينّهم ، جعلوا { مَآ } صلة . وقيل : أرادوا وأن كلا لممّن كقوله { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } [ النساء : 3 ] أي من . وقرأ أبو بكر بن عياش بتخفيف النون وتشديد الميم أراد أن الثقيلة فخفّفها . وقيل : { إِنَّ } بمعنى { مَا } الجحد و { لَّمَّا } بمعنى { إلاَّ } تقديره وما كلاً إلاّ ليوفينّهم ، ولكنه نصب كلاّ بإيقاع التوفية عليه أي ليوفينّ كلا وهو أبعد القراءات فيها من الصواب ، { إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } . { فَٱسْتَقِمْ } يا محمد على أمر ربك والعمل به والدعاء إليه { كَمَآ أُمِرْتَ } أن لا تشرك بي شيئاً وتوكّل عليّ مما ينوبك ، قال السدّي : الخطاب له صلى الله عليه وسلم والمراد أُمته . { وَمَن تَابَ مَعَكَ } فليستقيموا ، يعني المؤمنين { وَلاَ تَطْغَوْاْ } ولا تجاوزوا أمري ، وقال ابن زيد : ولا تعصوا الله ولا تخالفوه ، وقيل : ولا تتخيّروا . { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } لا يخفى عليه من أعمالكم شيء ، قال ابن عباس : ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع القرآن آية كانت أشد ولا أشقّ عليه من هذه الآية ، ولذلك قال لأصحابه حين قالوا له : لقد أسرع إليك الشيب ، فقال : " شيبتني سورة هود وأخواتها " . { وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } قال ابن عباس : ولا تميلوا على غيّهم ولا تدهنوا لهم قال ، أبو العالية : لا ترضوا على أعمالهم . قتادة : لا تلحقوا بالمشركين . السدّي وابن زيد ، ولا تداهنوا الظلمة ، ابن كيسان : لا تسكنوا إلى الذين ظلموا . { فَتَمَسَّكُمُ } تصيبهم النار { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ } أي أعوان يمنعون { ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ * وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ } يعني الغداة والعشي ، قال ابن عباس : يعني صلاة العصر والمغرب . مجاهد : صلاة الفجر وصلاة العشاء ، القرظي : هي الفجر والظهر والعصر ، الضحاك : صلاة الفجر والعصر ، [ وقيل : الطرفان ] صلاة الفجر والظهر طرف وصلاة العصر والمغرب طرف . { وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ } يعني صلاة العتمة ، وقال الحسن : هما المغرب والعشاء ، قال الأخفش : يعني ساعات الليالي واحدتها زلفة ، وأصل الزلفة المنزلة والقربة ، ومنه المزدلفة لأنها منزل بعد عرفة ، قال العجاج : @ طيّ الليالي زلفاً فزلّفا سماوة الهلال حتى أحقوقفا @@ وفيه أربع لغات زُلُفاً : بفتح الفاء وضم اللام وهي قراءة العامة ، وقرأ أبو جعفر بضم الزاي واللام ، وقرأ ابن محيصن بضم الزاي وجزم اللام ، وقرأ مجاهد زُلفى ، مثل قُربى . { إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ } يعني : إن الصلوات الخمس يذهبن الخطيئات ، هذا قول أكثر المفسرين ، وقال مجاهد : هي قول العبد : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر . نزلت هذه الآية في أبي اليسر عمرو بن غزية الأنصاري وكان يبيع التمر فأتته امرأة تبتاع تمراً فقال : إن هذا التمر ليس بجيد وفي البيت أجود منه ، فهل لك فيه ، فقالت : نعم ، فذهب بها إلى بيته فضمها إليه وقبّلها ، فقالت له : اتق الله فتركها وندم على ذلك ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله ، ما تقول في رجل راود امرأة عن نفسها ولم يبق شيئاً مما يفعل الرجال بالنساء إلاّ ركبه غير أنه لم يجامعها ، فقال عمر بن الخطاب : لقد ستر الله عليك لو سترت على نفسك ، فلم يردّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ، وقال : أنظر فيه أمر ربي ، وحضرت صلاة العصر ، فصلّى النبي صلى الله عليه وسلم العصر ، فلما فرغ أتاه جبريل بهذه الآية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " " أين أبو اليسر ؟ " فقال : ها أناذا يا رسول الله ، قال : " أشهدت معنا هذه الصلاة ؟ " قال : نعم ، قال : " اذهب فإنها كفارة لما عملت " فقال عمر : يا رسول الله أهذا له خاصّة أم لنا عامة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم " بل للناس عامة " " . { ذٰلِكَ } الذي ذكرناه ، وقيل : هو إشارة إلى القرآن { ذِكْرَىٰ } عظة { لِلذَّاكِرِينَ * وَٱصْبِرْ } يا محمد على ما تلقى من الأذى ، وقيل : على الأذى ، وقيل : على الصلاة ، نظير قوله { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا } [ طه : 132 ] { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } من أعمالهم ، وقال فيه ابن عباس : يعني المصلّين .